اعترف الرئيس الأميركي باراك أوباما بالإخفاق الذريع لبرنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية، رافضًا الاتهامات القوية التي وجهت له بشأن عدم قدرته على مواجهة "التحدي" الذي تمثله سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، وتحديدًا في سورية عقب تدخله العسكري فيها.
ووجد أوباما نفسه في وضع دفاعي وهو يرد على الاتهامات القوية التي عدّدها الصحافي ستيف كروفت في مقابلة اتسمت بالحدة أجراها مع الرئيس أوباما لبرنامج "ستون دقيقة" المشهور لشبكة "سي بي أس" وبثت في وقت متقدم الأحد.
وقاطع كل من أوباما وكروفت بعضهما البعض مرارًا في المقابلة الحامية وخصوصًا عند مقارنة مفهوم القيادة لكل من بوتين وأوباما. وجوابًا على سؤال في شأن إخفاق أميركا وحلفائها بتوجيه ضربة قوية ضد "داعش" بعد سنة من الحملة الجوية، وأن ما تغيّر فعلًا هو فقط ازدياد عدد الضحايا واللاجئين، واعترف أوباما أن الائتلاف لم يستطع تغيير "الديناميات داخل سورية" وأنه لم يكن متوهمًا أبدًا أن الخيار العسكري لوحده سوف يحل الأزمة في سوريا، لكنه رفض الطرح القائل بأن هناك الآن "تعادلًا" بين الائتلاف الدولي و"داعش". وقال إنه "مع مرور الوقت فإن المجتمع الدولي سوف يتخلص منهم بقيادتنا" . وأضاف أن ذلك لن يكون ممكنًا إلا إذا توافر المناخ الملائم في سوريا والعراق حين قيام السكان المحليين وخصوصًا السنّة بالتعاون للتخلص من التنظيم المتشدد.
وحول إخفاق برنامج تدريب وتسليح المعارضة التي أشرفت عليه وزارة الدفاع، (والذي علق أخيرًا)، حاول أوباما التملص من هذه المسؤولية قائلًا :" لهذا كنت أشكك منذ البداية بمفهوم خلق جيش بالوكالة داخل سوريا، وكان هدفي هو امتحان هذه الفرضية... وما تعلمناه هو أنه طالما بقي الأسد في السلطة فإنه من الصعب العثور على أشخاص يركزون اهتمامهم على داعش". وهنا قاطعه كروفت " إذا كنت تشكك في البرنامج، لماذا وافقت عليه". ورد أوباما " لأن جزءًا مما أردنا أن نفعله هو تجربة أشياء مختلفة، وأيضًا لأنه لدينا شركاء على الأرض لهم مصلحة في التوصل إلى حل لهذه المشكلة و .." ليقاطعه الإعلامي كروفت " وهم أرادوا أن تفعل ذلك؟" . أوباما " كلا، أنا لم أقل ذلك. أعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا أن نتأكد من استكشاف الخيارات المختلفة..."
وحين سئل أوباما أن الإخفاق الذريع لبرنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية الذي نتج عنه 4 أو 5 مقاتلين هو أمر "محرج" لأميركا، قال أوباما :" أنظر، لا شك أن البرنامج لم ينجح". وأضاف أن أحد التحديات في هذا السياق هو إصرار البعض على إرسال المزيد من العتاد، وعندما يفشل مثل هذا الخيار، يقولون كان يجب أن تصل المساعدات في وقت أبكر..." ستيف كروفت مقاطعًا " ولكنك قلت بنفسك أنك لم تؤمن أبدًا به". ورد أوباما " ولكن يا ستيف في وضع مضطرب وينشط فيه عدد كبير من اللاعبين في سوريا لا توجد هناك رصاصة سحرية، و لهذا كنت واضحًا جدًا بأن أولويات أميركا يجب أن تكون أولًا، إبقاء الشعب الأميركي آمنًا، وثانيًا أن نكون مستعدين للعمل ديبلوماسيًا ولدعم المعارضة المعتدلة من أجل أن نقنع الروس والإيرانيين بوضع الضغوط على الأسد للقبول بعملية انتقالية..." وتابع أوباما " وما لا نريد أن نفعله هو أن نزج بأنفسنا في حملة عسكرية، وحين انتقل أوباما بسرعة للحديث عن أفغانستان، قاطعه كروفت قائلًا إنه يشعر أن أوباما يحاول الإطالة بالكلام عن مسائل غير ذات صلة، رد أوباما مستهجنًا وردد كلمة "لا" خمس مرات وقال محتجًا أن أسئلة "وتصريحات" ستيف كروفت كانت طويلة أيضًا. وحين قال أوباما إن الناس يتوقعون أن تحل الأزمة السورية بسرعة، قال له كروفت إنه لم يقل أحد ذلك.
ووصل السجال بين الإعلامي والرئيس إلى أقصى ذروته خلال الحديث عن تحدي بوتين لأوباما، الإعلامي كروفت ذّكر أوباما أنه قال قبل سنة خلال التوتر بين موسكو وواشنطن في شأن أوكرانيا أنه لا بديل من القيادة الأميركية في العالم، ولكن بوتين الآن يتحدى أميركا في سوريا. ورد أوباما "كيف، دعنا نفكر بذلك" ورد كروفت مشيرًا إلى نشر القوات الروسية في سوريا حيث تقوم بعمليات عسكرية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية (الواقع هو أن الطيران الروسي قام بعمليات جوية في محيط قناة السويس خلال حرب الاستنزاف التي سبقت حرب تشرين 1973). ورد أوباما بانزعاج واضح " وهل هذه قيادة؟" وأشار إلى أن بوتين مضطر الآن لإرسال قوات عسكرية لإبقاء الأسد في السلطة. " ورد كروفت مقاطعًا " ولكنه يتحدى قيادتك..." ورد أوباما بإحباط " إذا كنت تعتقد أن تعطيلك لاقتصادك، واضطرارك لإرسال جنودك لدعم حليفك هو قيادة، فان هذا يعني أن لكل منا تعريفه الخاص بالقيادة. تعريفي للقيادة هو أن أقود للتوصل إلى اتفاق حول التغير البيئي... تعريفي للقيادة هو تعبئة المجتمع الدولي لضمان عدم تحول إيران دولة نووية" وذّكر أوباما بأنه انشأ ائتلافًا دوليًا من 60 دولة لمحاربة "داعش".
ورفض أوباما الطرح القائل أن هناك مفهومًا سائدًا في الشرق الأوسط بين أصدقاء الولايات المتحدة بأنها " في حالة تقهقر" وموقف مماثل في الحزب الجمهوري. وهنا حّول أوباما المواجهة إلى الجمهوريين، قائلًا إن بعض الأوساط في الشرق الأوسط وفي الحزب الجمهوري ترى أن المقياس الوحيد للقوة هو نشر مئات الآلاف من الجنود في الشرق الأوسط، وإذا لم نفعل ذلك فإنه يعني أننا في حال تراجع، وأضاف أن الحديث عن إرسال قوات أميركية ضخمة إلى سوريا والعراق وربما ليبيا واليمن كي تخدم كشرطة وأيضا كحكام للمنطقة، فإن ذلك " سيكون استراتيجية سيئة. وإذا اقترفنا هذا الخطأ مرة أخرى، عيب علينا".
أعلن رئيس "الاتحاد الديموقراطي الكردي" صالح مسلم، تشكيل "الجيش السوري الديموقراطي" (جسد) الذي يضم حوالي 50 ألف مقاتل كردي - عربي نصفهم من "وحدات حماية الشعب" الكردي استعدادًا لاقتحام مدينة الرقة عاصمة تنظيم "داعش" في شمال شرق سورية بالتنسيق مع غارات التحالف الدولي، وسط معلومات عن إلقاء طائرات أميركية آلاف الأطنان من الذخيرة لهؤلاء المعارضين.
وأكدّ رئيس "الاتحاد الديموقراطي الكردي" صالح مسلم، أنّ التحالف "خطوة يجب أن تتسع بحيث تضم جميع القوى المؤمنة في سورية ديموقراطية علمانية بعيدة عن التطرف وتشكّل مع الإدارات الذاتية نموذجًا للبلاد، في وقت قال قائد "وحدات حماية الشعب" سيبان حمو، إن اتصالات تجري مع التحالف الدولي لتحديد ساعة الصفر لطرد "داعش" من الرقة والمتوقع خلال أسابيع.
ويضم "جسد"، ثمانية فصائل، هي: "وحدات حماية الشعب" و "وحدات حماية المرأة" (25 ألف مقاتل ومقاتلة) والتي تتبع الإدارات الذاتية الكردية التي اقترحها "حزب الاتحاد الديموقراطي"، و"التحالف العربي السوري" (1200 مقاتل في الحسكة) و"جيش الثوار" (2500-3000 مقاتل في ريف حلب وحدود الرقة) و"غرفة عمليات بركان الفرات" (4-5 آلاف مقاتل) و"قوات الصناديد" (700 مقاتل) و"تجمع ألوية الجزيرة" (700 مقاتل مبدئيًا ويمكن أن يزيد العدد بضم عشائر) و "المجلس العسكري السرياني" (1500 مقاتل).
وأعلنت هذه الفصائل في بيان أن "التطورات المتسارعة على الساحتين العسكرية والسياسية... تفرض بدورها أن تكون هناك قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع بين الكرد والعرب والسريان وكافة المكونات الأخرى على
الجغرافية السورية، ذلك بهدف الوصول إلى سورية ديموقراطية".
وجاء تشكيل هذا التحالف بعد قرار إدارة أوباما التخلي عن برنامج وزارة الدفاع تدريب وتسليح خمسة آلاف سنويًا من المعارضة السورية بموازنة قدرها 500 مليون دولار أميركي رصدها الكونغرس، في مقابل التركيز على دعم "مجموعة مختارة من قادة الوحدات" لتنفيذ هجمات منسّقة ضد مناطق سيطرة "داعش".
وقال مسؤول غربي، إن مستشاري أوباما انحازوا إلى خيار تشكيل هذا التحالف لـ "السيطرة على الرقة وطرد داعش منها بحيث يُقدّم هذا كنصر رمزي كبير لإدارة أوباما بعد تدخل روسيا عسكريًا في سورية"، في وقت يركّز فيه الطيران الروسي حاليًا على دعم القوات النظامية في التقدم على محورين: عزل إدلب بعد محاولة التقدم من ريف حماة الشمالي ومن سهل الغاب، وعزل حلب بعد التقدم من محور حريتان وقريتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب قرب حدود تركيا. وقال المسؤول إن التحالف العسكري السوري - الروسي أرجأ السيطرة على تدمر الخاضعة لسيطرة "داعش" في مرحلة إلى ما بعد "عزل" حلب وإدلب، مع إشارته إلى أن "داعش" الذي يسيطر على المنطقة الحرة ومحيطها في ريف حلب الشمالي الشرقي سلّمها الأثنين إلى القوات النظامية.
وفي المقابل، تكثّفت الاتصالات في غرفة العمليات بين الجانب الكردي والتحالف الدولي ضد "داعش" لوضع اللمسات الأخيرة على خطة "الجيش السوري الديموقراطي" لاقتحام الرقة، وبين الأمور التي يجري العمل عليها حاليًا
تأكد قيادة "وحدات حماية الشعب" من أن قوائم المقاتلين التي قُدّمت إليهم من المقاتلين العرب والسريان صحيحة لبدء تنسيق العمليات العسكرية بحيث يكون المقاتلون العرب في مقدمة اقتحام الرقة لتخفيف الحساسيات الكردية -
العربية. كما يضع الجانب الكردي أمر "حماية الأكراد" في ريف حلب في أولوياته، بحيث لا يجري استغلال التقدم إلى الرقة لشن معارك ضد الأكراد في ريف حلب خصوصًا في مناطق الشهباء وجرابلس والشيخ مقصود (داخل حلب).
وقال مسؤول كردي: "لدينا شكوك في شأن أسباب تريث التحالف الدولي في وقف هجمات المتطرفين على الأكراد في ريف حلب".
وفي شأن التنسيق بين القوات البرية وضربات التحالف الدولي على الرقة، أوضح حمو في حديث هاتفي، أن اتصالات مكثفة تجري لـ"تحديد ساعة الصفر، التي ستكون خلال أسابيع، لبدء معارك السيطرة على الرقة"، لافتًا إلى أن "الجيش السوري الديموقراطي" ضم جميع الفصائل التي "تؤمن بسورية ديموقراطية وعلمانية لكل مكوناتها وشعبها، بحيث أن هذا
التشكيل يمكن أن يقدم أجوبة على كثير من الأسئلة والفراغ خصوصًا بعد التطورات الأخيرة" في إشارة إلى التدخل الروسي. وعليه، لا يرى قائد "وحدات الحماية" التي تضم 50 ألف مقاتل خُصص منهم 25 ألفًا ينتشرون في ريفي عين العرب (كوباني) والرقة للمشاركة في اقتحام عاصمة "داعش"، "أي حل عسكري للأزمة السورية، بل الحل سياسي يتضمن الوصول إلى دولة ديموقراطية".
ويبحر المسؤولون الأكراد بين ألغام من الاعتبارات العسكرية والسياسية باعتبار أن "وحدات الحماية" تتقاسم مع النظام السوري السيطرة على الحسكة التي تتعرض لغارات من التحالف الدولي (ضد مواقع داعش فيها). كما أن
القيادة الكردية تجري اتصالات سياسية مع الجانب الروسي كان آخرها لقاء صالح مسلم مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في باريس قبل أيام، في وقت يجري تنسيق عسكري بين قادة عسكريين أكراد وأميركيين إزاء
محاربة "داعش"، كما حصل في تحرير كوباني بداية العام.
ويعوّل داعمو تحالف "جسد" على "دعم العملية السلمية ومساعي المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عندما يجري الحديث عن تشكيل جيش سوري وطني لمحاربة الإرهاب كما هي حال مجموعته الرابعة: الأمن ومحاربة الإرهاب"، بحسب مسؤول كردي، مع العلم أن دي ميستورا سيلتقي في موسكو الثلاثاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يدعم اقتراح اللجان الأربع التي أعلن "الائتلاف الوطني السوري" المعارض مقاطعتها مقابل موافقة النظام على المشاركة فيها باعتبارها "عصفاً فكريًا غير ملزم". وبحسب مسؤولين أكراد، فإن مشروعي الإدارات الذاتية الكردية و "الجيش السوري الديموقراطي" يمكن أن يشكلان نموذجًا لمستقبل سورية، إضافة إلى أن "الروس يعرفون مطالب الأكراد
وسيقبلون في المدى البعيد بالإدارة الذاتية جزءًا من سورية المستقبل، سورية الديموقراطية العلمانية البعيدة عن التطرف".
أرسل تعليقك