استحالة التفكير بالثورة كأنّ «حزب الله» غير موجود

استحالة التفكير بالثورة كأنّ «حزب الله» غير موجود

استحالة التفكير بالثورة كأنّ «حزب الله» غير موجود

 صوت الإمارات -

استحالة التفكير بالثورة كأنّ «حزب الله» غير موجود

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

موجة ثالثة من الثورة. مع هذا لا تزال المشكلة الأمّ هي نفسها: وضع طائفة كبرى، بالقسر والقوّة، خارج الثورة. الاعتصامات التي شهدتها الضاحية الجنوبيّة لبيروت وُصفت بالخجولة والضعيفة، مع أنّ الوضع الاجتماعي لسكّان الضاحية يفترض اعتصامات صريحة وقويّة.

نتائج كثيرة تترتّب على ذلك وتندرج في القدرة المتواصلة على خنق الاجتماعي والطبقيّ. حتّى قرار كالقرار الأخير بحقّ المصارف، وكائناً ما كان الرأي فيه، لم يستطع تقديم نفسه كقرار مطلبيّ. لقد أعيد تدويره سياسياً، أي بالمعنى اللبنانيّ، طائفيّاً. القرار ما لبث أن أُلغي.
مرّة بعد مرّة نجدّد إذاً استحالة التفكير بالثورة اللبنانيّة كما لو أنّ «حزب الله» تفصيل عارض، أو كأنّه غير موجود. فهو حين ينجح في وضع إحدى كبرى الطوائف خارج الثورة، فهذا يعني نجاحه في إحباط خطّتها، أي تأليف الكتلة العابرة للطوائف التي تطرح نفسها مشروعاً بديلاً للسلطة، أو حتّى، وفي هذه الغضون، طرفاً قويّاً ونقديّاً في السلطة نفسها. ذاك أنّه مع «17 تشرين الأوّل» بدأت عمليّة قضم لأطراف الطوائف، كما ظهر طرح تتعرّف فيه الذات الوطنيّة إلى نفسها من خارج السرديّة الطائفيّة. الثورة لم تطرح «إلغاء» الطائفيّة مما لا يفكّر فيه عاقل، ولا طرحت إلغاء الألوان الطائفيّة الخاصّة بالجماعات لأنّها باقتراح كهذا تعلن ميلاً صَهريّاً واستبدادياً. مطالبها أقلّ جذريّة وأشدّ تواضعاً بكثير.
لقد كان واضحاً، مع نشوب الثورة، أنّ الطائفيّة ونظامها مأزومان في الاقتصاد والخدمات وفي إدارة العمليّة السياسيّة وتشكيل أنصبتها. هذا ما سهّل الانفجار في «17 تشرين». إلاّ أنّ «حزب الله» بقي، كطرف طائفي (ودينيّ) غير مأزوم، يتباهى بالصواريخ ويقاتل في إدلب ويتهدّد ويتوعّد، فيما اقتصاده الحزبي ذو مصدر إيراني قليل التأثّر بمجريات الاقتصاد اللبنانيّ. حسن نصر الله صارحنا بهذه الحقيقة منذ الأيّام الأولى للثورة.
أهمّ من ذلك أنّ الحزب الطرفُ المسلّح الوحيد في التركيبة الحاكمة. فإذا عجز الجيش، لسبب داخلي أو خارجيّ، عن ممارسة القمع، تقدّم هو لأداء الوظيفة. وهو حزب يخوض حروباً على جبهتين، ولا يمكن ألاّ يفكّر بوضع سياسي واقتصادي في الداخل ملائم لحربيه، أو على الأقلّ متكيّف معهما. في المقابل، من العبث الرهان على انشقاق داخل الحزب تبعاً لمقدّمات اجتماعيّة، أو لتضارب في التمثيل الطبقيّ. احتمالات التعبير عن احتمال كهذا ممنوعة، وتكلّف دماً.
هكذا بات ممكناً الحديث عن طائفيّتين، واحدة ناعمة نعّمتها هزائمها، وجعلتها قابلة للمساومة، وإلاّ فللرضوخ، وقابلة أيضاً لانشقاق بعضها عنها، وطائفيّة خشنة ومسلّحة تتباهى بانتصاراتها، أو ما يتراءى لها أنّها انتصارات، وترى أنّ لبنان لا يتّسع لثورتين. إنّها وحدها الثورة. هذا ما بدا واضحاً منذ 2015. حين بدا التجرّؤ على رموز الطائفيّة الناعمة، بمن فيهم ممثّلو العونيين، ممكناً، بينما التجرّؤ نفسه محرّم على رموز الطائفيّة الخشنة.
بالنتيجة أُحبط الوعد الثوري بتأليف الكتلة الجديدة العابرة للطوائف، وبات أمره منوطاً بمهمّة تاريخيّة مديدة. لكنْ ما مضمون هذه المهمّة ما دام مرور الزمن ليس حيادياً ولا يعني بذاته الكثير؟
إنّه، فضلاً عن نشر وعي أرفع بوحدة مصالح اللبنانيين، ومداومة التحريض ضدّ إفقارهم والتشهير بمصارفهم، انتظار أن يضعف «حزب الله» والدفع، في الحدود المتاحة، باتّجاه هذه الغاية الجليلة.
الأمر ليس «حقداً أعمى» على الحزب. إنّه نابع من تحديد موقعه بوصفه الحامي الأخير لحكم اللصوص (الكليبتوقراطيّة) تبعاً لنجاح تكيّفه معه. صحيح أنّ العقوبات الأميركيّة أطلقت بعض التوتّر بينهما، إلاّ أنّ قنبلة ليليّة واحدة على مصرف مغلق كانت كافية لاستعادة معظم الثقة المتبادلة. الأمور انتظمت بعدذاك وإن بقليل من التشنّج الذي قد يعتري أي علاقة بين حليفين.
لنلاحظ مثلاً أنّ الحزب يَحول دون خطط التخدير الاقتصادي التي تتوسّل العلاقات التقليديّة للبنان في إقليمه وفي العالم، ومَن لا يحتمل التخدير هل يحتمل العلاجات الأكثر جذريّة؟ هكذا يُترك رئيس الحكومة البائس حسّان دياب يعلن «عجز الدولة عن حماية مواطنيها».
والحال أنّ انتظار ضعف الحزب والدفع في هذا الاتّجاه يُقحمان عنصراً آخر لا يحظى، لدى تحليل الوضع اللبنانيّ، بكبير اهتمام: إنّه توازنات القوى في الخارج. ففي ظلّ قوّة إيران (ونظام بشّار الأسد) يستحيل أن تنجح ثورة في لبنان، بل يستحيل أن تتحقّق إنجازات كبرى في مواجهة حكم اللصوص. قد يظهر شغب متفرّق وعنف طائش ردّاً على الإفقار. قد تتعالى أصوات شجاعة تقدّم المزيد من البراهين على فضائحيّة السلطة. وعلى صعوبة ذلك، قد تقدّم الأخيرة بعض فتات المصارف لمسروقيها. لكنّ هذا شيء والتغيير شيء آخر. حالة العراق قد لا تختلف كثيراً.
هنا، لا بأس بأن نستعيد أوروبا الوسطى والشرقيّة قليلاً: في 1953 انتفضت ألمانيا الشرقيّة سابقاً. في 1956 انتفضت هنغاريا. في 1968 انتفضت تشيكوسلوفاكيا السابقة. في 1980 - 1981 انتفضت بولندا. لكنّ الثورات كلّها لم تنتصر ولم تتغيّر تلك البلدان إلاّ بسقوط الاتّحاد السوفياتي نفسه في أواخر ذاك العقد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استحالة التفكير بالثورة كأنّ «حزب الله» غير موجود استحالة التفكير بالثورة كأنّ «حزب الله» غير موجود



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"

GMT 04:38 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

خدع بسيطة لتحصلي على عيون براقّة تبدو أوسع

GMT 01:20 2013 الأحد ,21 إبريل / نيسان

دومينو الـ10 ألاف "آيفون 5 إس" الجديد

GMT 01:14 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الإقامة الفاخرة في جزيرة جيكيل الأميركية

GMT 20:41 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إريكسون يؤكد أن ساوبر أنقذت نفسها من موسم "كارثي" في 2017

GMT 10:32 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

دلال عبد العزيز تكشف عن تفاصيل دورها في "سوق الجمعة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates