أعلنت الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال سورية عن إقليم جديد يضم بلدة على الحدود مع تركيا كانت قوات حماية الشعب الكردي انتزعتها من تنظيم داعش" في حزيران/ يونيو الماضي.
وسيطرت قوات حماية الشعب على بلدة تل أبيض بدعم من ضربات جوية تقودها الولايات المتحدة الأميركية، والإقليم الإداري الجديد الذي يطلق عليه "كانتون" هو الرابع الذي تعلنه الإدارة الكردية في شمال سورية.
وأوضح المسؤول الإعلامي في الإدارة التي يقودها الأكراد دليل عثمان، أنَّه تم الإعلان رسميا عن "كانتون" جديد، علمًا أنَّ الأكراد في شمال سورية يسيطرون الآن على شريط متواصل طوله 400 كيلومتر من الحدود التركية وهو ما يجعلهم في وضع يمكنهم فيه المساعدة في تأمين منطقة تقول الولايات المتحدة إنه يجب بذل المزيد من الجهد فيها لمنع تدفق المقاتلين الذين ينضمون إلى تنظيم "داعش".
ووصفت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، هذا بأنه تقدم مهم قد يقطع الإمدادات عن مدينة الرقة ويمنع تدفق المقاتلين الأجانب.
وصرَّح المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ستيف وارين، بأنَّ قوات تنظيم "داعش" "تصدعت" فيما يبدو في تل أبيض وبدت غير مستعدة لمواجهة القوات الكردية، وكانت القوات التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية تقدمت واستولت على تل أبيض في ثلاثة أيام.
والنفوذ المتزايد للأكراد ليس مبعث ارتياح لتركيا التي تشعر بالقلق من خطر المشاعر الانفصالية بين الأكراد من مواطنيها، وترى أنقرة التأثير المتزايد للأكراد خطرا محتملا على حدودها وأن وحدات حماية الشعب ليست أكثر من فرع منبثق عن حزب العمال الكردستاني الذي شن حربا دامت عقودا من أجل حقوق الأكراد في تركيا. واتهم الرئيس طيب أردوغان الغرب الأسبوع الماضي بمساعدة "الإرهابيين".
ولكن الولايات المتحدة لا تمانع فيما يبدو الآن في إغضاب حليفتها في حلف شمال الأطلسي لتعزيز هدف رد مقاتلي "داعش" على أعقابهم في النصف السوري من دولة الخلافة التي أعلنوا قيامها.
ونظرًا إلى أن مدينة الرقة لا تبعد سوى 80 كيلومترا إلى الجنوب فإن بعض المحللين يتساءلون هل من المحتمل أن تذهب واشنطن إلى مدى أبعد بتسليح وحدات حماية الشعب الكردية لمساعدتها على شن حرب في عمق الأراضي التي تسيطر عليها "داعش" ومنع التسلل عبر الحدود.
وتشن الولايات المتحدة وحلفاؤها غارات جوية على مواقع "داعش" في سورية والعراق ويساند التحالف الحكومة في بغداد؛ لكنه يتخذ موقفا معاديا للحكومة في دمشق الأمر الذي لا يدع لها حلفاء على الأرض في سورية.
ولكن على الرغم من أن ذلك يعني أن وحدات حماية الشعب الكردية هي حتى الآن الشريك الوحيد المؤثر للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية فإنهم يقولون إن طلباتهم لتزويدهم بالسلاح لم يتم تلبيتها حتى الآن.
وسواء حصلوا على أسلحة جديدة أو لم يحصلوا فإن الدور المتنامي لوحدات حماية الشعب الكردية سيؤدي حتما إلى تعزيز مكانتها الدولية وتأثيرها على أي نتيجة نهائية للحرب السورية.
وذكر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي في الولايات المتحدة هنري باركي، "إنه يمنح الأكراد شرعية ويعزز موقفهم التفاوضي"، وأكراد سورية جزء من أمة كردية تنتشر في أنحاء سورية وتركيا وإيران والعراق وهم واحدة من أكبر الجماعات العرقية في العالم التي ليس لها دولة.
ومع مقدم الانتفاضة السورية في عام 2011، قام أكراد سورية بتشكيل إدارة خاصة بهم في ثلاث مناطق منفصلة من شمال سورية والتنسيق مع دمشق للتوسع في المناطق التي تراجع فيها نفوذ الدولة. ويعني الاستيلاء على تل أبيض أن اثنتين من تلك المناطق أصبحتا الآن مترابطتين جغرافيا.
ويقول أكراد سورية إنهم لا يطمحون إلى إنشاء دولة مستقلة لكنهم يرون أن نموذجهم للحكم الذاتي الإقليمي قد يكون الأساس لتسوية في نهاية الأمر للحرب التي دخلت الآن عامها الخامس.
وكان الرئيس التركي أردوغان اتهم أكراد سورية بطرد السكان العرب والتركمان من بعض المناطق التي يسيطرون عليها وشكا بعض اللاجئين العرب الذين فروا من المنطقة من التعرض لمعاملة سيئة، وتنفي وحدات حماية الشعب الكردية اتهامات ارتكابها أعمال تطهير عرقي.
ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا إنه لا يوجد دليل على وقوع انتهاكات منتظمة على أيدي وحدات حماية الشعب.
وأفاد المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية ريدور خليل، بأنَّ وحدات الحماية تشعر بالثقة في قدرتها على تأمين مناطق جديدة من الحدود قرب مدينة تل أبيض، ونجحت الإدارة الكردية في الشمال الشرقي من قبل في تأمين أجزاء كبيرة من حدود سورية منذ أوائل الأزمة.
وتابع خليل: "نحن ملتزمون بحماية هذه الحدود لأننا بهذا نحمي وجودنا. ويجب مساندتنا بالسلاح والعتاد لأن وحدات حماية الشعب أثبتت فعاليتها في طرد "داعش" أكثر من أي قوة أخرى".
ووحدت القوات الكردية والولايات المتحدة قواتهما للمرة الأولى العام الماضي لصد هجوم لمقاتلي "داعش" على مدينة كوباني (عين العرب)، واشتدت روابط هذا التعاون منذ ذلك الحين.
واستطاعت وحدات حماية الشعب بمساعدة الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة طرد مقاتلي تنظيم "داعش" من مساحات كبيرة من محافظة الحسكة في شمال شرق سورية وهي منطقة مهمة في جهود محاربة "داعش" لأنها تتاخم مناطق يسيطر عليها التنظيم في العراق.
وقال المتحدث باسم البنتاجون إن الانتصار في تل أبيض هو "مثال يحتذي به لدمج القوة الجوية -القوة الجوية المدمرة- مع قوات برية محنكة مدربة وقادرة"، وأضاف المتحدث: "في هذه الحالة وهنا في هذا الموقع نشهد قوات تنظيم "داعش" تتصدع ولا تريد القتال أو مواجهة القوة التي يواجهونها."
غير أن الأكراد السوريين يشكون من أن المساندة التي يقدمها الغرب لا تزال أقل كثيرا مما حصل عليه أبناء عمومتهم من أكراد العراق.
وقال باركي الأستاذ في جامعة ليهاي: "إذا اتخذ قرار بالضغط على الرقة مركز "داعش" فإنني أتصور في هذا السيناريو حصول وحدات حماية الشعب على مزيد من الأسلحة من الولايات المتحدة".
وأضاف: "مع أن تلك اللحظة تبدو بعيدة فإن مسؤولين أميركيين يقومون على الأرجح بالتخطيط استعدادا لمثل هذه الطوارئ، مستدركا: "في نظري هذه هي الخطوة المنطقية التالي ومع أن مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية أثبتوا فعاليتهم في مقاتلة "داعش" في المناطق الكردية فإنه لا تزال هناك تساؤلات بشأن المستوى الذي سيكون عليه أداء هذه الوحدات في الأجزاء العربية من سورية".
وكان هجومهم على تل أبيض - وهي منطقة مختلطة عرقيا - قد لاقى مساعدة من جماعات صغيرة للمعارضة العربية السورية تشكل جزءا من المعارضة ذات التوجه العلماني للرئيس بشار الأسد.
وفي محافظة الحسكة ما زال أكراد سورية يشتركون مع الحكومة السورية في السيطرة على مدينتين، وقد ترك كل طرف منهما الآخر وشأنه إلى حد كبير.
ومهما يكن من أمر فإنه بدت علامات على توترات في هذه العلاقة، وقد أثار تحالف الأكراد مع واشنطن شكوكا في دمشق بوجود مؤامرة لتفكيك سورية بينما غضب الأكراد مما يرون أنه محاولات الحكومة لاستعادة ما فقدته من نفوذ في المنطقة.
وتفجرت التوترات بين الحكومة السورية وقوات الأمن الكردية في مدينة القامشلي الليلة الماضية، وقال المرصد السوري ومسؤول كردي بأنَّ أعيرة نارية أطلقت ولكن لم يصب أحد بسوء، فيما قال ناصر حاج منصور وهو مسؤول كردي في الشمال الشرقي: "ستضعف القوات الحكومية بمرور الوقت ولا أتصور أن تتمكن من تقوية وضعها".
أرسل تعليقك