أزمات «كورونا» الكاشفات

أزمات «كورونا» الكاشفات

أزمات «كورونا» الكاشفات

 صوت الإمارات -

أزمات «كورونا» الكاشفات

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

كما غيره من أزمات كبرى تعصف بالمجتمعات كلها، بلا تفريق بين عقائد وثقافات، ها هي أزمة فيروس «كورونا» تثبت أنها ليست تقل كارثة عن غيرها، إن لم تكن أخطر، إذ تفرعت عنها كوارث تفشّت بين الناس، وفي الوقت ذاته وُلِدت من رحمها أزمات ليس من قبيل المبالغة القول إنها بدت مثل مجهر كاشف جعل الأعين تطلع على عيوب كُثر، سواء في مستوى أداء حكومات بعض الدول، أو لجهة تصرفات الأفراد بمختلف أنحاء الأرض، بصرف النظر عن اختلاف العادات والتقاليد المعمول بها، خلال الظروف العادية. وقبل انتقاد سُلطات أي بلد، أو الغوص بعيداً في تمحيص أسباب فشل أجهزة أكثر من دولة تنتمي للعالم المتطور علمياً، والمتقدم تقنياً، في الاستعداد لمثل هذه الكارثة، ربما من المفيد إلقاء نظرة تفحص بعضاً مما ظهر من سلبيات فردية، منذ دخل البشر نفق هذا الفيروس الشرير والغامض، كشفت عن تقصير مؤلم في تعامل البشر بعضهم مع بعض.

أولى السلبيات الفردية تمثلت في ظهور أنانية الذات بشكل متوحش عند نفر من الناس. انظر كيف تعامل ذوو قربى مع أقرباء لهم ممن هم، وهن، بأمسّ الحاجة إلى توفر إحساس الأمان العاطفي، منذ بدء أزمة فيروس «كورونا»، وحتى الانتهاء منها تماماً. أعرف عدداً من حالات كبار السن، في بريطانيا وخارجها، الذين اشتكى بعضهم مُرّ الشكوى، من عدم اكتراث الشبان والشابات في عائلاتهم لإبداء الحد الأدنى من الاهتمام، ولو بالتحدث هاتفياً للاطمئنان على من كانوا لهم، ولهن، نِعم الخال أو العم، الخالة أو العمة، زمن طفولة، أو صبا، بل وحتى مطلع شباب، المتجاهلين السؤال عن أحوال ذويهم في أزمة كهذه. أسوأ درجة مما سبق، أن يصيب الإهمال الشقيق تجاه الشقيقة، وربما العكس كذلك، أو الصديق الحميم إزاء صديق قديم هو رفيق مشوار الحياة الطويل. عيب بشع مثل ذلك التجاهل، هو توحشُ أنانية، بل إنه انعدام خُلق. غياب الصبر، على نحو أدى عند كثيرين إلى انفلات الأعصاب، سلبية ثانية يمكن إدراجها ضمن ما كشفت عنه أزمة «كورونا» من أزمات. الاثنين الماضي، تبيّن ارتفاع عدد حالات العنف المنزلي في بريطانيا بنسبة 25 في المائة خلال أسبوع واحد، أي منذ بدء إلزام الناس البقاء في المنازل، إلا للضرورة القصوى. أيضاً ارتفعت نسبة زيارات موقع إنترنتي يُعنى بشؤون حماية النساء وتوفير ملجأ لهن، بنسبة 150 في المائة خلال الأسبوع ذاته. يخبرني صديق أنه، في غير مرة، واجه ثورة غضب الآخرين لمجرد أنه تساءل عن احتمال وجود خطأ بشري حصل بمكان ما على وجه الكوكب، وأدى إلى تسارع انتشار الفيروس الكوروني اللعين، إذ سارع من يستمع إليه إلى رميه بالغباء، ثم توجيه «اتهام» الترويج لنظرية المؤامرة. العكس يحدث أيضاً، بمعنى أن بعضاً من أنصار النهج التآمري، غير مستعد لتحمل أي تفنيد لمزاعم وجود مؤامرة بالفعل، خصوصاً إذا تجرأ أحد فسأل: أين دلائل الإثبات؟
هل أن تلك السلبيات تنفي كثيراً من الإيجابيات؟ كلا، على الإطلاق، بل يبقى الأمل أن ما برز من إيجابيات أناس كثيرين، بمختلف المجتمعات، باقٍ حتى بعد مغادرة البشر نفق الأزمة، وتمكنهم من استعادة حياتهم الطبيعية. في كلمة لم تزد على خمس دقائق، أوجزت الملكة إليزابيث الثانية، مساء الأحد الماضي، ذلك الأمل بقولها: «سوف نلتقي من جديد». كانت تلك إشارة إلى ما أحدثته حزم إجراءات الوقاية من الإصابة بفيروس «كورونا» من تغييب للتواصل بين الناس، تساوت في ذلك مناسبات الأعراس والبهجة مع المُلمات والأحزان، الأمر الذي أدى إلى إلغاء أفراح، أو تأجيلها، وزاد حزن أناسٍ حزناً عندما حُرموا من لحظات توديع أحباء لهم عند دفن جثامينهم. رغم كل ما سبق، تأتيك الأنباء بخبر منعش للروح المعنوية عندما تقرأ صباح الجمعة الماضي أن برنارد إكليستون، البطل الأسبق في عالم سباق السيارات «فورمولا 1»، والمعروف بين الأصدقاء، تحبباً، باسم «بيرني» يتوقع ولادة رابع أطفاله الصيف المقبل، بعدما بلغ عامه التاسع بعد الثمانين. ذلك نبأ بدا لي كما طائر الفينيق الأسطوري، ينهض من ركام نعيق بوم فيروس «كورونا» الزاعق بين الناس في مختلف بقاع الأرض. نعم، الحياة تمضي، سوف تطلع الورود، وتتفتح الزهور، ويفوح بالعطر ريحان الأمل كل ربيع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمات «كورونا» الكاشفات أزمات «كورونا» الكاشفات



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates