هل فعلاً نحن عقلاء

هل فعلاً نحن عقلاء؟

هل فعلاً نحن عقلاء؟

 صوت الإمارات -

هل فعلاً نحن عقلاء

بقلم - علي ابو الريش

يقول صاحب نظرية التحليل النفسي سيجموند فرويد، إن في داخل كل إنسان متحضر، شيئاً من إنسان الغاب. وهذه نظرية صحيحة مائة في المائة. لأنه لو كان الإنسان عاقلاً، ولا شائبة في عقله، لما احتاج إلى العقائد والنظريات التي تهديه إلى سواء السبيل. ولكن هذا الإنسان غير العاقل، لا يعترف بجنونه، وما من إنسان على وجه الأرض يقبل أن تقول عنه مجنوناً. وإلا لماذا الصراع وكل هذه الحروب الطاحنة التي تأكل الأخضر واليابس، ولا زال كل إنسان يعتقد أنه العاقل الوحيد في العالم، ومن سواه ليسوا إلا مجانين. كل إنسان منا لم يقتنع بما يملكه إلا العقل، فالكل يتباهى بعقله، ويرفض عقل الآخرين. هذه سمة وجودية لا يتزحزح عنها بنو البشر قيد أنمله، ولو فكر إنسان ما أن يغير من سيرته الأزلية لاتهم بالجنون، وهذا أضعف الإيمان، إن لم يمح من فوق الأرض. المهاتما غاندي الذي فكر أن يكسر القاعدة، أغتيل على الفور، لأنه قال في ذات تجلي إن هناك في الهند أناساً غير الهندوس يستحقون العيش الكريم، كونهم يشاركون غيرهم الأرض والمصير. ابن رشد الذي قال: كل الأديان صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها، نكل به، وأحرقت كتبه، واعتبر شاذاً عن القاعدة، واتهم بالمروق. وكذلك أبو حيان التوحيدي لم يكن مصيره أهون من مصير ابن رشد، لماذا؟ لأن كل إنسان منا يعتقد أنه بعقله الراجح امتلك ناصية الحقيقة، وأن غيره على خطأ، حتى وأن تلقى رسالة من السماء يظل مشكوكاً به إلى يوم القيامة. هذه هي الأنانية التي تفجَّرت في ذهن الإنسان منذ أن ولد، وإلى أن يقبر، لأن كلمة أنا، كلمة جاءت من منطقة مظلمة، ولا ترى غير الإنسان الأنوي نفسه، وطالما الأمر كذلك، فإن البشرية لن تتخلص من براثن هذه المتناقضات، ولن تتملص من حب الإنسان لنفسه، ولا يوجد إنسان متعفف وفي قلبه رائحة أنا متعفنة، ولا يوجد إنسان منفتح على الآخر، طالما بقيت الأنا في الصدارة في المشهد، وهنا يتحد المتحضر والمتخلف، ويتفقان حول الفارق الكبير ما بين الأنا والـ (نحن). ومادام الأمر كذلك، فإن قافلة الموتى ستستمر، وما الأحياء إلا أفكار لم تنزل على الأرض بعد. الخط الفاصل ما بين الـ (أنا) والـ (نحن)هو الحب، وهو المعيار الحقيقي الذي يفصل ما بين الأناني وغيره، وطالما بقيت الأنا تنهش من جسد الجثث، فإنه الحب سيبقى في منطقة بعيدة عن وكر المجانين، الذين يحسبون أن الأنانية هي طريق المجد، وهو المنطق المقلوب، وهو الحق المسلوب، وهو اللغة التي لم تفك شفرتها، وهو المحيط الذي لم تلج عبابه سفن المسافرين إلى غايات أضيق من ثقب الإبرة.

المصدر :

صحيفة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل فعلاً نحن عقلاء هل فعلاً نحن عقلاء



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates