جهاد المنقسمين في ليبيا وفلسطين

جهاد المنقسمين في ليبيا وفلسطين

جهاد المنقسمين في ليبيا وفلسطين

 صوت الإمارات -

جهاد المنقسمين في ليبيا وفلسطين

بقلم - سليمان جودة

ربما يكون من حُسن حظ ليبيا أن تنعقد القمة العربية المقبلة في الجزائر بالذات، وأن تكون الحكومة الجزائرية متحمسة، ليس فقط لانعقاد هذه القمة عندها وفي موعدها، ولكن لأن تجد القضايا العربية على اختلافها حلاً لها على طاولة القمة أو في الطريق إليها.
أما القضايا التي صادفت حلاً أو بعض الحل في الطريق إلى القمة، فمن بينها قضية فلسطين التي انعقد من أجلها لقاء على الأراضي الجزائرية في 13 من هذا الشهر!
ففي اللقاء حضر 14 فصيلاً من الفصائل الفلسطينية، وجميعها وقّعت على وثيقة «إعلان الجزائر» التي ضمت عدداً من البنود، وفي المقدمة منها بند ينص على تنظيم انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
وهذا البند لم يترك المدى الزمني مفتوحاً على آخره أمام الانتخابات بنوعيها، ولكنه وضع الضوابط الضامنة لخروج العملية الانتخابية إلى النور، فقال إن الاستحقاقات الانتخابية لا بد أن تجري على مستوييها في موعد غايته سنة من تاريخ التوقيع على الوثيقة.
وإذا كان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، قد حضر اللقاء رافعاً إصبعيه السبابة والوسطى بعلامة النصر الشهيرة، فالنصر الحقيقي سوف يكون على الأرض، وسوف يكون عندما نسمع منذ الآن أن الفصائل التي وقّعت على الوثيقة، قد بدأت العمل الذي يترجم بنودها إلى عمل من لحم ومن دم.
هذا هو التحدي الحقيقي؛ لأنه ما أسهل أن ترتفع الأيادي بشارات النصر والانتصار، سواء من هنية أو من سواه من القادة في فلسطين، وما أصعب أن يشعر المتابعون منا لتوقيع الوثيقة بأن الذين وضعوا عليها توقيعاتهم من قادة الفصائل كانوا بالفعل جادين فيما وضعوه على الورق من إمضاءات، وكانوا حريصين على أن يكون التوقيع هذه المرة مختلفاً عما سبق من توقيعات.
ولن يحدث هذا في الغالب، ولن نراه نحن الذين نتابع متحققاً أمامنا، ولن تراه الجزائر التي دعت إلى اللقاء وشملته برعايتها، إلا إذا آمن كل الذين وقّعوا على وثيقة الإعلان، بأن حديثاً للرسول عليه الصلاة والسلام لا بديل عن أن يكون حاضراً بينهم، وأن يكون معمولاً به من جانبهم، وأن يتحول على أياديهم من حديث شريف صحيح نردده في مناسباته، إلى وصية عملية نافعة في حالتنا هذه من جانب نبي الإسلام.
كان الرسول قد عاد من غزوة غزاها، وكان قد راح يتطلع إلى أصحابه الذين رافقوه في غزوته ثم يقول: «عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، فلما لم يفهم أحد الصحابة مراد النبي سأل مستفسراً: «وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟! قال: جهاد النفس».
هذا بالضبط ما سوف يجد قادة الفصائل المختلفة أنهم مدعوون إليه من ساعة توقيع الوثيقة إلى يوم إجراء الانتخابات في موعدها الذي يحدده بندها بين سائر البنود، والذي يعطيهم في مداه الزمني فسحة من الوقت، لعل كل واحد فيهم يتدبر أمره، ولعلهم جميعاً يلتفتون إلى أن هذا الجهاد على وجه التحديد، هو الجهاد الذي سيكون عليهم كلهم أن ينخرطوا فيه بغير تأخير.
ولأن هذه ليست المرة الأولى التي يوقّع فيها القادة الفلسطينيون إعلاناً أو اتفاقاً يُنهي الانقسام فيما بينهم، ويحقق المصالحة، ولأنهم وقّعوا من قبل كثيراً وطويلاً، ولأن اتفاق مكة على سبيل المثال ليس ببعيد، فما سوف يميز بين كل اتفاق سبق ووثيقة إعلان الجزائر، أن تمارس كافة الفصائل تجاه هذه الوثيقة ما لم تمارسه تجاه الاتفاقات السابقة كلها.
وليس مطلوباً منها سوى أن تمارس جهاد النفس تحديداً، لأنه بنص الحديث هو الجهاد الأكبر، ولأن جهاد العدو بالنسبة له جهاد أصغر، وشأنه بالتالي يهون!
ولو كان الذي أعطى جهاد النفس هذا التصنيف رجلاً آخر من البشر بخلاف الرسول الكريم، لكان من الممكن أن نعيد حول تصنيفه ونزيد، ولكن الذي أطلق هذا التصنيف كان يطلقه عن دراية بنفوس البشر، وكان يطلقه وهو عارف بأن جهاد العدو ليس هو المشكلة، بقدر ما أن جهاد النفس هو المعضلة.
وقد يكون لهذا السبب قد صاغه في كلمات لا تكاد تجاوز في عددها عدد أصابع اليدين، لعلنا نجد سهولة في حفظه وفي استرجاعه، ولعلنا نذهب إلى العمل به ما دمنا نحفظه، وما دمنا نردده، وما دمنا نستشهد به ونستحضر معناه في الكثير من الحالات والمواقف.
أما وجه حُسن الحظ فيما يخص ليبيا في القمة، فلأن الجزائر بالنسبة للحالة الليبية، ليست مجرد دولة عربية جاء عليها الدور في استضافة القمة، ولكنها قبل القمة وبعدها دولة من دول الجوار المباشر الست مع ليبيا، بدءاً بمصر، ومروراً بالسودان، وتشاد، والنيجر، وتونس، ثم انتهاءً بالجزائر نفسها.
ولهذا السبب، فإن ليبيا بما يجري على أرضها من تطورات مؤلمة، منذ جاءها ما يسمى الربيع العربي، إذا كانت تعني شيئاً لكل عاصمة عربية، فهي تعني شيئين لعواصم الدول الست، ومن بينها بالطبع دولتان غير عربيتين هما: تشاد والنيجر.
وكان عمرو موسى قد رشح تشاد لعضوية جامعة الدول العربية، وقت أن كان أميناً عاماً على رأس الجامعة، ولكن الموضوع لم يصادف قبولاً من غالبية الدول الأعضاء في القمة العربية السابقة على الربيع، وهذا موضوع آخر طبعاً، غير أن له صلة بهذا السياق الذي نتحدث فيه.
والشيئان اللذان تعنيهما ليبيا للجزائر، هما أنها إذا صح في حقها أنها دولة عربية، فالأصح من ذلك أنها دولة من دول الجوار.
وعندما دعت الجزائر في وقت سابق إلى مؤتمر على أرضها يتعرض للقضية الليبية دون سواها، فإنها دعت إليه دول الجوار وحدها، وكان هذا من قبيل وضع الشيء في مكانه، ومن قبيل تسمية الأشياء بأسمائها، ومن قبيل أن يتعرض للشيء أصحابه، ليس عن رغبة في احتكاره، لأنهم أدرى به من كل الناس، ولأنهم الأكثر تعرضاً لتداعياته من كل الأطراف. ومع ذلك، كان حديث وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في المؤتمر وقتها، حديث السياسي الواقعي الذي يتعامل مع القضية بالصورة التي يجب أن تؤخذ عليها. وكان مما قاله مثلاً أن الشأن الليبي يهم دول الجوار الست بالتأكيد، ولكنه يهم الليبيين أكثر من غيرهم من دون شك.
ولأنه كذلك، فالحل لهذا الانقسام الذي نراه على الأراضي الليبية، بين حكومة في الغرب وحكومة في الشرق، هو حل ليبي-ليبي، قبل أن يكون حلاً تطرحه دول الجوار، أو يطرحه طرف إقليمي، أو طرف دولي، أو يحمله مبعوث أممي قادم من الأمم المتحدة التي لا تزال ترسل مبعوثاً من وراء مبعوث.
وإذا كانت الجزائر قد دعت المنقسمين في فلسطين، وإذا كانت قد جمعتهم حول طاولة يوقّعون عليها إعلان الوثيقة، فالوقت لا يسعفها في الغالب لتدعو المنقسمين الليبيين إلى طاولة مماثلة، وهذا ما يجعل مهمة كهذه مؤجلة إلى طاولة القمة عندما تنعقد. وما دام الحال كذلك، فليس المنقسمون بين الشرق والغرب في ليبيا مدعوين إلى شيء، إلا إلى الشيء نفسه الذي تجد الفصائل الفلسطينية أنها مدعوة إليه.
المنقسمون في ليبيا مدعوون إلى الجهاد الأكبر، الذي هو جهاد النفس، والذي من غيره لن تستطيع القمة إنهاء انقسامهم بين حكومتين، حتى ولو انعقدت لهما قمة في كل يوم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جهاد المنقسمين في ليبيا وفلسطين جهاد المنقسمين في ليبيا وفلسطين



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 05:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة
 صوت الإمارات - أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة
 صوت الإمارات - الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"

GMT 01:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كلوب يكشف السبب الرئيسي لسقوط ليفربول أمام ساوثهامبتون

GMT 12:49 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يوضِّح تعرّضه للأذى في برشلونة سبب خروجه عن صمته
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates