الخائن «بطل» غير ممكن

الخائن «بطل»؟ غير ممكن

الخائن «بطل»؟ غير ممكن

 صوت الإمارات -

الخائن «بطل» غير ممكن

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

السبت الماضي، نعت بريطانيا جورج بليك، مواطنها السابق، قبل أن يلتحق بالاتحاد السوفياتي، فصبت عليه أشد اللعنات، إذ ذكرت الناس، إن نسوا، أنه «خائن» تجسس لحساب موسكو، فيما هو في الأصل جاسوس بريطاني يعمل ضمن جهاز «إم آي 6»، فأمد العدو الروسي بمعلومات، تسبب معظمها في إعدام مئات من عملاء ذلك الجهاز في أماكن عدة من أوروبا. في المقابل، نعت موسكو أيضاً العجوز الراحل عن ثمانية وتسعين عاماً، فأكدت من جانبها أنه «بطل»، وفي رثاء قيصر الكرملين له، لم يتردد الرئيس فلاديمير بوتين في عده «أسطورة»، ولا غرابة في ذلك، إذ هو مثله، جاسوس في الأساس، اقتحم العمل السياسي من قلاع «كي جي بي»، فما العجب أن يتم تطريز رثاء الكرملين بفخم القول من نوع: «ستظل ذكرى هذه الشخصية الأسطورية حية في قلوبنا»؟ إنما، هل يستحق الموضوع كل هذا الاهتمام؟ في الواقع، عند تأمل وقائع مماثلة عبر مراحل مختلفة، يمكن القول إن الأمر ليس بجديد. أما إذا تجاوز المرء حالة جورج بليك، كفرد، ومن قبله كيم فيلبي، مواطنه المماثل له في خيانة بلده والانحياز إلى عدوه، وكذلك كل من ماثلهما، إذ ذاك، فقد يجوز القول إن الظاهرة في حد ذاتها، تستحق التوقف عندها.

في معظم الحالات التي تشابه ما أقدم عليه جورج بليك، أو كيم فيلبي، وغيرهما ممن يشبهانهما، سواء في بريطانيا أو غيرها، يمكن بوضوح ملاحظة أن الذي يقرر ركوب حصان الخيانة، والفرار إلى معسكر العدو، لن يفتقر إلى أسباب يتصور أنها تكفي لتبرير فعل خائن يريد أن يشتري به وسام «بطل». الانتماء الآيديولوجي أحد تلك الأسباب. كما أن بليك وفيلبي شدهما الهوى السياسي بعيداً عن الدار، حيث الوطن والأهل، مرتع الصبا وترعرع الشباب، فظن كل منهما أن النظام الماركسي هو المؤهل لإصلاح ما تصورا أنه خلل يعانيه بلدهما، كذلك يفعل التأدلج الغريب عن تراث أي مجتمع، الفعل ذاته في عقول شبان وشابات فيلقي بهم وبهن في شباك تنتظر ضحاياها كي تغرر بها، تلغم أدمغتها بكلام جداً خطير، واهم جداً، بل خاطئ، أساساً، ومحرف للسوي من المفاهيم؛ من مثل أن الوطن ليس مجرد التراب، ولا مرقد الآباء والأجداد، ولا منابع الموروث من صحيح وموثوق العلم، إنما الوطن هو أولاً حضن ما تؤمن به، فالشيوعية، مثلاً، وطن الشيوعي، الأول، والإسلام السياسي كذلك عند ذوي المناهج المتأسلمة، وأيضاً الوطن هو النظام الرأسمالي لدى المحورين الرأسمالية من منهاج اقتصاد السوق، ومبدأ العرض والطلب، إلى تعنت حزبي ضيق، بلا عقل منفتح على آفاق التطور يتيح النظر إلى احتياجات قطاع الفقراء، ومحدودي الدخل، في المجتمع، فيلبي تطلعات الناس.
معروف كم عانى العالم العربي من مشكلات التجاذب العقائدي، ومعروف كذلك كم من حالة اختراق أمني تشبه فعلة جورج بليك مرت بأكثر من بلد عربي. ليس من ضرورة لإعادة التذكير بأسماء صار الحكم لها، أو عليها، ملك محاكم الآتي من أيام تتيح ظروفها، بحق، وضوح الرؤية بلا رقيب سوى وازع الضمير وحده. واضح أيضاً كم جر تقديم صالح الانتماء العقائدي على الولاء لمصالح الوطن أولاً، من مصائب في أغلب بلاد العرب، بل والمسلمين عموماً. هنا، كذلك، ليس ثمة ضرورة توجب تسمية تنظيمات، أو أحزاب بعينها، إذ يكفي النظر إلى ألوان راياتها، والإصغاء إلى أدبيات منابرها، حتى يصدع السؤال واضحاً؛ أحقاً هذا الحزب، أو ذاك التنظيم، ينتمي إلى قوم بلده بالفعل، أم أنه مجرد تابع لمن يدفع، فيوجه، ثم يأمر، من بعيد؟ الأرجح أن الناس، في معظمهم، يعرفون، وقد قيل منذ زمن قديم؛ يمكن خداع بعض الناس بعضاً من الوقت، لكن ليس ممكناً خداع كل الناس كل الوقت، أو؛ وهو أجمل، كما قال ابن الرومي، شاعرنا العباسي الجميل، في أبياته المحفورة في ذاكرتنا منذ التعليم الابتدائي: «ولي وطن آليت ألا أبيعه/ وألا أرى غيري له الدهر مالكا/ عهدت به شرخ الشباب ونعمةً/ كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا/ وحبب أوطان الرجال إليهم/ مآرب قضاها الشباب هنالكا/ إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم/ عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا/ فقد ألفته النفس حتى كأنه/ لها جسد إن بأن غودر هالكا». كل عام جديد، وأوطانكم كلها ترفل بجديد الخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخائن «بطل» غير ممكن الخائن «بطل» غير ممكن



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates