فى صالون السعدنى 34

فى صالون السعدنى (3-4)

فى صالون السعدنى (3-4)

 صوت الإمارات -

فى صالون السعدنى 34

بقلم - مصطفي الفقي

عكف محمود السعدنى، رحمه الله، في السنوات التي قضاها حبيسًا في السجن متهمًا في قضايا سياسية يقترب بعضها من إشارات لليسار المصرى، وأخرى تتعلق بسخريته الدائمة من نظم الحكم، عكف طوال تلك السنوات على القراءة وتثقيف الذات، ومضى يقرأ في خبايا العقل المملوكى وتطور آليات الحكم في العصر العثمانى وخرج بفلسفة شاملة تجاه التاريخ السياسى لمصر في عصورها المختلفة، ولا شك أن ما فعله السعدنى قد أعطاه رصيدًا ثقافيًا ضخمًا وزوده برؤية شاملة للوطن ومستقبله، وما أكثر النوادر المعروفة من حواراته مع رفاق الزنزانة.

فلقد قال له المفكر المصرى الراحل، الدكتور لويس عوض، إنه لا يوجد (جسم للجريمة)، ونطق بذلك التعبير باللغة اللاتينية، وقد استخدم السعدنى ذلك الاسم للسخرية دومًا من لويس عوض، لأن السجان طلب منه في ذلك الوقت تنظيف دورات المياه والحمامات، وذلك السجان لا يدرك القيمة الفكرية الضخمة لمفكر بحجم لويس عوض، الذي يعتبر امتدادًا طبيعيًا للرعيل الأول من مفكرى العصر الليبرالى في التاريخ المصرى المعاصر، ولقد أنتج محمود السعدنى في حياته كتبًا سوف تظل باقية.

وإن كان أكثرها التصاقًا بالوجدان هو كتاب (الولد الشقى)، وأتذكر أننى عندما طلبت موعدًا أذهب فيه مع السعدنى للقاء إحدى الشخصيات العربية المهمة في لندن، فإن تلك الشخصية اشترطت عليه أن يحمل بعض كتبه، وفى مقدمتها الولد الشقى، فلقد كان السعدنى مقروءًا فيما يكتب، مسموعًا فيما يقول، مشاهدًا فيما يروى، ولقد ظل محمود السعدنى ملء السمع والبصر في عصور عبدالناصر والسادات ومبارك، وله طرائف عديدة ونوادر معروفة في تلك العهود الثلاثة، وأتذكر أن الحاج إبراهيم نافع، عمدة الجيزة، قد دعانا إلى منزله ذات يوم على شرف السعدنى، وإذا بأديب نوبل، نجيب محفوظ، يصل إلينا أيضًا في تلك الأمسية محدودة العدد بالغة القيمة.

ولقد لاحظت أن محفوظ متيم بشخصية السعدنى، ويضحك من أعماقه على كل قفشاته ونوادره، وقد تعلمت شخصيًا من محمود السعدنى احترام الرأى الآخر والتمسك بالثوابت والإيمان الحقيقى بقضايا الفقراء والمقهورين في الأرض، ولقد اقترب الفنان المتفرد عادل إمام من الأستاذ السعدنى بحكم الصداقة التي تربط عادل إمام بالفنان صلاح السعدنى، ذلك الفنان المتميز- شفاه الله- فقد كانا ينظران إلى محمود السعدنى باعتباره المثل والقدوة، وكان رئيسًا لتحرير أحد إصدارات روز اليوسف، وهى مجلة صباح الخير، بينما هما لايزالان يصارعان أمواج الحياة في بداية مشوارهما الفنى.

وقد ثارت في مجلس الأمة آراء تعترض على تعبير قاله السعدنى عن موشى ديان، لكن السعدنى العنيد استطرد في سبه تجاه كل المختلفين معه، والذين لا يدركون عمق مشاعره القومية، ولقد ذهب بابنته الكبرى وهى إعلامية مرموقة، بعد ذلك بسنوات، إلى لندن للعلاج، وقصرت معه الدولة المصرية وقتها في إرسال فواتير العلاج لفتاةٍ رائعة في مستهل العمر، ولم يجد السعدنى بدًا من أن يبرق لكبار المسؤولين الذين يعرفهم في القاهرة برسالة ساخرة تقول: (إننى متجه إلى السفارة الإسرائيلية في لندن كى أطلب من ابن عمى هناك أن يتكفل بعلاج ابنتى وقرة عينى).

وهكذا بقى محمود السعدنى نسيجا وحده، لا أكاد أجد له تكرارًا حتى بين من أحبوه ونهلوا منه طريقة التفكير وأسلوب الحياة من أمثال وحيده الكاتب الصحفى أكرم السعدنى أو تلميذه المباشر الكاتب والمؤرخ أحمد الجمال، وكلاهما يعرف عن السعدنى أضعاف ما عرفت، إن نوادر السعدنى والقصص التي أحاطت باسمه وسمعته سوف تظل قابعة في وجدان عدة أجيال ممن عاصروه وتباينت أحكامهم نحوه مع اختلاف الزمان والمكان، فضلا عن الظروف المحيطة والمناخ السائد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى صالون السعدنى 34 فى صالون السعدنى 34



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates