أدب الحزن على أديب

أدب الحزن على أديب

أدب الحزن على أديب

 صوت الإمارات -

أدب الحزن على أديب

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

نعم، للحزن أدب وإجلال، كما تعرفون، أعمق من نحيب البكاء، أو عويل لطم الخدود، سواء صَدَق الدمع، أو كان محض تأثر عاطفي، وربما جاملَ فحسب. أتصوّر، من جانبي، أن جلال الحزن إنما يدرك قلب المحزون حين يتجلى نور الإيمان بقول الخالق إن الموت حق. أليست هكذا هي قصة المخلوق في كَبَد، منذ بدء الخلق؟ بلى. أكتب بعد أسبوع على رحيل أديب أبو علوان، ولن أستغرب إذا تساءل البعض عمّن هو أديب، لأن الراحل لم يُعرَف بأنه مثير صخب، أو صاحب ضجيج في حلقات صحافة لندن العربية، ولا في مجالسها المنعقدة خارج مقارها، أو ضمن أجواء نميمتها عندما تسري همساً قبل أن تحلق في فضاءاتها كافةً، كأنها حقائق غير مُتنازع عليها. تلك نميمة، كما هو معروف، من طبائع أهل الصحافة، والإعلام، وربما مجال الإبداع عموماً، وليست حكراً على العرب وحدهم. كلا، ضمن سياق كهذا، أديب أبو علوان، لم يكن أحدنا. نعم، أشمل ذاتي أيضاً، كي أصْدق القول مع نفسي أولاً، فأعترف أنني لم أرقَ إلى مثل مستوى إنكار الذات الذي لازم منهج عمل أديب، ليس الصحافي فحسب، بل النضالي كذلك، ولعل الأصح هو القول إن الثاني كان سابقاً على الأول، إذ لو أن تربية أديب النضالية، في حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، لم تنجح في زرع مبدأ نكران المصالح الذاتية، لأجل مصلحة الوطن، لما ساد النهج ذاته في تعامل أديب مع زملاء كثر له، وزميلات، في أكثر من موقع صحافي مسؤول تسلمه، أو منصب إداري أداره بنجاح، بضع سنوات.

هل يتخلى الفلسطيني الحامل جواز سفر المحتل الإسرائيلي عن الأصل، الذي منه أتى، وإليه سوف يرجع، ذات يوم؟ كلا، هذا أديب أبو علوان، هو الشاهد الحي على ذلك في حيفا، إذ يخوض غمار النضال الفلسطيني في عز الشباب، منذ منتصف ستينات القرن الماضي، مع بدايات انطلاق حركة «فتح» فجر فاتح يناير (كانون الثاني) 1965. ثم ها هو نفسه، أديب ذاته، شاهد مُتوفى في صقيع غربته اللندنية، يبقى فلسطينياً حتى الرمق الأخير. تعجز قضبان مرض يقطّع لفائف الذاكرة إربْاً عن تفتيت ذاكرته الفلسطينية، تفشل في سحق ذكرى ليل الأسر وراء القضبان في سجون إسرائيل. يبتسم أديب إذ تحدق عيناه فيما تخترق بصري، يقول بوضوح يمكنني فهمه جيداً، لم يكن يُهمْهِم، أو يهذي؛ ها هم، آتون ليأخذوني، لن أخافهم، كان بينهم عاقل واحد، يكرر لهم القول إنني لن أستسلم، فليوقفوا التعذيب. يصمت أديب قليلاً، يبتسم مجدداً، ثم يضحك ملء صدره.
بعد انقضاء فترة الأسر في السجن الإسرائيلي، حملت الأقدار أديب أبو علوان إلى لندن، حيث شاءت أقدار احتراب اللبنانيين فيما بينهم، وحروب الآخرين على أرضهم، ومن ضمنهم قادة فصائل فلسطينية، أن تغدو عاصمة بريطانيا مقر صحافة طارئاً للطيور المهاجرة من بيروت تحديداً، غير أن الطارئ سوف يصبح هو المرفأ الدائم، وعلى أكثر من رصيف ستبدو لندن، بعد حين، مجمّع موانئ ترسو فيه صحف ومجلات عربية عدة، بينها المهاجر، ومنها الناشئ فيها أساساً. بين الشريحة الأولى، كانت مجلة «الدستور» التي التحق أديب أبو علوان بأسرتها يوم كان ناشرها ورئيس تحريرها الصحافي اللبناني المعروف الأستاذ علي بلوط، ومنها انتقل أديب إلى مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، بدءاً بمجلة «المجلة»، ثم مجلة «سيدتي»، إلى أن تسلّم موقع مدير الإنتاج في المؤسسة ككل، حيث أمضى بضع سنوات مسؤولاً عن انتظام مواعيد طبع مطبوعات المؤسسة كافةً.
حقاً، لقد عاش أديب أبو علوان، مناضلاً بصمت، بلا زعيق واستعراض، وأعطى في الحقل الصحافي بأدب رافق دائماً ابتسامة الود للزملاء والزميلات، متجنباً أي بغض لأحد. تجمعني والراحل أديب ذكريات عدة تجمع معنا آخرين أيضاً. بالنسبة لي، أديب أبو علوان هو شاهد آخر يترجل قبلي، فإذا بي أمام مأزق الحيرة من جديد؛ ماذا تقول، وعمّ تصمت؟ من أدب الحزن على رحيلك أديب أن أصمت الآن، هذه اللحظة، وأحاول أن أشارك السيدة رحاب، رفيقة دربك، وكلاً من علي وسامر، وأحفادك، حزنهم الأكبر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدب الحزن على أديب أدب الحزن على أديب



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates