الميت لا يسمع الرصاص الحيّ

الميت.. لا يسمع الرصاص الحيّ

الميت.. لا يسمع الرصاص الحيّ

 صوت الإمارات -

الميت لا يسمع الرصاص الحيّ

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

صعب حين يستوحش الإنسان ويتوحش، يذهب إلى آخر مدى الشر، وأقصى ما في النفس من مضغة سوداء، مثل أن ينبش قبراً أو يدفن إنساناً حيّاً أو يطلق على الأموات في رقدتهم الأخيرة رصاصه الحيّ، ولا تعرف لِمَ هذا الانتقام من القبور، ولمَ كل هذا الأذى الذي يقلق الأموات في سباتهم بين يدي خالقهم. من أوكل هؤلاء الأوغاد أن يتطوعوا ليكونوا جُند الله، ويأتوا بأفعال تغضب الله، لا أحد في كل بقاع العالم يريد لأمواته أن تدنس قبورهم، وهو الذي يرطبها برش الماء البارد أو يضع زهوراً ملونة عند شواهدها، ثمة أمور في الحياة لها قدسيتها وطُهرها ولا تمس، مثل المقابر، ولو كانت وسط حرب خصوم لا تنتهي، وأحياناً كثيرة يتخذ المحاربون استراحة، وهدنة لكي يدفنوا موتاهم، ويقدموا لهم الاحترام والتبجيل، حتى أن بعض الأعداء يتنازلون عن حق الخصومة أمام قدسية موت الخصم، وشجاعته، فيرفعون أيديهم له بتحية وداع عسكرية أو يحترمون خصومته وبسالته، ويودعونه بجنازة تليق به أو أقلها شاهد على قبره يذكّر الناس به، ثمة هيبة ورهبة للموت، يصعب على الإنسان العاقل أن يستهتر به، لذا بعض التقاليد الجميلة في حضارة الإنسان الممتدة أوجدت طرقاً كثيرة للتعبير عن مهابة الموت، ورقدة البشر في المأوى الأخير، وكانت هناك بدائل لذلك الخلود الذي ظل الإنسان يبحث عنه، مثل عشبة «كلكامش» أو محاربة طواحين الهواء من قبل «ثيرفانيس» أو حمل «صخرة سيزيف» والصعود بها إلى أعالي الجبل أو مدافن الفراعنة أو التماثيل الإغريقية أو التناسخ الروحي أو تمجيد الأسلاف ورمادهم أو هبة الجثث إلى مياه الأنهار المندفعة إلى المدى البعيد، وحدها النسور الهرمة والمعمرة تفضل نهايتها الواقعية، فتطير طيرانها النهائي من أعلى القمم الجبلية، ثم تكتف أجنحتها الأسطورية لتهوي في قاع واد لا يعرف قراره، وهي أجزاء مبعثرة ومتناثرة، فمثلها يعرف يقيناً كيف يقتات أحد على جثتك المتورمة.
مسألة أن تودعك كتيبتك العسكرية بطلقات تحية لك ولخدمتك، أمر في غاية النُبل، والتحضر، ولا أدري إن كان مبتكرها قد وجد مثل تلك التحية العسكرية المهابة التي تليق به، ولمَ هي 21 طلقة، وفي أميركا 19 طلقة، وفي كندا 17 طلقة، غير أن البدايات دائماً ما كانت تأتي من البحرية الملكية البريطانية ذات الإرث الاستعماري الممتد في إمبراطورية لا تغيب الشمس عن أراضيها، فكانت تطلق 7 طلقات، لترد عليها القوات المتمركزة على الساحل عن كل طلقة بثلاث طلقات، فيصبح مجموعها 21 طلقة فصارت تقليداً عالمياً، وقد كان لملك تلك الإمبراطورية العظمى 101 طلقة، وملوك دول الكومنولث التابعة لها 21 طلقة فقط، كانت في سابق الأيام تطلق الطلقات تحية للأموات والجنائز الذاهبة في توابيتها نحو تلك الحفر الترابية، كآخر مجد يتبعهم، غير أن البعض اليوم، من أشرار الوقت، يريدون أن يقلقوا مسامع الأموات بطلقات من رصاصهم الحيّ!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الميت لا يسمع الرصاص الحيّ الميت لا يسمع الرصاص الحيّ



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"

GMT 04:38 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

خدع بسيطة لتحصلي على عيون براقّة تبدو أوسع

GMT 01:20 2013 الأحد ,21 إبريل / نيسان

دومينو الـ10 ألاف "آيفون 5 إس" الجديد

GMT 01:14 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الإقامة الفاخرة في جزيرة جيكيل الأميركية

GMT 20:41 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إريكسون يؤكد أن ساوبر أنقذت نفسها من موسم "كارثي" في 2017

GMT 10:32 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

دلال عبد العزيز تكشف عن تفاصيل دورها في "سوق الجمعة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates