إلى الحبس سِرْ

إلى الحبس... سِرْ

إلى الحبس... سِرْ

 صوت الإمارات -

إلى الحبس سِرْ

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

الأمر بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة، وخلاصته، إنْ طوعاً، أو كُرها، ليس من مفرٍ أمام الناس عموماً، في أنحاء العالم كافة، تقريباً، سوى الامتثال للأمر التالي: إلى الحبس سِر. بالطبع، واضح كذلك أن المقصود هو الحبس المنزلي، أو تعليمات ممارسة الحجر الصحي ذاتياً، الصادرة عن معظم حكومات الأرض، التي تدخل في سياق نصح موجه لمواطنيها الغرض منه حمايتهم من شرور مَن تسبب في إصدار هكذا أوامر في الأساس، ذلك المدعو فيروس كورونا، المتسارع الانتشار، حتى يبدو كأنه يسابق الريح ابتغاء إلحاق الأذى بأكبر عدد من البشر، قبل أن يتمكن العِلم من القبض عليه، وكتم الأنفاس منه، فيذهب مذموماً، كي يلحق، مدحوراً، بمن سبقه من فيروسات سيئ الأمراض والأسقام، خفيفها كما خبيثها، التي سبق لها أن أزهقت أرواح ملايين الأنام، وأيضاً الأنعام، في مشارق الأرض ومغاربها.

بيد أن الأمر لم يخلُ كذلك من ضرورة اللجوء إلى ممارسة نوع من إلزام مواطني عدد من الدول بالتزام البقاء في بيوتهم، حتى تزول مخاطر سرعة انتشار العدوى. حصل ذلك بإصدار قرارات تحظر التجول خلال ساعات محددة، خصوصاً في الليل. عندما سألت بعضاً من أصدقاء غربتي اللندنية من مواطني تلك الدول عن السر وراء اختيار الليل تحديداً، مع أن الطبيعي هو أن تأوي الناس إلى البيوت ليلاً، بلا تعليمات حظر تجول، سارعوا إلى إفادتي أن الدنيا ليست كما أتصور، لقد تغيّرت. وإذ استزدت طلباً للفهم، قيل لي إن الليل صار أقرب إلى النهار في كثير من عواصم ومدن العرب، حيث يحلو للكثيرين السهر إلى ما بعد منتصف الليل، وربما قرب الفجر، ما أدى، ولا غَرو في ذلك، أن يذهب بعض الموظفين إلى العمل في الصباح، مُتعب الجسم، ناعس العينين، متثائب الفم، يتمنى، أو الأصح ربما تجده يجِّد، في اختراع الأسباب كي يهرب من أداء الواجب، طلباً للنوم في البيت.
إذا كان الحال هكذا، فلا بأس من إلزام هذا النوع من الناس بالتزام حظر التجوّل، ليس فقط بقصد مواجهة الفيروس، وإنما كذلك علّهم يفيقون على نمط حياة جديد، ويدركون حقيقة ما للجسم من حق على صاحبه، يتطلب إعطاؤه ما يستحق من الراحة، ليس فحسب كي يقوم بواجب العمل خير قيام، بل كذلك كي يَقوى نظام المناعة عنده، فإذا ما استدعى الحال الاستنفار لمقاومة فيروس معتدٍ، لبى الجهاز النداء واستفز كل قواه للقضاء على المعتدي. أليس هذا هو الناموس الطبيعي المتوجب على الإنسان، حيثما كان، وأياً هو الجنس أو العرق، أن يتبع؟ بلى. لكن الواقع ما فتئ يثبت كم وكيف أساء أناسٌ كثيرون، في مختلف أصقاع الكوكب، استخدام ما حقق الإنسان ذاته من تقدم علمي، سواء على صعيد تدمير النفس صحياً، أو لجهة الإفساد بيئياً، بالإجهاز على ما حبت الطبيعة بني البشر من نِعم وخيرات، كما في اقتلاع الشجر، مثلاً، لأجل أن ترتفع ناطحات سحاب.
ضمن ذلك السياق، كثيرون، على امتداد العالم كله، يرون شيئاً من الخير سوف يولد من رحم شر «كورونا». حقاً، يشير الواقع، بوضوح شديد، إلى أن سلوكيات كثيرة سلبية سادت قبل ابتلاء «كورونا»، سوف تغيب بعد انقشاع الغيوم والقضاء على الفيروس. لقد سبقني عدد من الكتاب والكاتبات، هنا على صفحات «الشرق الأوسط»، وغيرها من صحف ومواقع عدة، إلى طرق موضوع أن العالم ما قبل الأزمة، ليس هو تماماً عالم ما بعدها. صحيح، ويمكن للمرء أن يلحظ كيف أن التغيير بدأ فعلاً. المهم أن يستمر. مثلاً، تلاحظ جارتي الإنجليزية، وهي مُعلمة متخصصة في تعليم التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، أن الهدوء أخذ يعود إلى شوارع الأحياء، وأن نهار الأحد راح يبدو كيوم إجازة بالفعل، وتشرح أكثر فتقول: يبدو أن أغلبنا كان بحاجة إلى صدمة كهذه، ورغم باهظ الثمن، وما يحمل من الألم، فإنني آمل أن يكف الناس عن الطمع في كل شيء، وليس الاكتفاء بما يحتاجون، بل وما يشتهون أيضاً، ثم أن يتوقفوا عن إلقاء فضلات يمكنها أن توقف جوع فقراء معوزين، سواء في بريطانيا أو في غيرها. أصابت جارتي. حقاً، إذا تحقق هذا، أو شيء منه، ربما لا تعود هناك حاجة إلى أمر: هيا، إلى حبس منزلك، سر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى الحبس سِرْ إلى الحبس سِرْ



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates