من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر

من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر

من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر

 صوت الإمارات -

من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر

بقلم : عمرو الشوبكي

لم تكن العملية الإرهابية التى شهدتها مدينة مانشستر البريطانية هى الأولى فى بلد أوروبى متقدم وديمقراطى، وللأسف لن تكون الأخيرة، مثلما شهدت مدينة المنيا عملية إرهابية أخرى فى بلد عربى نامٍ وغير ديمقراطى، وللأسف أيضا لن تكون الأخيرة، لنصبح أمام مشهد إرهابى عابر للحدود والنظم الحاكمة.

والحقيقة أن جريمة الانتحارى، سلمان العبيدى، الليبى- البريطانى، ذى الـ22 ربيعا، فتحت ملف المقارنة بين الإرهاب فى أوروبا والعالم العربى، خاصة أنها سبقت عملية المنيا الإرهابية بأيام معدودة، وطرحت سؤالا رئيسيا يتعلق بهوية وطبيعة الإرهاب الجديد، وما إذا كانت قضية دينية عقائدية منزوعة الصلة بالسياق الاجتماعى والسياسى، بدليل وجوده فى البلاد الديمقراطية والاستبدادية على السواء، بما يعنى أنه مرتبط بالتفسيرات المنحرفة للنصوص الدينية، بل إن البعض ذهب وقال بشكل واضح إن المشكلة فى الإسلام نفسه لأنه دين يحض على الكراهية والعنف.

والمؤكد أن الإرهاب ظاهرة مركبة لن تختفى من المجتمعات الديمقراطية ولا تنمو فقط بسبب الاستبداد والمظالم، فدول أوروبا الديمقراطية فيها إرهاب، ولكنها فى نفس الوقت تمتلك القدرة على مقاومته وحصاره وفرصا حقيقية للانتصار عليه، وهو إرهاب خاطف يقوم به أفراد منعزلون عن المجتمع لا يحتلون مدنا ولا أحياء، ويلفظهم ملايين المسلمين الذين يعيشون فى تلك البلاد.

فى حين أن الإرهاب الذى شهدناه- فى ظل نظم استبدادية مثل سوريا أو طائفية مثل العراق- هو إرهاب يدمر أمما ويحتل مدنا ويقتل عشرات الآلاف من البشر ويجعل الناس يتقبلون نظمهم الاستبدادية والطائفية، لأنهم مقتنعون أن «البديل» التكفيرى أكثر سوءا من النظم القائمة، على جرائمها وسوءاتها.

ومع ذلك يقول البعض إنه مادام الإرهاب موجودا فى دول صناعية وديمقراطية فإن هذا يعنى أن الإرهاب عقائدى وليس سياسيا أو اجتماعيا، وهو بالتالى يؤكد كلام المدرسة السائدة فى مصر الآن، والتى تختزل مواجهتها لكل حوادث الإرهاب فى الحديث عن مواجهة الفكر الدينى المنحرف والتفسيرات المتشددة للنصوص المقدسة وإصلاح المناهج الدينية دون أى قراءة للسياق الاجتماعى والسياسى، الذى يخلق بيئة حاضنة للإرهاب، تفرز كل يوم عناصر جديدة مهيأة للانتحار والقتل.

الإرهابى والانتحارى سلمان العبيدى، الذى نفذ عملية مانشستر، هو جزء من سلسلة طويلة من جيل ثانٍ من العناصر الإرهابية فى أوروبا لا يختلف عن كثير من العناصر الإرهابية فى مصر والعالم العربى، ويتميز بانعدام- (أو ضحالة فجَّة)- التكوين الفقهى والعقائدى، ولو فى الاتجاه المنحرف، فهناك الأخوان شریف، 32 عاما، وسعید كواشى، 34 عاما، اللذان نفذا عملیة «تشارلى إبدو» الإرهابية فى باریس منذ أكثر من عامين، ولم ينتميا إلى أى تنظيم دينى جهادى من قبل، ويحملان خلیطا من ثقافة شباب الضواحى الفرنسیة الفقراء والمهمشين مع قشور دينية أقرب للشعارات التكفيرية وليس المفاهيم التكفيرية، وهناك صلاح عبدالسلام، 26 عاما، أحد العقول المدبرة لعملية باريس الإرهابية، والذى وصفته صحيفة «لوموند» الفرنسية بـ«الجهادى الذى لا يصلى فى موعده أبدا» (Le djihadist qui ne priait jamais à l›heure)، فى تحقيق مطول قدمت فيه بروفايل لشاب له علاقة بأشياء كثيرة (المخدرات والسرقات الصغيرة) لا الدين.

وهناك محمد الهلالى الفرنسى، من أصل تونسى، 31 عاما، والذى قتل بشاحنته الضخمة 84 شخصا، بينهم 10 أطفال، فى مدينة نيس الفرنسية، متأثرا فى تحركاته بعصابات السطو المسلح أكثر من تأثره بأفكار ابن تيمية المتشددة، وهو طبیعى، لأنه لم يشاهد یصلى مرة واحدة فى حیاته، واعتاد شرب الكحولیات والمخدرات، ودائم الاعتداء على زوجته السابقة، ووصفه وزير الداخلية الفرنسى بأنه «تحوَّل فجأة إلى متطرف، وليس له أى ماضٍ جهادى».

لقد خرجت من أهم الجامعات والمراكز العلمية فى الغرب مئات الأبحاث والكتب لدراسة ظاهرة الإرهاب الجديد، وأكدت جميعها أن الغالبية الساحقة من المتطرفين (أكثر من 90% منهم) مواطنون أوروبيون من أبناء المهاجرين ومن ساكنى الضواحى الفقيرة والمهمشة، ويعيشون فى جيتو منعزل عن نمط الحياة الغربى، كما أنهم فشلوا مهنيا ودراسيا، وعانى معظمهم فشلا دراسيا مبكرا، كما أن أعمارهم تتراوح بين 23 و30 عاما، صحيح أن بعضهم سافر إلى سوريا دفاعا عن الإسلام والمسلمين ضد النظم الظالمة والكافرة المدعومة من الغرب (كما تصور)، وأن معظمهم تم تجنيده عبر مواقع التواصل الاجتماعى وعبر شرائط داعش التحريضية وخطابه الإعلامى والتسويقى، الذى يخاطب المهمشين بجنة موعودة على الأرض والآخرة، لا عبر كتب فى الفقه أو التفسير.

مَن يتصور أنه وجد «التائهة» حين يرد عليك بالقول إن الإرهاب موجود فى بلاد ديمقراطية ومتقدمة، بما يعنى أن المشكلة لا علاقة لها بالسياسة ولا الاقتصاد، إنما فقط أو أساسا بالجوانب العقائدية والدينية، فتأكد أنه لا يعرف شيئا عن الإرهاب الجديد الذى تشهده أوروبا وأمريكا، فكل الأسماء المعروفة وغير المعروفة التى مارست الإرهاب فى هذه البلدان لم يكن أصحابها أعضاء سابقين فى تنظيمات جهادية، ولم يكونوا متدينين من الأصل، ولا قارئين لأى تفسيرات فقهية أو مناهج دينية، بل كانوا مهمشين ضائعين وجدوا فى بعض الشعارات والقشور الدينية مبررا لما سبق أن قرروه، أى ممارسة الإرهاب والانتقام من المجتمع، الذى لم يعطهم فرصة للنجاح (دون أن يبحثوا فى مسؤوليتهم عن عدم النجاح).

ولذا لم يكن غريبا أن يكون حديث قادة الدول الصناعية السبع، فى مؤتمرهم الأخير، أمس الأول، أكثر عملية فى التعامل مع ظاهرة التطرف الجديد من مؤتمر الرياض، فقد طالبوا شركات الإنترنت الكبرى بالتعاون مع الأجهزة الأمنية فى فرض رقابة على المحتوى المتطرف والمحرض على العنف فى مواقع التواصل الاجتماعى، ولم يطالبوا أحدا فى العالم العربى بتصحيح المفاهيم الدينية ولا دعوة الأزهر أو مركز «اعتدال» السعودى أو «صواب» الإماراتى إلى الرد على المتطرفين وتصحيح مفاهيمهم «الضالة»، إنما كانوا واضحين وعمليين وسريعى الحركة، لأن التجنيد لصالح هذه الخلايا الإرهابية لا يتم عبر كتب الفقه والتفسير، إنما عبر الإنترنت ولأسباب بالأساس غير عقائدية، إنما اجتماعية ثقافية فى أوروبا، وسياسية اجتماعية فى مصر، وثقافية اجتماعية فى تونس، وطائفية سياسية فى العراق، ووجدت ضالتها أو مبررها فى قشور دينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر



GMT 20:35 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الدعم المطلق

GMT 21:22 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

ما بعد الاجتياح

GMT 17:42 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

الهدنة الحائرة

GMT 16:39 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

الهدنة المؤقتة

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الردع المتبادل

GMT 02:36 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 صوت الإمارات - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 09:15 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 19:12 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 20:20 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 11:21 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 10:58 2012 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"البرلمان الأوروبي" يمنع قطع زعانف سمك القرش في البحر

GMT 13:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن راشد يهنئ المواطنين هاتفيًا بـ"اليوم الوطني"

GMT 15:55 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

منزل غريب في نيوزيلندا يصلح للشخصيات الخيالية

GMT 19:23 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

خالد باوزير يعود إلى تدريبات الوحدة

GMT 12:20 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

التليفزيون المصرى يعرض أول مسلسل صيني في الشرق الأوسط

GMT 21:50 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد للطيران تعلق رحلات أبوظبي " دالاس فورت وورث " في 2018

GMT 07:01 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

شركة يابانية تكشف عن أسرع سيارة في العالم

GMT 22:12 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

وضعيات "يوغا" تقلل من تساقط الشعر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates