مصري الهوى عرفاتي الرؤى

مصري الهوى... عرفاتي الرؤى

مصري الهوى... عرفاتي الرؤى

 صوت الإمارات -

مصري الهوى عرفاتي الرؤى

بقلم: بكر عويضة

الذين أتيح لهم معرفة ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني غير العادي، وفق مقاييس يصعب عدها، فضلاً على إحصائها على نحو دقيق، الأرجح أنهم سمعوه يصدح بعبارات اعتاد ترديدها كلما استدعى الموقف استحضار أي منها. تلك عبارات كان لكل منها الموضع الخاص بها، إذ لكل مقام مقال، كما قيل منذ زمن سحيق. من جهته، كان أبو عمار، شأنه في ذلك شأن كل سياسي ماهر، يجيد تطبيق ذلك القول جيداً. أما نحن، جموع عشائر صحافة العرب وإعلامهم، فكان كل دقيق ملاحظة بيننا يلحظ كيف أن عرفات يفرق بحرص شديد بين مخاطبة جمهور عوام الناس، في المهرجانات الشعبية، مثلاً، أو عشية ختام جلسات المجالس الوطنية، عندما يصيح مؤكداً حتمية انتصار «ثورة بساط الريح»، وبين الإنصات بصبر لكل ما يُطرح من أسئلة خلال المؤتمرات الصحافية، ثم الرد عليها فيما تعلو وجهه ابتسامة الواثق، وإنْ ساوره شك أن صحافياً سيئ الحظ يوشك أن يلقي عليه تساؤلاً يحتمل شبهة تشكيك في ذلك الانتصار المؤكد، سارع أبو عمار يقاطع السائل، الذي لم يأخذ تأكيده ذاك مأخذ جد، فينهر السامعين جميعاً، بغضب ساطع عبر بريق عينيه: «يا جبل ما يهزك ريح».

ذلكم ياسر عرفات، الذي لو قدر له العمر بلوغ يومنا هذا، لكان اليوم (24 - 8 - 2022) هو يوم بلوغه العام الثالث بعد التسعين. تجدر الإشارة هنا إلى وجود تباين في دقة المعلومات حول يوم ومكان ولادة محمد عبد الرحمن نجل عبد الرؤوف القدوة الحسيني. أبو عمار نفسه لم يكن يرغب في الكلام المسهب عن هذا الجانب. ذات مرة، تضايق كثيراً من مستشار له لامع إعلامياً على صعيد دولي، لأنه أكد لمجلة «تايم» الأميركية أن القاهرة هي مكان ولادته. روى لي المستشار - أحجب اسمه لأنني لم أستشره - كيف أن غضب عرفات منه أثار دهشته، بحكم أن ذلك هو الشائع والمتداول بشأن مقر ولادته. إنما، هكذا كان الرجل، ساير من صعب الشروط قدر ما استطاع، جامل بقدر ما تحمل، لكنه وإنْ ردد في سياق الرد على مستغرب اعتياده الحكي بلهجة أهل مصر أنه «مصري الهوى»، كان عرفاتي الرؤى من الألف إلى الياء، من خلايا الدماغ، إلى عصب النخاع، خصوصاً حين كان الأمر يتعلق بفلسطين ذاتها، أولاً، أو بأي مستوى من جوانب علاقات «ثورة بساط الريح» بدوائرها كافة، عربياً، وإسلامياً، ودولياً.
بحكم ظروف العمل الصحافي، أتيح لي أن أتابع عن قرب كيف كان أبو عمار يفرق بين الذي يُقال في لقاءات لها طابع عام، مثل اللقاء مع أعضاء هيئات إدارية للنقابات، أو الاتحادات التي تتبع منظمة التحرير الفلسطينية، ومنها، مثلاً، اتحاد الكتاب والصحافيين، وما كان يقول في خاص المجالس، أو مع أناس كانوا، بالنسبة إليه تحديداً، يتمتعون بوضع الخواص جداً، سواء كانوا من رجالات تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، أو شبان الجيل الثاني للحركة، ممن وثق بهم فأسند إليهم مسؤوليات حساسة، وذات خصوصية تختلف عن غيرها.
إلى ذلك، لن يستحيل على عقل يجيد التعامل مع كل التناقضات التي كانت تحيط به، بدءاً بما كان يموج من تفاعلات داخل حركة «فتح» ذاتها، مروراً بتعقيدات علاقاتها مع باقي التنظيمات الفلسطينية بكل أطيافها، أن يجد النهج المناسب لكيفية استمرار تحليق «ثورة بساط الريح»، بدءاً بما يخص علاقاته الشخصية كقائد مع القادة العرب وغيرهم، وصولاً إلى العلاقة مع شخصيات متنفذة على المسرح العالمي. أما المستحيل فعلاً فكان، بكل وضوح، هو أن تمر علاقات ياسر عرفات الذاتية مع الزعامات كافة، بلا خضات كاد بعضها أن يودي به شخصياً، وبالجبل الذي ليس يهتز أمام عواصف الريح، مهاوي الردى. مع ذلك، ليس ثمة مبالغة في تكرار القول إن أبا عمار، ولو لم يكن فريد عصره السياسي، أو وحيد زمانه الثوري، لكنه واحد من قلائل القياديين الثوار، حيثما وُجدت مقاومة وثورات، الذين أجادوا القفز بين حبال التناقضات، وتفننوا في تجاوز حفر الألغام، بل إن الأقدار لم تتخل عنه حتى حين هوت به الطائرة في رمال صحراء ليبيا (7 - 4 - 1992) ثم مبتسماً غادر جوفها، رافعاً شارة النصر بإصبعيه لكاميرات صحافة وتلفزيونات العالم أجمع. زعيم متميز. نعم، حتى خصومه يقرون له بذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصري الهوى عرفاتي الرؤى مصري الهوى عرفاتي الرؤى



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates