يونان لبيب رزق  مؤرخ للجميع

يونان لبيب رزق ... مؤرخ للجميع

يونان لبيب رزق ... مؤرخ للجميع

 صوت الإمارات -

يونان لبيب رزق  مؤرخ للجميع

عمار علي حسن
بقلم - عمار علي حسن

ربما لم يهتم المؤرخ المصري الراحل الدكتور يونان لبيب رزق كثيرا بصنعة الكتابة أو روعة السرد أو مهارة الحكي المفعمة بالتشويق على غرار ما فعل مؤرخون عرب آخرون، لكنه كان من الأكاديميين القلائل الذين تمكنوا من القفز خارج سور الجامعة، والتحموا بالناس، مقربا التاريخ، كعلم له أصوله وقواعده، من القريحة الشعبية، لتتسع رقعة مطالعته بين شرائح ثقافية واجتماعية عديدة، بعد أن صار حقلا معرفيا مغريا لكتاب وباحثين من مجالات مختلفة وقعوا في هوى التاريخ، فأنتجوا فيه كتابات مستفيضة، مثل القاضي طارق البشري، والصحافي والسياسي محمد حسنين هيكل، والكاتب جمال بدوي، والأديب صلاح عيسى.

وهذه النظرة المفتوحة للتاريخ ودوره تجلت في العمل الكبير الذي تركه رزق بعنوان "الأهرام.. ديوان الحياة المعاصرة"، والذي يتخذ من صحيفة "الأهرام" القاهرية العريقة وثيقة اجتماعية وفكرية، يستنبط من بين سطورها التي لا تحصى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، من مختلف الزوايا، سواء تعلقت بأشخاص، أو قضايا، أو مواقف، أو مؤسسات، أو عائلات... إلخ.

ومما ساعد رزق على تقريب التاريخ من الناس تمتعه بخصال مشهودة تقربه من مواقع الباحثين الثقات في الإنسانيات عامة، والتاريخ خاصة، في مطلعها أنه احتفظ طيلة حياته بمسافات متساوية، إلى حد كبير، من التيارات السياسية والفكرية كافة، متمسكا باستقلالية ملموسة نسبيا، مقارنة بمؤرخين آخرين إما صاروا بوقا للسلطان، أو صوتا للمعارضة الدائمة.

واستفاد رزق في تحصيل هذا الوضع من ليبراليته غير المجروحة، التي جعلته يتسامح مع الجميع، وينبذ التعصب لأي طرف، وينفر من كل من حاول أن يسحبه إلى خندق ضيق، يتمرس فيه، ويحكم منه على سير الأمور وتطور الأحداث.

وفضلا عن النزعة الليبرالية تلك، فإن رزق استلهم من أكاديميته العريضة "موضوعية" واستقامة علمية لا تخفى عن كل ذي عين بصيرة وعقل فيهم، جعلته- وهو المسيحي- يرفض قبام بعض من هم على ملته بتقسيم تاريخ مصر إلى حقب على أساس ديني، ويؤمن بأن أيام وزمان المجتمع العريق الذي نشأ على ضفاف النيل العظيم تستدير على أكتاف رقائق حضارية، يتداخل فيها الفرعوني مع القبطي ويرشحان على الإسلامي، وكأنه يؤمن بوصف الباحث الفرنسي إدوارد لين لمصر بأنها "وثيقة من جلد رقيق، الإنجيل مكتوب فيها فوق هيرودت، وفوق ذلك القرآن، وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء".

ومما جعل رزق مؤرخا للجميع أنه أنتج دراسات متنوعة في تاريخ مصر الحديث، تهم قطاعات عريضة من الناس، بعضها يتابع تطور التجربة الحزبية المصرية، قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها، وبعضها يتعلق بمذكرات شخصيات وطنية بارزة مثل عبد الرحمن فهمي وفخري عبد النور، وأخرى "تناقش تاريخ حرية الصحافة"، وهناك كتابان عن قضية "طابا" التي كانت آخر بقعة استردتها مصر من إسرائيل بمقتضى معاهدة كامب ديفيد، وتوجد دراسات تربط مصر بالسياق العالمي، مثل تلك الموسومة بـ"مصر والحرب العالمية الثانية" وأخرى حول قضايا جوهرية تهم العرب أجمعين على غرار كتابه المعنون بـ"قراءات تاريخية على هامش حرب الخليج".

فتنوع الدراسات والاستقلالية النسبية والنزعة الليبرالية الجلية والبساطة الآسرة في العرض والتناول جعلت ما أنتجه رزق تاريخا للناس، أو تاريخا للجميع، وجعلته ينضم إلى مؤرخي مصر الكبار، مثل عبد الرحمن الرافعي وشفيق غربال وعبد الرحيم مصطفى ومحمد أنيس ورؤوف عباس وعاصم الدسوقي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يونان لبيب رزق  مؤرخ للجميع يونان لبيب رزق  مؤرخ للجميع



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 16:12 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خليفة و بن راشد وبن زايد يهنئون رئيس بنما بذكرى الاستقلال

GMT 13:59 2015 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

تصاميم على شكل الماس لحقائب "إن إس باي نوف"

GMT 10:32 2016 الجمعة ,04 آذار/ مارس

لوني شتاءك بأجمل موديلات الأحذية الـ Pumps

GMT 01:32 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عيش الرفاهية في فنادق ومنتجعات الجميرا الفخمة

GMT 01:28 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

«بنتلي» تفوز بلقب الشركة الأكثر تقديرًا في بريطانيا

GMT 23:18 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

الزمالك يهزم بتروجيت في دوري كرة الطائرة المصري

GMT 19:14 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على خطوات رئيسية لترتيب خزانة ملابسكِ الخاصة

GMT 11:52 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

6 أفكار أنيقة مميزة لزينة حفلات الزفاف

GMT 07:51 2013 السبت ,27 تموز / يوليو

جمال كامل فرحان يصدر رواية "كان ردائي أزرق"

GMT 04:48 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

رواية "الجنية" تمزج الواقع بالخيال بشكل واقعي

GMT 19:29 2013 الأربعاء ,22 أيار / مايو

خيبة المثقف في"طائف الأنس" لعبدالعزيز الصقعبي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates