بقلم :عمار علي حسن
وراء أي إرهابي قصة يسكن فيها كل شيء عنه، فإن جمعناها إلى جانب قصص الذين معه ستكون لدينا الرواية كاملة عن إرهاب تنظيم أو جماعة في مكان وزمان ما، فإن مددنا الخط على اتساعه فقد تولد بين أيدينا الملحمة الدموية كاملة، أو خلاصاتها الأساسية.
وما كل واقعة إرهابية، في التجنيد والتعبئة أو التحريض ثم التنفيذ المفضي إلى القتل والتدمير، إلا قصة أو حكاية ما، يمكن أن يرويها صاحبها لمن معه أو الواردين جديداً إلى التنظيم أو أمام أجهزة الأمن والتحقيق حين يتم القبض عليه، أو خلف القضبان النحيلة لقفص الاتهام أمام القضاء في ساحات المحاكم، وقبلها وفي ركابها إلى محامي الدفاع عنه.
ودفع هذه القصص في شرايين التحليلات المتدفقة حول التطرف والإرهاب يعطيها كثيراً من الحيوية، ويقربها من الحقيقة، وينقذها من الجفاف والبرود الذي يفصل الفعل عن أشخاصه وكأنهم آلات قتل مجردة، ويجعلها أكثر مصداقية وإقناعا. وقد توسلت بعض الدراسات الميدانية، والتحقيقات الصحفية والمتابعات بمثل هذه القصص، التي توزعت بين ما يدلي به إرهابيون من إفادات وشهادات أو ما يقوله شهود عيان عن حوادث إرهابية وقعت هنا أو هناك.
وبعض ما يرويه إرهابيون من حكايات ينطوي على قدر من سمات القصة الأدبية عبر ثلاثة أبواب، الأول هو المبالغة، إذ يحرص هؤلاء على الكذب إما رغبة منهم في تضخيم دورهم ومكانتهم، أو إضفاء طابع أسطوري على حالهم بما يغري آخرين بالانضمام إليهم. والثاني هو التوسل بلغة ذات إيقاع وجرس قوي غارقة في المجازات أحيانا تماشيا مع طريقة هؤلاء في التعبير وما تجود به عليهم المعاجم والكتب القديمة التي يلتقطون منها كثيرا من ألفاظهم. والثالث هو استعمال تقنيات الإخفاء والإضمار بغية المراوغة والغموض الذي يفرضه الوضع الأمني للإرهابيين، وبذا يتركون دوما فراغات داخل نصوصهم، بما يجعل المسكوت عنه حاضرا، في ظل عدم الانشغال بالتفاصيل الواسعة التي يهتم بها الروائيون، وتسد فراغات كثيرة، لاسيما عبر ما يسمى «الراوي العليم».
إن القصص والحكايات مثلما هي طريقة مثلى للوعظ والنصح والإرشاد والهداية، في الأديان كافة، فإن الإرهاب المستند إلى تصورات دينية مغلوطة، يستعمل الوسيلة نفسها في الدعاية لأفكاره، وتثبيت أنصاره، والكيد لخصومه، وبذا فإن كثيرين من أفراد التنظيم يحوزون ملكة الحكي بطريقة أو أخرى، حتى لو كانت حكاياتهم مرعبة أو مخزية.
وبعض هؤلاء المتطرفين والإرهابيين يتقاعدون أو يتراجعون ويسجلون تجربتهم سرداً في عمل طويل، لا يتسم، في الغالب الأعم بالتماسك، الذي تتصف به الكتابة الروائية أو السير الذاتية أو السرد الصحفي العميق، إنما يأتي وكأنه مجموعة من المشاهد الحكائية أو القصصية المتلاحقة، أو هكذا تبدو إنْ صفيناها من التبريرات النظرية التي يمكن أن يدسها بين ثنايا سطوره، محاولا أن يقلل من قبح الدور الذي كان يلعبه في الماضي، أو يصنع لنفسه صورة أخرى تُسوِّقه في المجتمع الذي عاد إليه، طوعا أو كرها.
ومع تواصل موجات الإرهاب، وكل منها يمكن أن تشكل رواية كاملة في أي دولة اصطلت بناره، تتناثر فصولها ومقاطعها وسطورها في المجال العام إثر تتابع الأخبار التي يصنعها الإرهابيون من تهديد ووعيد واغتيال وقتل وتدمير، ويصبح وراء كل خبر قصة قصيرة، لها مكانها وزمانها والشخصيات التي شاركت في سيرها من البداية إلى النهاية، مغلقة كانت أم مفتوحة.
إن هذه الموجات الدموية، وإن كانت قد رمت إلى المجرى الاجتماعي حكايات غارقة في الدم والدموع، فإنها، من الناحية المجردة بعيدا عن ميولنا الرافضة بالطبع للإرهاب، جعلت المشهد العربي حافلاً بحكايات أخرى، نظراً لأن أغلب أفعال الإرهاب تحدث في أرض عربية.