اعترافات ومراجعات 54 الدور المسحور والجيل المسروق

اعترافات ومراجعات (54).. الدور المسحور والجيل المسروق

اعترافات ومراجعات (54).. الدور المسحور والجيل المسروق

 صوت الإمارات -

اعترافات ومراجعات 54 الدور المسحور والجيل المسروق

مصطفى الفقي
بقلم - مصطفى الفقي

شاع هذا التعبير الذى أطلقته فى مطلع تسعينيات القرن الماضى عندما تراءى لى أن كل مَن يحتل منصبًا مهمًّا يعتبره ميراثًا لا يتركه ومكانًا لا يبرحه، وكانت مدد بقاء الوزراء فى ذلك الوقت تربو على السنوات العشر، بل أكثر من ذلك فى أحيانٍ كثيرة، مما دفعنى إلى أن أرفع صوت جيلى الذى كان يقترب من منتصف الخمسينيات لكى أقول إن الفرصة ضاعت علينا لأن بقاء كبار المسؤولين من قيادات ووزراء يكون لمدد مفتوحة تضرب بالضرورة أجيالًا تالية وتحرمها فرصتها المنتظرة.

وشبهت فى مقالى حينذاك ما يجرى بأننا كمَن يركب المصعد الذى لا يقف على (الدور المسحور) الذى تتركز فيه مواسير الغاز وسلوك الكهرباء ومواتير المياه وغيرها، فهو الدور الذى يتحمل مسؤولية، ولكنه لا ينال العائد، ويظل منتظرًا حتى يتقدم به العمر، فيقول له أصحاب القرار إنك قد تجاوزت السن واترك الفرصة لغيرك، فهناك أجيال جديدة قادمة.

وكأنما لم يكن هو مواطنًا مصريًّا حتى النخاع يعمل من أجل بلده بأقصى ما يكون العمل، ولكنها سُنة الحياة التى تجعل الفرص تفلت بغير عدالة، كما تطيح بأسماء تستحق أن تنال شرف خدمة بلدها فى مواقع مهمة هم أقرب من غيرهم إليها، وربما أكثر إدراكًا لأهميتها، وعندما كتبت ذلك المقال توالت ردود الفعل السريعة من كل اتجاه، وكأنما نكأت جراحًا ملتهبة أو ضربت على وتر حساس.

واستجاب الجميع لما أقول، وانبرت الأقلام تؤيد ما ذهبت إليه، وتعبر عن حزنها المكتوم وغضبها الواضح لتخطى أجيال معينة من المواقع بعيدًا عما كانوا يستحقونه، وقد اتصل بى وقتها الأستاذ الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، هاتفيًا- وكان وزير النقل حينذاك- وقال لى إنه تأثر بالمقال، وأضاف أن المصعد الذى يتحرك إنما تشده رافعة هى الجيل الذى بنى، بينما المستفيد قد يكون هو الجيل الذى جنى!.

وقد كانت مبادرة طيبة من الوزير لترطيب الأجواء ومخاطبة الأجيال الجديدة بما يُرضيها، حتى لو دغدغ مشاعرها، ولابد أن أعترف هنا أن الشباب بعد سن معينة تزداد تطلعاته، وتتركز أحلامه على مواقع السلطة ومقاعد المسؤولية، ثم تبدأ طموحاته فى التضاؤل، وقديمًا قال لى زميل بكلية الحقوق إنه فى السنة الأولى كان يطمح أن يكون وزيرًا للعدل، وفى السنة الثانية تواضع قليلًا مكتفيًا بمنصب النائب العام، وفى السنة الثالثة تطلع فقط أن يكون محاميًا معروفًا، فلما جاءت السنة الرابعة أصبح كل همه أن يتخرج ويحصل على ليسانس الحقوق!، وتلك سُنة الحياة دائمًا تشدنا إلى الواقع.

وتهبط بنا إلى المتاح، بعد أن حلقت بنا أحلامنا فى سماوات المناصب ومرتفعات المسؤولية، بحيث يتصور كل منّا أنه حالة خاصة يحمل على كاهله مظلومية ثقيلة، وقد يكون الأمر غير ذلك تمامًا، لهذا فإننى أتذكر الآن تعبير الجيل المسروق أو تعبير الدور المسحور الذى ارتبط بى لسنوات طويلة، وأعبر الآن عن انتقادى لذلك النوع من التفكير، إذ أدركت الآن أن قيمة الإنسان ليست بالمناصب ولا بالمقاعد.

ولكنها تأتى بالتألق الفكرى والرقى الإنسانى مع الرؤية البعيدة والنفسية الصافية، وها أنا ذا أزحف نحو الثمانين، وأقول لأبنائى وبناتى إن قيمة الإنسان تتلخص فى مجموع الأوقات السعيدة التى قضاها والعلاقات الطيبة التى كونها، لذلك فإنه من المنطقى أن يفكر الإنسان بطريقة مختلفة ليست بالضرورة هى تلك التى عانينا منها عند أزمة منتصف العمر حين كان ينظر المرء خلفه غير مقتنع بما فعل أو غير راضٍ عما حقق، ثم ينظر أمامه فيستبعد أحلامه.

بل تختفى تطلعاته، إنه درس الحياة الذى يجب أن تَعِيَه الأجيال الجديدة حتى لا نتحدث عما يمكن تسميته (صراع الأجيال)، بل نتحدث عما يمكن تسميته (تواصل الأجيال)، بالمعنى الإيجابى للكلمة والمفهوم الإنسانى للدور والحس البشرى تجاه الآخرين!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 54 الدور المسحور والجيل المسروق اعترافات ومراجعات 54 الدور المسحور والجيل المسروق



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates