بقلم - علي ابو الريش
لعبة كبرى تجري فصولها العبثية على أرض سوريا. روسيا تقول إنها تريد تحرير سوريا من الإرهابيين، وتحشد هي الدولة العظمى كل ما يتوفر في ترسانتها الفتّاكة، وتقاتل من الشمال إلى الجنوب، وتهدد وتتوعد جبهة النصرة في إدلب، وتعرف معرفة اليقين أن «النصرة» مخلب تركي، وعلاقة تركيا بروسيا مثل علاقة انتهازية تريد من خلالها اللعب على جميع الأطراف فلا هي مع ولا هي ضد، فقط لحصد المكاسب. روسيا توقع اتفاقية توريد صواريخ (S400) وأميركا تهدد بمنع استكمال صفقة الـ(F35)، وما بين الصفقتين تظل السياسة التركية الانتهازية تراوغ، وتماطل، وتلج الباطل من كل شعابه وهضابه، ولا تكترث روسيا بتهديدات تركيا للنظام السوري، بالرد الحاسم والقاصم إذا اقترب الجيش السوري من معسكرات الجيش التركي الرابض ليس في حدوده، وإنما في الداخل السوري.
لعبة كبرى، أشبه بحكاية خرافية، لا يفهم مغزاها إلا الكاهن الذي يلقي بالخرافة في وجه المريدين، ثم يختفي وراء حكايته، وكأنه الطيف السحري. لا أحد يستطيع أن يقول لتركيا كفى لعباً على الضعف السوري، والعربي كذلك، لأن للكل مصلحة في أن تستمر اللعبة، وللكل غايته ومصلحته وأهدافه السرية، التي لا يعلمها إلا النظام السوري الذي أبدى استعداده في أن يكون المسرح العبثي لكل هذه الألعاب البهلوانية، المهم أن يظل النظام وحزبه سالماً غانماً، حتى ولو كان على حساب جثث السوريين، ومصيرهم المهدور، لأن اللعبة بنيت على هذا الأساس من التشابكات الدولية ذات الحبال الغليظة، والتي لا يستطيع أن يحل عقدتها إلا من لعب أدواراً في ألا تفك العقد في الوطن العربي، لأن هناك قناعة راسخة لدول المصالح، أنه لكي تستمر مصانع السلاح في دورتها الزمنية، فلا بد أن يكون الوطن العربي تحت سطوة التمزق والحروب الأزلية التي لا نهاية لها، وأنه لكي تمرر الدول ذات المشاريع الوهمية، لا بد وأن يصبح الوطن العربي ممراً لهذه المشاريع، ولكي يقوى هؤلاء لا بد من إضعاف المشروع العربي الواحد، لأنهم يفهمون مدى ما للعرب من إمكانيات هائلة للتطور والرقي، وهذا يؤلمهم كثيراً ويعرقل خططهم في تطوير أسلحتهم وتوسيع مصانعهم.
روسيا لن تحرك ساكناً ضد تركيا، وكذلك أميركا، لأن المصلحة تقتضي أن تظل الأمور هكذا غامضة، وسريالية إلى حد الغموض، أما آمالنا -نحن العرب- في أن ينصفنا صادق وأمين، فإنه لن يتعدى أضغاث أحلام. لعبة كبرى أكبر من حجم البوارج، وحاملات الطائرات التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، لعبة كبرى تثير الفزع على المصير، ولكن بعض العرب ما زال يعلق آمالاً على الانفراج القريب، وبعض العرب ينخدعون بأردوغان عندما يتحدث عن القدس، أو عن سفينته (الحرية) الوهمية.