على الرغم من تحذير تقارير اقتصادية دولية من الآثار السلبية للانخفاض الحالي في أسعار النفط على الاقتصادات الوطنية لمنتجي ومصدري النفط على المدى القصير والمتوسط، إلا أن الاجتماع المرتقب لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في منتصف أبريل المقبل بالدوحة، لمناقشة خطة لتجميد مستويات الإنتاج سعيا لدعم الأسعار، من شأنه أن يفتح أفاقا مستقبلية لعودة الارتفاع التدريجي لأسعار النفط.
وقد أبدت دول أخرى منتجة للنفط خارج منظمة أوبك استعدادها لتخفيض إنتاجها النفطي من أجل المساهمة في تقليص الإنتاج حتى تتحسن الأسعار، إذ أعلن وزير النفط والغاز العماني محمد الرمحي عن استعداد سلطنة عمان لخفض إنتاج النفط في حال اتفقت الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على تخفيض إنتاجه للحد من ارتفاع الأسعار، مؤكدا أن مبادرة عمان لخفض الإنتاج بنسبة تتراوح بين 5 و 10 % جادة لتحقيق السعر العادل لبرميل النفط، وقد لاقت المبادرة ترحيبا واسعا من دول مصدرة للنفط.
عوامل للتفاؤل
يمكن القول إنه في ظل هذا الاجتماع المرتقب لمنظمة أوبك واستعداد الدول الأخرى لتخفيض الإنتاج، فإن ثمة توقعات بعودة الارتفاع التدريجي لأسعار النفط مستقبلا، في ضوء عوامل عديدة أهمها ما يلي:
أولا: أن إنتاج النفط الجديد (الصخري في الولايات المتحدة، والرملي في كندا) لن يستطيع المنافسة والاستمرار في الأجل الطويل في ظل المستويات الراهنة لأسعار النفط، فقد أدى انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية إلى توجيه ضربة قاصمة للنفط الصخري؛ وذلك لمجموعة أسباب منها: ارتفاع تكلفة إنتاج النفط الصخري مقارنة بنفط أوبك التقليدي، وانخفاض عدد الحفارات التي تعمل في هذا المجال، وارتفاع ديون شركات النفط الصخري.
وقد أكدت إحدى التقارير الاقتصادية الآسيوية أنه سيكون المنتجون ذوو التكاليف العالية أول من سيتأثر سلبا بانخفاض أسعار النفط وخفض الإنتاج، وهو ما تحقق بالفعل فقد انخفض إنتاج آبار النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، وانخفض أيضا الحفر بمعدل ملحوظ بلغ من60% إلى 70% منذ أكتوبر الماضي. بالإضافة إلى ذلك، خفضت أعداد كبيرة من الشركات المنتجة في الولايات المتحدة حجم استثماراتها في شركات النفط الصخري.
علاوة على ما سبق، فإن الأضرار البيئية المترتبة على التوسع في إنتاج النفط الصخري، أثارت قلق المجتمع الدولي بسبب اعتماد هذه المصادر على التكسير الهيدروليكي؛ لأن له العديد من التأثيرات السلبية على الأراضي والموارد المائية، ونوعية الهواء وكذلك المجتمعات السكانية وملاك الأراضي.
وهذه المضار البيئية دفعت بعدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا إلى حظر إنتاج النفط الصخري تحت ضغط جمعيات حماية البيئة، لكن الخطر الأكبر يأتي من تشجع النشاط الزلزالي في المناطق التي يستخرج منها النفط الصخري. بالإضافة إلى تزايد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وزيادة تلوث المصادر المائية وانبعاث غاز الميثان.
وفي هذه المرحلة المفصلية .. يقف العالم على أعتاب تطور مثير في إنتاج الطاقة، وذلك بفضل التطور التكنولوجي، فإذا ما تمكنت البلدان المتقدمة من حسم مواقفها مع المنظمات المدافعة عن البيئة، فإن التأثيرات في صناعة الطاقة ستكون كبيرة، أما في حالة ما تمكنت هذه المنظمات من عرقلة عملية التوسعات الإنتاجية، فإن النفط التقليدي سيعاود مكانته وترتفع أسعاره مرة أخرى.
والواضح أن منظمات أنصار البيئة أصبحت رقما انتخابيا مؤثرا في البلدان الأوروبية لا يمكن تجاهله، وذلك بعد أن أصبحت طرفا رئيسيا في التشكيلات الحكومية في العديد من البلدان الأوروبية، فمواقف المؤيدين والمعارضين لإنتاج النفط والغاز الصخريين ستكون معقدة وطويلة على مستقبل إنتاج الغاز والنفط الصخريين وتأثيراتهما على الإمدادات والأسعار، أو كما يقول وزير الطاقة الأمريكي من أنهما سيغيران شكل تجارة الطاقة، وسيولدان تداعيات جيو- سياسية.
ثانيا: أن الاجتماع المرتقب لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في منتصف أبريل المقبل بالدوحة، لمناقشة خطة لتجميد مستويات الإنتاج سعيا لدعم الأسعار، يمكن أن تتبعه مفاوضات غير معلنة لتنسيق إنتاج النفط، وهو الأمر الذي يمكن أن ينتهي لاتفاق عادل للتنسيق.
ثالثا: تشير التوقعات والدراسات الاقتصادية المستقبلية إلى أن الاقتصاد العالمي سيخرج من مرحلة التباطؤ بعد الأزمة العالمية لعام 2008، إذ أنه بعد مرور نحو 8 سنوات منذ الأزمة، بدأت بعض الشواهد، خاصة في الولايات المتحدة، تشير إلى تزايد احتمالات الخروج من هذه المرحلة، وهو الأمر الذي يمكن أن يسهم في عودة أسعار النفط للارتفاع بصورة معتدلة.
رابعا: أنه سيكون للتقدم التقني في مجالات مثل السيارات الكهربائية، وفي رفع كفاءة وتخفيض تكاليف إنتاج بدائل الطاقة الأحفورية آثار ملموسة على تحرك أسعار النفط خلال السنوات القادمة، باعتبار أن التغير في العوامل المؤثرة على جانبي العرض والطلب في سوق النفط لا يزال في تطور مستمر.
ويبقى في النهاية تأكيد خبراء الاقتصاد أن النفط العربي التقليدي ونفط أوبك سيبقى بعيدا عن تهديد النفط الصخري، ولن تشكل التطورات الجديدة في إنتاج النفط الصخري نهاية دور نفط الدول العربية في صناعة النفط العالمية، وستعاود أسعار النفط ارتفاعها تدريجيا في المستقبل المنظور القريب.