بقلم: سحر الجعارة
فى الأسبوع الماضى أشرت إلى صفقة بيع تراث السينما المصرية، ولم تكن كلماتى حالة «نوستالجيا»، بل كانت محاولة البحث عن بصمة جديدة لتبعث «الذاكرة السينمائية» بروح جديدة، قد لا تكون نوعًا فريدًا لم يألفه المشاهد، رغم أنه «الذاكرة الوطنية» التى تسجل بالصوت والصورة تاريخنا بلا مساحيق، وتقدم لنا الحقيقة فى قالب فنى، وأعنى بها «الأفلام الوثائقية»، التى لا تقل متعة وأهمية عن الأفلام السينمائية الروائية.
خطفنى فيلم «سيد قطب» من زحام الفضائيات ليعيد إلىّ «الدهشة» من جديد، وأنا أرى نبوءة مرئية تجيب على الألغاز التى لم نفهمها.. رغم أننا عايشنا عنف الإخوان وآليات سطوهم على الحكم، واكتوينا بميليشياتهم، واختبرنا قهر «الفاشية الدينية».. لكننا لم نعرف كيف تكونت الروح الدموية الأشرس فى تاريخ جماعة «الإخوان» المعاصرة.. وهو السؤال الأهم الذى يجيب عنه الفيلم الوثائقى «قطب»، وهو من إنتاج «وحدة الأفلام الوثائقية» فى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، رؤية و«كتابة أحمد الدرينى»، سيناريو وإخراج «شريف سعيد»، ويوثق الفيلم رحلة حياة «سيد قطب»، المفكر الأشهر لجماعة الإخوان المسلمين، مستندًا إلى وثائق تنشر للمرة الأولى، وتتضمن وثائق قضية «تنظيم 1965»، التى كان يخطط فيها التنظيم السرى للجماعة لقتل الرئيس «جمال عبدالناصر»، وأحكام الإعدام التى طالت «قطب» واثنين من رجاله.. لتسقط هالة التقديس الزائفة التى روّج لها التنظيم لسنين طويلة عن إعدام «سيد قطب» بسبب «أفكاره»، لا بسبب ضلوعه فى عمليات إرهابية!.
الأخطر من ذلك أن الفيلم يكشف أن الشباب المتهمين داخل التنظيم السرى لجماعة الإخوان وقتها سيصبحون فيما بعد (محمد بديع مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين، ومحمود عزت، وإبراهيم منير، بالإضافة إلى يوسف ندا العقل المفكر لاقتصاديات الجماعة)، هؤلاء هم الشباب الذين كانوا يحيطون بـ«سيد قطب» ويستقون أفكارهم منه.. وهو ما قد يفسر لنا طلاسم عام من حكم الإخوان لمصر.
حين ترى فيلم «قطب» لابد أن تلتفت فورًا إلى قناة «الجزيرة الوثائقية»، لتدرك أهمية أن تكون لديك وحدة للأفلام الوثائقية بقناة DMC، وأهمية استمرارها، لأن «شريط السينما» أصدق وأقوى من بعض الأقلام التى تزيف التاريخ وتكتبه «حسب الأهواء».
سوف تتذكر بالقطع ما حققته «الجزيرة» بقنواتها، من حملات إعلامية ممنهجة أسقطت - بالفعل- أوطانًا، مما جعلها عدوًا حقيقيًّا لابد أن تتصدى لها منصات إعلامية قوية وموضوعية وفرق إنقاذ تنتشل المواطن من دوامة الشائعات والأكاذيب، تواجه الحقيقة مهما كانت صادمة.. ولكن - للأسف- هذه الشروط لم تعد متوافرة فى بعض «الوجوه المحروقة» التى فقدت مصداقيتها حين تأرجحت على حبال ثلاثة عهود (مبارك، الإخوان، 30 يونيو).. فكان لابد من ضخ دماء جديدة فى شرايين الإعلام: (إيمان الحصرى، رامى رضوان، عمرو خليل، حسام حداد.. وغيرهم).
وانضمت إلى الكتيبة الدكتورة «لميس جابر» ببرنامج جديد يروى تاريخ مصر بأسلوبها «السهل الممتنع»، وأضاف «تامر الخشاب» ببرنامجه «الكمين» متعة بصرية وتكنولوجية وهو يكشف قوة ألاعيب الأنظمة المعادية لمصر.. خاصة بعدما نجح الإعلام المصرى فى القضاء على المحاولة الخسيسة لإفشال مصر.
السؤال المهم هنا: كيف تصنع نموذجًا لإعلام هادف يلبى رغبة المشاهد فى المعرفة والترفيه ونشر التنوير بدون نزيف مادى؟.. هذا السؤال تلخصه تجربة «تامر مرسى» الذى اعتمد على النجاح الجماهيرى للقنوات بما يؤدى لتمويلها لنفسها ذاتيًا.. وكان السؤال التالى: كيف ستفتح الأبواب للأسماء الكبيرة فى فنون الإبداع (كتابة وتمثيلًا وإخراجًا وإنتاجًا) دون تكرار «فوضى الدراما» التى التهمت عقول الجماهير لسنين طويلة؟!.
هذه الأسماء ستعود بالفعل -رمضان القادم- بنفس نجومها، بعد ضبط آليات السوق، ورغم خسائر صناع «الدراما التليفزيونية»، فالصناعة كانت مهددة بالفناء تحت ضغط «سطوة النجم»، كما كان بعضها يطمس الهوية دون وعى.. بل يشوّه وعى الجماهير.
الحرب ليست سهلة، والمنافسة قوية، وأمامنا دول نفطية تنفق بسفه على قنوات «الجزيرة والإخوان».. وكان لابد من دخول الحلبة بقوة وصلابة، فنجحت «المتحدة» فى الحصول على حق العرض الحصرى للفيلم الفرنسى «قطر.. حرب النفوذ على الإسلام فى أوروبا»، والذى يفضح الدور القطرى فى تمويل الإرهاب بالوثائق.. والذى سعت «الجزيرة» لشرائه حتى تحجبه.
«الشاشة الصغيرة» هى المنفذ الذى يوصل «الحقيقة» للمشاهد.. وهى المتنفس للأسر المصرية.. ومنظومة الإعلام هى رأس الحربة فى معارك الوطن.. إنها الضربة الحاسمة فى تحديد الأكثر تأثيرًا ومن يترك بصمة فى وجدان الأمة.