الإسكندرية ـ أحمد خالد
في ميدان المنشية الفسيح والأشهر في مدينة الإسكندرية، ووسط صخب الباعة الجائلين الذين يملئون الشارع تطل لافتة صغيرة لا تكاد أن تتبين معالمها من كثر زحام اللافتات والمارة مكتوب عليها "جمعية الرابطة الأخوية لرعاية الصم والبكم في الإسكندرية".
وفي أحد البنايات القديمة في الميدان، يجلس مدير الجمعية، سعيد محمد حسن، برفقة عدد من ذوي الإعاقة السمعية، بينما في الغرفة المجاورة ينهمك "يحيي" في عمله جالسًا علي ماكينة صغيرة لنقش الخشب، فيما يبدو أنه يقوم بتصنيع فانوس وبجواره نحو خمسة سيدات منشغلات أيضًا بتصنيع مشغولات يدوية يتبادلن النظرات الباسمة.
مقر الجمعية، شقة، تبدو عليها علامات الشيخوخة وأساساتها تبدو قديمة متهالكة، بمجرد دخولك تستطيع أن تري جميع محتوياتها البسيطة.
ترافقني سيدة خمسينية، تدعي، سناء الشيخ صاغة، الابتسامة لا تفارق وجهها البشوش، سورية الجنسية، تستطيع أن تكتشف ذلك بسهولة من لهجتها وكذلك من ملامحها الشامية، تعمل كمترجمة لـ "لغة الإشارة" داخل الجمعية، جاءت من سوريا، دمشق، هربًا من بطش نظام "الأسد"، تعمل في الأساس محامية حقوقية لشؤون ذوي الإعاقة، ومترجمة "لغة الإشارة"،تعمل في الجمعية نظرًا لخبرتها في هذا المجال، مشيرةً إلي وجود بعض السوريين ذوي الإعاقة قد انتسبوا للجمعية للاستفادة من خدماتها.
أتجول داخل الجمعية ويتحرك نحو "يحيي"، أراقبه عن قرب، أسال "سناء"، السورية، هل من الممكن أن أتحدث اليه؟ ترد مسرعة نعم بالتأكيد ..
يرمقني بنظرة باسمة ثم يقوم فيصافحني ويخرج "بطاقة هويته "، الاسم:يحيي سعد، المهنة:أمين مدرسة "الأمل للصم والبكم" .
يبدأ حديثة ببعض التمتمات التي حاولت قدر المستطاع أن أتبين معانيها، ترد "سناء " يخبرك أنه يأتي مقر الجمعية منذ أن كان في سن الـ 15، وتعلم هنا حرفة النقش علي الخشب، يجلس يوميا قرابة الـ 7 ساعات، وبعد أن ينتهي من عمله في المدرسة يتجه إلي الجمعية حتى الثامنة مساء.
يتحرك "يحيي" في الغرفة مشيرًا بيده إلي إحدى اللوحات الخشبية المدون عليها "لا إله إلا الله"، في إشارة منه إلي أنها إحدى منتجاته في الجمعية. شاعرًا بالسعادة الغامرة بعد أن تغلب علي إعاقته بإتقانه لإحدى الحرف التي لا يجيدها الكثيرون.
بالرغم من الإمكانات القليلة، إلا أن الأجواء داخل الجميع توحي بالسعادة، فهم لا يعتمدون في الأساس علي الإنفاق ببذخ، محتويات الجمعية كافة تستطيع حصرها في نظرة واحدة، "ماكينة خياطة، بعض الأدوات الصغيرة والمشغولات اليدوية، ماكينة نقش، ثلاثة أجهزة كمبيوتر".
يدخل، سعيد محمد حسن، مدير الجمعية، لديه إعاقة سمعية ويتحدث بصعوبة، وتحاول " سناء" توصيل ما يريد أن يقوله.
يقول، محمد، أن "جمعية رابطة الأخوة للصم والبكم" في الإسكندرية من أقدم الجمعيات التي تهدف لرعاية ذوي الإعاقة السمعية في مصر كلها حيث يرجع تاريخ إنشائها إلي عام 1958.
ويضيف " أن أنشطة الجمعية كثيرة ومتنوعة بالرغم من قلة الإمكانات المتاحة "، لافتًا إلي وجود عدة أقسام لتعليم الخياطة، ودورات لتعليم الإشارة، والنقش علي الأخشاب، و تعليم الكمبيوتر بالإضافة إلي بعض المساعدات الأخرى لذوي الإعاقة كالمساعدة في الزواج والعلاج وشنط "رمضان" لغير القادرين.
يصحبني، محمد، في جولة داخل الجمعية، ثم يخرج من درج مكتبه أوراق قديمة وقصاصات جرائد، عبارة عن دعوات لحفلات قديمة كان تقام كدعم للجمعية، كان يحييها كبار الفنانين علي الساحة الغنائية علي مدار القرن الماضي منهم الفنان عبد الحليم حافظ والفنانة صباح.
يشتكي مدير الجمعة ،من نقص الإمكانات التي تقوم عليها الجمعية، خاصة وأنها تقوم برعاية نحو 700 شخصًا، مشيرًا إلي عدم وجود أموال كافية لإقامة مشروعات تخدم الأعضاء أو حتى دعاية كافية لتلقي التبرعات.
ويوضح أن الجمعية تشارك بمنتجاتها في المعارض وتسوق لها، إلا أن العائد المادي أيضًا لا يكفي لسد الحاجات، مبينًا أن نصف إيراد المنتجات يذهب للجمعية والنصف الآخر لصاحب الحرفة الذي يقوم بتصنيعها.
بالمصادفة كانت حنان محسن، "مدير الاتحاد المصري للصم والبكم"، في زيارة إلي لجمعية، هي أيضًا اشتكت من تجاهل الدولة لذوي الإعاقات وكأنهم "وقعوا من ظهر القفة" علي حد تعبيرها.
فلديها القدرة علي التحدث بالمقارنة بالآخرين، وبدأت في سرد معاناتهم وإهمالهم سواء من الدولة والحكومة أو من مؤسسات المجتمع المدني، قائلةً أنهم سعوا إلي تدشين "الاتحاد العام للصم والبكم" علي مستوي الجمهورية لتوحيد مطالبهم ولمواجهة المشاكل التي تواجههم مع المسؤولين.
وتشير إلي أن مصر وقعت علي اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولم تقم بتطبيق هذه الاتفاقية علي ارض الواقع ووضعت بنودها في الأدراج، موضحةً أنهم قاموا بإنشاء المجلس القومي لشئون ذوي الإعاقة وتم تعيين أوصياء علي المعاقين قاموا بنهب حقوقهم، وطالبت بإلغاء المجلس، علي أن يتم إنشاء كيان خاص بالمعاقين، يقومون هم بإداراته ويصبحوا مسؤولين عن أنفسهم، علي أن يطبقوا بنود اتفاقية الأمم المتحدة، وتابعين مباشرة لمجلس الوزراء.
وواصلت حديثها عن المشاكل التي تواجه ذوي الإعاقة السمعية في مصر قائلةً "عدد المعاقين في مصر يصل إلي 5 مليون شخصًا، ولا نجد دور حقيقي للدولة تجاههم، فكل ما نسمعه في الإعلام عن تعيين نسبة منهم في الوظائف مجرد وهم".
وتضيف "نحتاج إلي نظرة حقيقية من المسؤولين في الدولة إلينا "، في إشارة إلي قدرتهم علي تحدي الصعاب والإنتاج بالرغم من الظروف التي فرضت عليهم .
أرسل تعليقك