بقلم: سحر الجعارة
(ضعف الإدارة فساد، وعدم القدرة على العمل الجيد فساد، وضعف التعليم فساد، والإرادة السياسية الضعيفة أو المترددة فساد).. هكذا لخص الرئيس «عبدالفتاح السيسى» واقعنا المؤلم فى إجابته عن أسئلة المستثمرين بجلسة المائدة المستديرة بمنتدى الاستثمار فى إفريقيا 2019، وأضاف الرئيس: (الفساد هو تخريب للقدرات، فلو الإرادة السياسية الموجودة فى الدولة فعلا لديها قناعة حقيقية بأنها تواجهه، ستقوم ببذل كل الجهد المؤسسى لمحاربة الفساد).
المواجهة الحقيقية للفساد تبدأ بتشخيصه، ودون معرفة آليات الفساد وشبكة المصالح التى كونته وغذته وجعلته يتضخم خاصة فى القطاع الحكومى لن نتمكن من محاربته أو القضاء عليه.. والسؤال الآن: هل الفساد شخص؟.
نعم للأسف، الفساد «مواطن» يستغل موقعه فى مختلف مؤسسات الدولة ليخرب كل إمكانيات النهوض، ويضع مصلحته الخاصة مقابل «إفشال الدولة».. فالمدرس الذى يتعمد الإهمال فى تأدية واجبه نحو الطلبة ويبتزهم بالدروس الخصوصية «فاسد».. والطبيب الذى يتاجر بالأعضاء.. والمواطن الذى يحجز مقعدًا فى «القطاع العام» ويذهب ليوقع ثم يباشر عمله الآخر بِهِمّة فى القطاع الخاص «فاسد» يسرق أموال الدولة، تمامًا كالمرتشى الذى يفتح الدرج فى مختلف مواقع «خدمة المواطنين» ليختم الأوراق أو يوقعها.. الفساد «كائن حى» يتحرك بيننا وينشر منظومة الفساد من حوله ليحمى نفسه.
وكما قال مؤشر «المشروع الدولى للعدالة: حكم القانون» الصادر عن البنك الدولى لعام 2014.. فإنه (طبقا لبيانات المشروع الدولى للعدالة)، فإن المشكلة فى مصر ليست فى نقص التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد ولكن فى فشل الدولة فى إنفاذها.
ولهذا حدد الرئيس مواجهة الفساد أولًا فى: (إرادة القيادة السياسية وإرادة الدولة بألا تسمح لفاسد بأن يكون موجودًا، ولا تأتى بأشخاص غير قادرين على الإدارة والقيادة).. فالإرادة وحدها هى القادرة على تطبيق القانون بحزم وصرامة وعدم السماح بالإفلات من العدالة، وإيقاف نزيف المال العام، وتطفيش المستثمرين بالبلطجة، والابتزاز ووقف الأوراق عن عمد.
وكثيرًا ما تحدث الرئيس - فى مختلف اللقاءات - عن أن تقليل «العامل البشرى» جزء مهم فى مكافحة الفساد، وقد قال الرئيس: (نحن فى مصر لكى نجابه الفساد الحقيقى أدركنا ضرورة القفز بقوة فى موضوع الرقمنة، وقمنا بدعم المؤسسات التى تعمل فى مكافحة الفساد بشكل قوى)، وشدد على عدم السماح - أبدا - بوجود الفساد فى مصر، وأنه لا تدخل فى عمل مؤسسات مكافحة الفساد ولا القضاء فى التعامل معها.
ويعلم الرئيس جيدًا معاناة المواطنين من أخطاء فواتير الكهرباء، فضرب المثل قائلًا: (إذا كنا نريد إصلاح قطاع الكهرباء مثلًا فى مصر، فلابد من رقمنته فى أسرع وقت ممكن، ونسعى لأن يكون الموضوع بين متلقى الخدمة والشركة بشكل مباشر من جهاز بسيط وذكى). صحيح أن عملية «الرقمنة» مكلفة للغاية وتستغرق وقتًا طويلًا، إلا أنها أصبحت السبيل الوحيد لإحلال «كروت البنوك» وتفعيل منظومة سداد المستحقات المالية الحكومية إلكترونيًّا، بدلًا من «الكاش» الذى يفتح باب الشيطان.. ولكن للأسف كل المعاملات التى أعلنت الحكومة أنها أصبحت بالكروت البنكية لا تزال كما هى!!. فإن ذهبت مثلًا لاستصدار ترخيص سيارة أو تجديد رخصة القيادة، ستجد منظومة الفساد تحيط بك بنفس العبارات التقليدية: (الدرج مفتوح، مفيش فكة والله، هات الورق يا بيه أخلصهولك)!.
وحين تسأل: ألم تطبقوا التحصيل بالكروت الذكية؟!.. تأتيك ابتسامة ساخرة ولسان حال الموظف أو الساعى يقول: (هتروح مننا فين؟).
أنت إذًا محاصر - منذ ميلادك - بعنكبوت الجشع والاستغلال والابتزاز وعدم احترام القانون، ملاحق فى كل مكان من «خفافيش الفساد» فى المدرسة والمستشفى وحتى فى منزلك بفاتورة الكهرباء.. ملاحق حتى فى المسجد الذى يلقنك «الإرهاب» باعتباره «جهادًا».. فإن شئت أن تتخلص من الفساد وتكون طرفًا فى محاربته ما عليك إلا تحقيق التوازن المطلوب ليكون أمام كل موظف «مرتشٍ» موظف «شريف» يرفض رشوته.. وأمام كل مهمل فى عمله إنسان جاد ومخلص وأمين.. وأظن أنها عملية ليست مكلفة ولا تستغرق وقتًا.