بقلم - أسامة غريب
لم تكن للمعلم سنون شغلة أو مشغلة.. كان طوال الوقت يشتم أفراد أسرته ويبصق على الرائح والغادى من جلسته على الشلتة على حافة العشة، حيث يطل على الشارع، حتى أتى يوم وركن إلى جواره بائع تين شوكى وقف يبيع إلى جوار رصيف عم سنون.
بمحض الصدفة نالت بائع التين بصقة عظيمة من بصقات سنون، التى كان يطلقها بانتظام كل عدة ثوان. سقطت البصقة على يد الرجل فأفزعته وجعلته يسب ويلعن. وهنا نحّى الريس سنون الجوزة التى كان يدخنها ونهض من مكانه ثم توجه إلى بائع التين الشوكى وسدد إليه فاصلاً من اللكمات، ثم برقت فى ذهنه فكرة شيطانية فقرر أن يستولى على عربة التين لنفسه. ضرب سنون الرجل الذى بدا عليه أنه فلاح طيب.. ضربه حتى كوّمه على الأرض ثم استولى على عربته ورفعها إلى الرصيف وألصقها بالعشة قبل أن يعود للرجل مهدداً: امش من هنا وإياك أن تعود حتى لا تفقد حياتك.
نظر بائع التين إلى عينى سنون فوجدهما تفحّان وتطلقان الشرر، فوقع الرعب فى قلبه وخشى على حياته فجرى مبتعداً وترك عربة التين ولم يعد ثانية.
كانت غريبة للغاية الطريقة التى استولى بها سنون على بضاعة الرجل القروى، الذى لا شك قد أتى من بلدته ليسترزق بالقاهرة فإذا بالعربة تضيع ومعها البضاعة. الأغرب أن أحداً لم يحرك ساكناً لنصرة بائع التين أو لرد سنون عن غيه. لم يكن أهل الحى يخافون منه بعد أن عاش إلى جوارهم طويلاً، لكنهم مع ذلك كانوا يؤثرون البعد عن الصداع!
منذ ذلك اليوم أصبح سنون يلقب ببائع التين الشوكى، ويبدو أن اللقب أسعده بعد أن عاش طويلاً فى ظل لقب سنون المتشرد.
ومن الجدير بالذكر أنه بعد أن باع حمولة العربة من التين عجز عن معرفة من أين يأتى ببضاعة أخرى، فكان يسأل الجيران من سكان الشارع عن كيفية إحضار شحنة تين شوكى جديدة. كان بعضهم يستسهل السخرية منه فينصحه بأن يسطو على عربة جديدة ويجرد صاحبها مما بها، لكن هناك من نصحه بالتوجه إلى الفلاحين القادمين إلى سوق بندقة فى باب الشعرية كل يوم إثنين ليشترى منهم ما تيسر من التين.
كانت هناك مشكلة أخرى عانى منها سنون.. لم يكن الرجل خبيراً بكيفية تقشير التينة دون أن يدمى أصابعه بالشوك، فظل يصرخ ليالى طويلة من الألم، وحرم الناس من النوم حتى قاموا إليه فأشبعوه شتماً ثم قدم إليه أحدهم ملقاطاً وعلّمه كيف ينزع الشوك من يديه أولاً بأول.
فى ذلك الوقت كان شكل سنون يخيفنى لأن تراكم الأوساخ على جسده لسنوات طوال جعل بشرته تسوَدّ، وكانت ابنته مانّا مخيفة أكثر منه بشعرها المنكوش وجلبابها الكالح الذى لا يتغير.. وللحكاية بقية.