تلك كنيسة تحتضن كنيسة

تلك كنيسة تحتضن كنيسة!

تلك كنيسة تحتضن كنيسة!

 صوت الإمارات -

تلك كنيسة تحتضن كنيسة

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

بعد ألف عام، سيكتبون سطوراً عن مفرقعات صوتية ونارية ألقاها مأفونون في كنيسة البشارة.. لكنهم، بعد ألف عام، سيؤلفون كتباً دسمة وفاخرة، عن معمارية هذه الكنيسة.
لكل كنيسة ومسجد ومعبد وكنيس أقدمياته في التاريخ، وربما درجة قداسته لدى طوائف شتّى من المؤمنين؛ وله، كذلك وبما لا يقل أهمية، تصنيفه المعماري، ودرجة جماليته الخارجية منها والداخلية، وأحياناً حجمه وضخامته.
لتلك الكنيسة في الناصرة مكانتها الدينية، التي تلي كنيسة وتتقدم أخرى. ليست قبة كنيسة البشارة تضاهي قباباً عديدة لكنيسة «القديس فاسيلي»، في «الساحة الحمراء» بموسكو، على مبعدة قليلة من أسوار الكرملين، وليست جدرانها الخارجية بالغة الزخرفة الثقيلة (نمط المعمارية القوطية) التي لكنيسة «نوتردام - دو – باري» الباريسية، ولا لأعمدتها الداخلية ضخامة أعمدة كنيسة «ويستمنستر» اللندنية.
.. وأخيراً، لن أقارن، تاريخياً وقداسياً، بين أهم ثلاث كنائس في فلسطين (المهد، القيامة، والبشارة). لكنني أنحاز، جمالياً لكنيسة البشارة، ذات المعمارية المتميزة، بما يمنح جوّانيتها رحابة كأنها سماء أرضية صغيرة.. ومنيرة، ليس بكثرة الشموع أو أضواء الثريات، لكن، وأولاً، بإضاءة طبيعية أيضاً (ضوء النهار Day Ligth).
يرفع قبتها العديد من الأعمدة الخرسانية «الحافية» من كل إضافة أو زخرف. أعمدة ترسم مع القبة زاوية منفرجة، مثل يدي المؤمن المبتهل، أما أيقوناتها العديدة على جدرانها، فهي هدايا من أربعة أركان الأرض، وموزعة توزيعاً متساوياً ومتسقاً.
لقد تم اختيارها بعناية وذوق رهيف من كنائس تنتشر من موسكو إلى حاضرة الفاتيكان، فإلى جنوب إفريقيا.. والفيلبين وأميركا.
قد يجد الباحث المعماري في معمارية كنيسة البشارة حقبة معمارية حديثة في بناء الكنائس في غير مكان، لكن، لا أدري عن كنيسة مثل كنيسة البشارة الحديثة، التي تحوي، في أسفل صحنها الداخلي، كنيسة البشارة القديمة والصغيرة، المتواضعة معمارياً وغير المتواضعة أبداً في تاريخيتها ومكانتها الدينية.
في صحن الكنيسة الداخلي، يسكنك سلام داخلي: الرحابة والجمال.. وتلك «الأخوية الإيمانية» التي تجسدها أيقونات جميلة من أربعة أركان الأرض.
يمنحك الصحن الخارجي الرحيب للمسجد الأموي بدمشق نوعاً من السكون، كما تمنحك الصور السياحية الشهيرة لمعمارية مسجد «تاج محل» في بلاد الهند سلاماً خارجياً، وانسجاماً مع الفضاء المفتوح.
أما مسجد قبة الصخرة في القدس الشريف، فلعله مكان عبادة نادر في جمعه الإحساس بالسلام الداخلي وبالسلام الخارجي، حيث الصحن الفسيح، أو ساحة الحرم، تعطي لتلك القبة المذهبة مجالها كأنها تختصر، وقت الغروب والشروق خاصة، قبةَ السماء من الأفق الى الأفق.
* * *
قبل أن يرحل بسنوات، حدثنا إميل حبيبي، في نقد ذاتي غير نادر لهذا الأديب والمناضل، كيف أنه وصحبه كانوا على غلط، عندما ناشدوا بابا الفاتيكان أن يوجه بعض الأموال المرصودة لكنيسة البشارة الجديدة إلى أمور رأوها أكثر نفعاً للناس.
تستحق الناصرة كنيسة حديثة، هي تحفة معمارية أيضاً، تحتضن تلك الكنيسة الحجرية الصغيرة. لماذا؟ إذا ذكرت دمشق ذكر مسجدها الأموي، فإن ذكرت القدس ذكر حرمها القدسي الشريف، وللقاهرة أزهرها، ولتونس جامع الزيتونة، ولروما الفاتيكان. تُعرف المدينة بصرحها المعماري أو بصرحها الديني.. أو بالاثنين معاً.
* * *
هل كان باروخ غولدشتاين عصابياً أو مأفوناً؟ ولكنه كان قاتلاً وسفاحاً في الحرم الإبراهيمي.
هل كان مايكل روهان مأفوناً أو مجنوناً؟.. ولكنه كان مخرباً ومعتدياً على المسجد الأقصى.
هل كان الياهو مصروعاً أو مجنوناً؟ ولكنه كان مجرماً في كنيسة البشارة.
.. وأيضاً، أولئك الذين يخوضون حروبهم المذهبية في أمكنة العبادة وضدها.
من لا يسكن السلام الداخلي روحه، عبثاً يحاول الانتقام من نفسه بالانتقام من سلام الآخرين مع أنفسهم ومع عباداتهم، ودور العبادة.
***
بعض المرضى يسطون على ما لا يستطيعون امتلاكه. وبعضهم الأكثر مرضاً يخربون ما يغارون على امتلاك الآخرين له.. وبعضهم من المصروعين يعالجون صرعهم بما هو أدهى، لأنهم يحقدون على سلام الآخرين مع أنفسهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلك كنيسة تحتضن كنيسة تلك كنيسة تحتضن كنيسة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates