مصر والمسألة الليبية

مصر والمسألة الليبية

مصر والمسألة الليبية

 صوت الإمارات -

مصر والمسألة الليبية

عمار علي حسن
بقلم : عمار علي حسن

 لا يمكن لمصر أن تسمع وترى ما يجري في ليبيا، فتصم آذانها وتعمي عيونها، وهذه حال ليست وليد اليوم وتداعياته، وإنما تحدث طوال التاريخ، حيال بلد مترامي الأطراف، تربطه بمصر حدود طويلة تمضي وسط صحراء شاسعة، تنتقل فيها القبائل البدوية، وعصابات تهريب المخدرات، ثم صارت أخيراً موطناً لجماعات وتنظيمات إرهابية مسلحة.

أيام حكم القذافي كانت مصر تُحسن التعامل معه، إذ نظرت بعين الاستخفاف إلى قوله الدائم وقتها: «مصر شعب كبير بلا قيادة، وأنا قائد كبير بلا شعب»، ولم يزعجها كلامه حول تصدير ما ورد في «الكتاب الأخضر» عبر أثير إذاعة «الجماهيرية العظمى» وما يدفعه من أموال لبعض الكتاب والصحفيين، وبعض الكيانات السياسية اليسارية، وبعض الطرق الصوفية.. فكل هذا كان تحت رقابة الحكومة المصرية، ولم يكن له أثر كبير. وكان يكفي السلطة في مصر وقتها أن القذافي امتلك قدرة، بالحديد والنار، على ضبط الحدود، وقهر الجماعات المتطرفة، وفتح باباً واسعاً للعمالة المصرية، وللتعاون مع القاهرة في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وحين اندلعت الثورة ضد القذافي بعد أيام من تنحي مبارك، لم يتدخل المجلس العسكري الذي كان يدير شؤون مصر وقتها فيما يجري بليبيا، نظراً لانشغاله بإدارة التنافس والصراع على السلطة وضبط الأحوال الأمنية المضطربة، ولإدراكه تعاطف القوى الثورية المصرية وقتها مع نظيرتها الليبية، لاسيما في ظل التوحش الذي قابل به القذافي الثوار، ولاقى انتقادات دولية قوية.
لهذا تساوقت مصر مع رغبة عربية ودولية لإنقاذ الشعب الليبي، ما ظهر خلال اجتماع الجامعة العربية الذي فتح الباب لتدخل دولي ساهم بقوة في إنهاء حكم القذافي، لكنه ترك ليبيا في مهب الريح، لتتحول إلى عبء شديد على جيرانها، بعد احتدام الصراع على السلطة، واعتبار التنظيمات الإرهابية ليبيا أرضاً مستباحة بوسعها أن تحقق فيها كياناتها المتوهمة، والتي تعشش في رؤوس أتباعها وتمضي فوق ظهورهم من مكان إلى مكان على سطح البسيطة.
وأيام إدارة المجلس العسكري لمصر، وصعود التيار الديني في الحياة السياسية المصرية زاحفاً نحو السلطة، انطلقت تصريحات نشرتها الصحف المصرية غير مرة عن تهريب أسلحة ثقيلة من ليبيا إلى التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، وأتبع هذا قيام الإرهابيين في ليبيا بإعدام مجموعة من المسيحيين المصريين بعد إسقاط حكم «الإخوان» في مصر، ما خلق ضغوطاً داخلية في مصر فلم تجد أمامها من سبيل سوى الثأر لدماء أبنائها، فوجهت القوات الجوية المصرية عدة ضربات لأماكن تركز التنظيمات الإرهابية ومخازن أسلحتها في غرب ليبيا.
وتسللت مجموعات إرهابية من أرض ليبيا إلى الصحراء الغربية المصرية وهاجمت عدة أكمنة للقوات المسلحة على فترات متقطعة، وتمكنت ذات مرة من تنفيذ عملية إرهابية في منطقة ليست بعيدة عن القاهرة، وتبين إثر القبض على بعض المهاجمين أن من بينهم ليبيين، ومجموعات إرهابية مصرية فرت إلى ليبيا عقب إسقاط حكم «الإخوان» في 3 يوليو 2013.
كان على مصر اتخاذ ما يلزم لحماية حدودها الغربية، ووجدت نفسها أمام خيارين؛ إما اجتياح الحدود، أو مد يد العون إلى إحدى القوى الليبية، لاسيما التي تتحكم في شرق البلاد، ومالت القاهرة للخيار الثاني لأنها ليست طامعة في أرض ليبيا. وفي ظل الميل لهذا الخيار، وضعت مصر يدها في يد الجنرال خليفة حفتر، لاسيما بعد أن تبين لها علاقة حكومة طرابلس بالجماعات الإرهابية النشطة في غرب ليبيا وفي العاصمة طرابلس نفسها.
واليوم حين تستدعي حكومة طرابلس قوات تركية، لا تملك مصر إلا أن ترفض هذا التوجه وتعمل على إفشال تأثيره بكل السبل المتاحة، لأن انكسار قوات شرق ليبيا سيعني بلا مواربة وصول التنظيمات الإرهابية إلى حدود مصر، ناهيك عما يرتبه الصراع حول الغاز في البحر المتوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر والمسألة الليبية مصر والمسألة الليبية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates