تذكرة وحقيبة سفر  1

تذكرة.. وحقيبة سفر - 1

تذكرة.. وحقيبة سفر - 1

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر  1

بقلم - ناصر الظاهري


المطر في المدن، سفر آخر لعشاق الماء، وعشاق المدن، لذا لا نتقي من مطر المدن، وليباغتنا كيفما جاء، المهم إن حضر فسيحرك كل الأشياء الساكنة، بما فيها تلك التي تتهادى في النفس، مطر المدن وجع آخر، فرح آخر، وسفر مبتل بأوراق الحب والحنين، آه.. لو يتذكر الإنسان متى عرف أول مرة قطرات المطر، وما كان شعور جس النّفاف الأول.
ستنبرئ ذاكرة الطفولة، وأول الوعي، وكيف تعرف الواحد منّا على هذا الحب، وهذا التطهر، وتلك الرائحة التي تسكن الأنف إلى الأبد، أول المطر.. أول الطفولة، لذا حينما ينهمر مطر بزخّات متتابعة أو ترسل السحب المثقلة رذاذها المتقطع تظهر الطفولة ببراءتها، وتظهر ذاكرتها الطريّة، ويتجلى مشهد المنزل الأول، حيث كان البصر والبصيرة شاهدين وحيدين على سمو المشهد، وفرح هدايا السماء، وتلك الطمأنينة والسكون اللذان يلفان النفس والأشياء.
يشهد الإنسان المطر في أماكن كثيرة، لكنه لا يحب أن يتذكر إلا ما يسم ذاكرته بطيف عاشق، وضحكة تخبئ العافية، ومسرّة القلب، أو ما خالج النفس من دمعة كانت تترقرق باردة في أطراف العين، يشهد الإنسان المطر في ليل، وفجر، ونهار، لكن بعض الأوقات فقط تعطره. 
اليوم أشياء كثيرة تذكرنا بمطر المدن.. وأشياء كثيرة يجلبها معه المطر، وأشياء إن حضرت كان المطر يسبقها، منذ توحل القدمين في طفولة حافية، الركض خلف خيوط الماء والسيل وهو يجري، وما يجرّه معه من أوراق شجر ساقطة، اللعب على كثبان الرمل المرتوية، البيوت التي نشيدها بالأحلام الصغيرة، التقاذف بكور الرمل، والحفر تتبعاً لسَرَب «الفقيشي»، أشياء من طفولة حينما كان المطر يبات يصبّ صبيباً، كيف كانت بيوت الطين لا تقاوم أو تلك العرشان من سعف النخل وجذوعه، لكنها تبقى بسواعد الناس، وتعاونهم، وذلك النداء الذي لا يتخلف عنه أحد، وحينما كانت الوديان تُطّبِل، وتجري كان الناس يتقونها بمعاريض وحفر، وما يمكن أن يساعد، سالكين بتلك المياه المنحدرة من «الداودي» طريقاً بعيداً عن بيوت تجاور النخل.. تلك العين هي المدينة الأولى، حيث بدأت قصة المطر.
بعدها مدن وحينما يأتي المطر، تحضر الأغنيات، وتحضر قصص دافئة بين الضلوع، تحضر أماسي في زوايا مطاعم كان زجاجها يشع بالرذاذ، وقطرات البلور، يمكن أن تحضر فيروز وخوفها على «العلّية والقرميد الأحمر»، يمكن أن تحضر رحلات جميلة كانت للبر، حيث أنس الأهل، وقهوة المزيون، وما ركّب على الأثافي، وما أوقد تحتها من مرخ سمر يابس، حيث للطعام أنفاس البرّية الأولى، وترنيمات الرعي، وتعب المسير خلف أنعام، وخلف خطوات بنت العم والخال، قد تحضر وجوه بعينها تدق بابك، والمطر يطرق نافذتك، قد تغتسل ذلك اليوم، وتحل سكينة من نوع آخر في قفص الصدر، مطر.. لا نعرف سره، وسر ما يفعله بنا؟ ولما حينما يأتي، لا يأتي وحيداً؟ ونكمل..

المصدر :

صحيفة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر  1 تذكرة وحقيبة سفر  1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates