عيد رغم «كورونا» سعيد

عيد رغم «كورونا» سعيد

عيد رغم «كورونا» سعيد

 صوت الإمارات -

عيد رغم «كورونا» سعيد

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

من ذا الذي كان يتصوّر، في مثل هذه الأيام قبل عام مضى، أن عيد الفطر المقبل سوف يطل فيما العالم يبدو كأنه مقلوب رأساً على عقب، يكاد يجهل تماماً أي وجهة يمضي؟ بكل تأكيد، لا أحد، فما يعلم الغيب سوى علام الغيوب. هل أن مأزق فيروس «كورونا» هو وحده المسؤول عن وصول الكوكب إلى هكذا حال؟ كلا، من الظلم للفيروس الظالم، وبلا نسيان حقيقة أنه أوجع الناس، وأقض المضاجع في مشارق الأرض والمغارب، القول إنه لو لم يفاجئ البشر بحضوره البشع، لكانت البشرية تنعم بوضع مثالي ليست تشوبه أي من شوائب اللاعدل التي تنشب أظافر تغوّل قوى الباطل على الحق في أماكن عدة من المعمورة. مع ذلك، أيمكن الافتراض أن بوسع المسلمين والمسلمات في مختلف بقاع العالم، استقبال عيد الفطر بما يتيسّر من إحساس سعادة تغمر النفس، رغم جبال أحزان تجثم على صدور الكثيرين؟

نعم، ممكن. إنما، قبل مزيد التفاصيل، لماذا تبرئة فيروس «كورونا» من انفراده بتحمل المسؤولية عن غياب الاطمئنان، ومن ثَمّ إحساس السعادة، بين أغلب بني الإنسان عموماً، وليس في العالم الإسلامي فحسب؟ هنا محاولة تتلمس سُبل الإجابة. وفق إحصائية منشورة على موقع «our world in data»، يُزهق الانتحار أنفس ثمانمائة ألف إنسان في مختلف بقاع العالم، سنوياً، نعم، كل سنة. العام الماضي، نشرت مجلة «تايم» الأميركية (14/3/2019) تحقيقاً استند إلى دراسة نُشِرت في «Journal of Abnormal Psychology»، تؤكد أن الصحة العقلية للمراهقين والمراهقات في الولايات المتحدة، آخذة في التدهور منذ أواخر العقد الأول للألفية الثانية. وفقاً لتلك الدراسة، ارتفع معدل حالات الاكتئاب، بنسبة تفوق ستين في المائة بين سنتي 2009 و2017، خصوصاً في فئة الأعمار ما بين أربعة عشر وسبعة عشر عاماً، إضافة إلى ارتفاع معدلات الميل إلى الانتحار بين شابات وشبان تراوح أعمارهن وأعمارهم من 18 إلى 21 سنة خلال الفترة ذاتها. جرى استخلاص استنتاجات الدراسة من إجابات ما يزيد عن ستمائة ألف شخص، حول الموضوع. واضح أنها أرقام أقرب إلى إثارة الفزع منها إلى التأكيد على أننا أمام مجتمع أميركي ينعم فيه الجميع بالسعادة.
صحيح، لم يزعم أحد، في أميركا ذاتها قبل غيرها، أن كل الأميركيين سعداء. إنما يبقى من المهم تذكّر أن مقياس الشعور بالأمان، وإحساس السعادة في بلاد «الحلم الأميركي»، يصلح لأن يُضرب به المثل، خصوصاً عندما يبدو أن جهات كثيرة في العالم تحاول تقليد المثال الأميركي ابتغاء إسعاد شعوبها، وتحقيق الحد الأقصى من الرفاه على الطريقة الأميركية. ماذا عن ضحايا بؤس من أنواع عدة مختلفة على امتداد البسيطة؟ خذ، مثلاً، كم شخص يقضي بسبب نقص، وأحياناً انعدام الرعاية الصحية تماماً؟ حسب تقرير أعدته أكثر من وكالة تتبع الأمم المتحدة (18/9/2018) يُقدر عدد الأطفال الذين ماتوا قبل بلوغ الخامسة عشرة، خلال عام 2017، بنحو ستة ملايين وثلاثمائة ألف، أي بواقع طفل في كل خمس ثوانٍ. أما أعداد ضحايا الجوع على الصعيد العالمي، فهي بالفعل صادمة. وفق تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية «فاو»، فإن نقص التغذية يؤثر على 11 في المائة من سكان العالم، وبالتالي ارتفع عدد الجوعى من 777 مليون شخص عام 2015 إلى 815 مليوناً سنة 2016، والأرجح أن الأرقام تواصل الارتفاع إذا أخِذ في الاعتبار عامل اتساع رقعة الحروب في مختلف بقاع الكوكب.
أين «كورونا»، إذنْ، إزاء ما سبق من مآسٍ، وهو مجرد أمثلة على معاناة البشر قبل مجيء الفيروس؟ الواقع يقول إن ما من دليل يثبت أن أبناء وبنات آدم وحواء كانوا ينعمون بواقع أفضل، ثم أتى الوباء فأفسد كل شيء. ضمن هذا السياق، ما الذي يمنع أن يفرح المسلمون والمسلمات بقدوم عيد الفطر، بعد شهر صيام وتعبّد؟ لا شيء، أيضاً، يجب أن يحول دون ذلك. حقاً، رغم كآبة سحب الوباء، إذ تعبر أجواء كل ديار العالم الإسلامي، من الضروري أن يجتهد كل امرئ، قدر المستطاع، في إدخال الفرح وإحساس السعادة إلى النفوس. نعم، هناك بيوت ليس من مفر لها من غيوم حزن الفراق على مَنْ غيّبهم الفيروس، إنما أليس العمر كله مشوار حياة قصير، مهما طال؟ بلى. عيدكم سعيد، إذنْ، رغم مآسي «كورونا».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد رغم «كورونا» سعيد عيد رغم «كورونا» سعيد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates