ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة

 صوت الإمارات -

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة

بقلم - مصطفي الفقي

نقول دائمًا لمن ينسى ما فعله فور حدوثه بأن لديه ذاكرة سمكة، فالسمكة تأكل الطعم من السنارة وقد تفلت منها ولكنها تعود مرة ثانية، لذلك يضرب الناس الأمثال بذاكرة السمكة القصيرة لكل من لا يتأثرون من تجاربهم السابقة ولا يتعظون بماضيهم، فيقال إن له ذاكرة سمكة فلا يتذكر ما حدث. وعلى الجانب الآخر فإن الفيل – وربما الجمل أيضًا – حيوان مختلف له ذاكرة طويلة الأمد، فقد يضربه مدربه مرة فلا ينسى ويتذكر ذلك بعد سنوات فيلف خرطومه على وسط ضاربه ثم يقذفه فى الهواء لأن ذاكرته احتفظت بما جرى ولم تسقط منها أحداث وقعت لها، وكذلك فإن من يتذكر ما حدث لمدة طويلة ويستعيده بعد فترة من الزمن ويتصرف وفقًا له نقول عنه إنه يملك ذاكرة الفيل، وأحيانًا قالت العرب ذاكرة الجمل باعتباره الحيوان الذى يعيش معها وتدرك تصرفاته من البيئة التى تضمه مع رعاة الإبل وعشاق (سفينة الصحراء)، وأنا أقول ذلك اليوم لأنى اكتشفت أن البشر صنفان، أحدهما يملك ذاكرة السمكة، والثانى يملك ذاكرة الفيل أو الجمل، والصنف الأول لا يتعلم من أخطائه ولا يدرك الخطر إلا بعد فوات الأوان وهو يرتكب ذلك الخطأ مراتٍ عديدة دون أن يتعلم أو يرتدع، بل هو فى كل الحالات غير واعٍ لما جرى له ولا مدرك لما فعل، وهذا النوع من البشر مسكين بطبيعته مغلوبٌ على أمره لا يدرك مغبة ما فعل، فهو لا يتذكر القريب ولا البعيد زمانًا أو مكانًا فهو ابن لحظته يملك ذاكرة السمكة بقصرها وسطحيتها وقلة تأثيرها، أما الصنف الثانى من البشر فهو مختلف لأن لديه ذاكرة عميقة تحتفظ بالأحداث سنين عددًا وتختار الوقت المناسب للرد الرادع من جانبها، ولقد شاعت فى السنوات الأخيرة نسبة المصابين بمرض ألزهايمر الذى يؤدى إلى فقدان الذاكرة وتكرار الحديث فى الموضوع الواحد عدة مرات ربما فى ذات الجلسة، وهو المرض الذى أطلق عليه الأقدمون مرض الخرف، وتساءل الكثيرون لماذا زادت نسبة الإصابة به، وواقع الأمر أن الذى حدث أن مستوى الأعمار قد طال ولأن هذا المرض اللعين يزور البشر غالبًا فى السن المتقدمة لذلك فإن ارتفاع مستويات الأعمار قد أتاح وجود نسبة أكبر نعرفها ونتعامل معها من مرضى ألزهايمر, ولقد عانى منه كثيرٌ من الشخصيات الكبرى فى التاريخ بدءًا من محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة وصولاً إلى رونالد ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، وما أكثر الكبار الذين كانوا يهيمون فى الشوارع بلا وعى نتيجة فقدان الذاكرة جزئيًا أو كليًا، بالإضافة إلى النسيان الدائم كظاهرةٍ لا تتوقف، ورغم العلاجات الحديثة ومظاهر الانتشار المبكر لذلك الزائر غير المرغوب فيه وأعنى به مرض الألزهايمر فإننا نظن أن انتشار ذلك المرض يتسع وتتزايد الحالات المصابة به وقد تستهدف المفكرين والعلماء أكثر من غيرهم لأن عقولهم مجهدة وذاكراتهم مرهقة بعد رحلة تأمل طويل مع الإبداع بكل صوره وأشكاله، وأعرف على الجانب الآخر أنماطًا من البشر لا يكادون يدركون ماذا يفعلون، فلقد كنت ألتقى الفنان العالمى عمر الشريف على مائدة صديقه القريب منه الدكتور زاهى حواس وكانت نوبات الألزهايمر تزور ذلك الفنان فى سنواته الأخيرة حتى كان لا يتعرف أحيانًا على صديقه الذى عاش معه سنوات فى الولايات المتحدة الأمريكية الدكتور زاهى حواس.

ولذلك فإننى أعتقد أن هذا المرض يداهم من بذلوا مجهودًا أكبر فى حياتهم وخاضوا معارك إنسانية ومروا بتجارب عميقة أكسبتهم قدرًا هائلاً من الصمود والقدرة على المقاومة، وعندما دخلوا فى خريف العمر أصابتهم لعنة الحياة، وقديمًا كان الدعاء الشائع اللهم اجعل خير أيامنا خواتيمها واجعل خير أعمالنا آخرها، لأن فقدان الذاكرة فى سن متقدمة أمر مؤلم بل ومهين أحيانًا.

وأنا أعرف شخصيات عظيمة القدر انتهت حياتهم وذويهم يبحثون عنهم فى الشوارع المحيطة بمنازلهم فلا يعرفون ماذا فعلوا ولا أين ذهبوا؟ إنها قسوة الحياة وضريبة الزمن ولعنة العمر المتقدم فما أصعب الدنيا على المرء حينما تختفى منه ذاكرة الفيل وتعشش لديه ذاكرة السمكة بديلاً مؤلمًا فى سنوات حرجة من العمر، ولقد قرأنا أن الرئيس الأمريكى ريجان كان ينظر إلى زوجته نانسى وهما يجلسان فى السيارة وبعض الجماهير تحييه عندما يتعرفون إليه بينما ينظر هو ببلاهة ولا يعلم لماذا يفعلون ذلك، لذا حرصت زوجته الذكية عندما لاحظت بوادر الزيارة الثقيلة للألزهايمر عليه أن تدعو أصدقاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق ورفاق عمره إلى حفلٍ عشاء تبادلوا معه فيها الذكريات والقفشات قبل أن يختفى كل ذلك من حياة رئيس أكبر دولة فى العالم المعاصر.. إنها الدنيا لمن لا يعرف، تبدأ بذاكرة سمكة وتنتهى بها، وتمر بين الاثنتين بذاكرة الفيل عالميًا والجمل عربيًا إذا جاز التعبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة ذاكرة الفيل وذاكرة السمكة



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates