ما وراء مظاهرات قيرغيزستان

ما وراء مظاهرات قيرغيزستان

ما وراء مظاهرات قيرغيزستان

 صوت الإمارات -

ما وراء مظاهرات قيرغيزستان

عمار علي حسن
بقلم - عمار علي حسن

ما إن ظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية في قرغيزستان حتى اندلعت مظاهرات في العاصمة بيشكيك، تمكن المشاركون فيها من اقتحام مقري البرلمان والرئاسة، تعبيرا عن غضبهم مما يعتبرونه "تزويرا لإرادة الشعب"، وطالبوا بإعادة الانتخابات التي لم يتمكن فيها سوى أربعة أحزاب من بين ستة عشر حزبا من تحصيل النصاب الذي يؤهلها للتمثيل البرلماني وهو 7% من أصوات الناخبين.

ورغم أن الرئيس سورونباي جينبيكوف، وعد بالنظر في طلب الأحزاب، فإن التحايل على الموقف وتمريره سيكون في صالحه، إذ تواليه ثلاثة أحزاب من بين الأربعة التي سيتم تمثيلها في البرلمان وفق نتائج هذه الانتخابات، كما سيكون من الصعب عليه تقبل اتهام المعارضين له بأنه لم يفِ بوعده بإجراء انتخابات نزيهة وحرة وشفافة، بل ترك جماعات مقربة منه تشتري أصوات الناخبين وتروعهم، وهي اتهامات تتعامل معها جهات دولية مراقبة على أنها واقعية، حيث قال رئيس بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا توماس بيزيروب: "عملية التصويت كانت منظمة بصفة عامة، لكن مزاعم شراء الأصوات تثير مخاوف كبيرة".

وقد أخذت المطالب منحى آخر بدعوة متظاهرين الرئيس إلى التنحي، ما يعيد إلى الأذهان ما جرى في البلاد قبل خمسة عشر عاما حين تمت الإطاحة بالرئيس عسكر عكاييف إثر مظاهرات واسعة، لا سيما أن البيئة السياسية الحالية ليست مختلفة كثيرًا عن سابقتها، فنظام عكاييف لم يكن موغلا في الاستبداد، وكانت البلاد تشهد انتخابات برلمانية منتظمة، لكنها لم تكن نزيهة بدرجة كافية، لا سيما التي سبقت الإطاحة به، وحصد فيها الحزب الحاكم تسعة وستين مقعدا من جملة مقاعد البرلمان الخمسة والسبعين، ما جعل المعارضة تتخوف وقتها من أن يستغل الرئيس هذه الأغلبية الكاسحة في تمرير تعديل دستوري يتيح له البقاء في الحكم مددًا أخرى.

وقد قام النظام القيرغيزي بالتعويق المنظم للرموز الاجتماعية، والتفريغ المستمر للحياة السياسية من الكوادر البارزة، أو الصفوف الأخرى التالية لرجال الصف الأول، من خلال التهميش المتعمد أو العقوبة القاسية، أو تصعيد من ليس بإمكانهم أن يصنعوا لأنفسهم مكانة ووزنا في الدولة. وهذه السياسة كانت وراء حدوث فوضى في البلاد، وعدم تحقق حلم "الثورة البيضاء"، التي أعلن عنها عقب استقلال البلاد عن الاتحاد السوفيتي المنهار.

وبالطبع فإن الرئيس القيرغيزي الحالي قد يستفيد من تجربة سابقه، وقد لا يقدم على قمع المظاهرات عنوة، فأيام عكاييف ثبت أن الاحتماء بالأمن لا يصون الأنظمة الحاكمة، إذ لن يكون بوسعه أن يواجه شعبا بأكمله، أو قطاعا كبيرا منه، إن خرج محتجا، فهما، في خاتمة المطاف جزء من هذا الشعب، بل إن الكتلة الكبرى فيهما، وهي الجنود وصغار الضباط وضباط الصف، يمسها سوء الأحوال السياسية والاقتصادية، وتتقاطع مصالحها مع مصالح الجمهور الغاضب، ولذا تفتقد إلى الدوافع التي تجعلها حريصة على تنفيذ أوامر كبار الضباط إذا استمرت الاحتجاجات الشعبية قوية وعريضة.

وإذا كان الرئيس الحالي مسنودًا من موسكو فإن سلفه كان مؤيدًا من الولايات المتحدة، وفتح بلاده أمام واشنطن لتقيم قواعد عسكرية على أرضها قبيل الحرب على طالبان. لكن هذا الرضا الأمريكي لم ينفعه حين غضب شعبه عليه، كما لن ينفع الرضا الروسي الرئيس الحالي.

وإذا كانت المظاهرات التي أطاحت بعكاييف قد اندلعت لأسباب اقتصادية، وبدأت من الجنوب المنسي، الذي أشعل الفقر في أهله روح التمرد، بعد أن أورثهم التطرف الديني،ـ فإن الغضب الحالي هو لأسباب سياسية، وإن كانت العوامل الاقتصادية لا تزال قائمة، والأوضاع المعيشية لم تتحسن كثيرًا عما كانت من قبل.

لكن هذه التجربة القاسية لا تضغط على السلطة الرسمية فقط، إنما على الشعب والمعارضة أيضًا؛ لأن الإطاحة بعكاييف لم تصنع التغيير المنشود، ومن ثم قد يجد الكل أنفسهم في حاجة إلى التفاوض والمساومة والاتفاق والتوافق بغية الخروج من هذه الأزمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء مظاهرات قيرغيزستان ما وراء مظاهرات قيرغيزستان



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates