طهران - مهدي موسوي
يقدّم أحدث استطلاعات الرأي من منظمة IranPoll الكندية المرتبطة بجامعة ميريلاند أنباء سيئة للرئيس الإيراني حسن روحاني، حيث أفاد ما يقل قليلا عن ثلاثة أرباع الإيرانيين (74%) الذين شملهم الاستطلاع من 17-27 يونيو/ حزيزان أنه لا يوجد أي تحسن في الاقتصاد نتيجة الاتفاق النووي مع القوى العالمية العام الماضي، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل في يونيو/ حزيزان المقبل قد يواجه روحاني منافسة مع محمد أحمدي نجاد الرئيس الأصولي السابق حيث ضاق فارق النقاط بينهما إلى 8 % من 27% في مايو/ أيار عام 2015، وكان النمو الاقتصادي في العام الإيراني المُنتهي في مارس/ أذار أقل بكثير من المتوقع، وأفاد أحد صحافيي الأعمال البارزين في إيران أنه يعتقد أن حجم النمو 0.9% في أحسن الأحوال، بينما تتوقع الحكومة نمو بنسبة 3.9% في العام الحالي، وتأتي هذه الزيادة من تضاعف صادرات النفط بعد تخفيف العقوبات في فبراير/ شباط إلا أن ذلك يعكس أيضا تخفيف الحكومة للانضباط النقدي والمالي وتحفيز النشاط الاقتصادي في مخاطرة من ارتفاع التضخم، وبين المركز الإحصائي للدولة في مارس/ أذار الماضي زيادة الفقر وعدم المساواة خلال 12 شهرا مضت.
ويعد الإيرانيون الفقراء هم الفئة المستهدفة لمعارضي روحاني الأصوليين، ولعبت فضيحة دفع الشيك الأخيرة دورا في أيديهم حتى أن الكثيرين في طهران يعتقدون أن الأصوليين في طهران لا يعلنون فقط عن تفاصيل الأجور والمكافآت المربحة التي يحظى بها كبار المسؤولين التنفيذيين لكنهم يكشفوهم في المقام الأول، وكانت إقالة الحكومة في نهاية يونيو/ حزيزان لأربعة من رؤساء بنوك الدولة لم يسبق لها مثيل، وجاء ذلك عقب اجتماع مجلس الوزراء حسث أخبر أية الله علي خامنئي المرشد الأعلى الوزراء أن الرواتب الفلكية كانت هجوما على قيمنا وطالب بمتابعة هذا الشأن بجدية مع إعلام الشعب بالنتائج، ومن بين من تمت إقالتهم رئيس بنك الرفاه والذي كشف الشيك المسرب له عن وجود دخل في صورة مرتبات ومكافآت قيمته 240 مليون تومان (78 ألف دولار)وهو أعلى بكثير من المستوى الأساسي للعاملين حيث بلغ راتبهم 850 ألف تومان (276 دولار) شهريا.
وأظهر الأصوليون حنين ليس فقط من أجل المساواة في ثورة 1979 والتضحية النبيلة لحرب 1980-1988 مع العراق ولكن أيضا من أجل الانتصار الساحق في الانتخابات الذي فاز به أحمدي نجاد عام 2005 تحت شعار "ضع أموال النفط على الطاولة" ومن ثم ارتبطت قيمة المكافآت المكشوفة التي استمتع بها التكنوقراط غالبا في ذهن العامة بروحاني وحليفه الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، وأضاف صحفي الأعمال " ربما تكون الذكريات قصيرة لكن الفساد موجود دائما وربما ساء الأمر في ظل حكم أحمدي نجاد لأنه أجرى محاولة لتركيز السلطة وتخفيض الرقابة على الحكومة من قبل البرلمان وغيره من الهيئات"، وتركت سياسات الإنفاق الخاصة بأحمدي نجاد بما في ذلك القروض الرخيصة القطاع المصرفي مع عبء هائل من القروض المتعثرة.
ويحظى خامنئي بذاكرة حادة لكنه سيكون مترددا لرؤية عودة أحمدي نجاد الذي تحدى سلطة المرشد في ولايته الثانية بعد عام 2009 عدة مرات، ومُنع نائب أحمدي نجاد اسفنديار رحيم مشائي من الانتخابات الرئاسية عام 2013 من قبل مجلس صيانة الدستور والذي يتم تعيين 6 من 12 من أعضاءه من قبل خامنئي، وربما يمنع المجلس أيضا أحمدي نجاد من الانتخابات العام المقبل، وربما يكون قاسم سليماني قائد لواء القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري (IRGC) بديلا ممكنا لأحمدي نجاد، ويحظى سليماني بحضور علني كبير منذ عام 2014 وخاصة في تنظيم الحملة العسكرية ضد داعش في العراق المجاور.
ويعتقد المحاضر في جامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة والزميل البارز في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، سعيد جولكار، أن فضيحة الشيك المدفوع كشفت منافس آخر محتمل من الأصوليين وهو برويز فتاح رئيس لجنة الإمام الخميني للإغاثة، وأضاف: " هناك مشاعر قوية شعبية ضد الفساد وهذا هو السبب الذي جعل فتاح يضع شيك الدفع الخاص به على الأنترنت ليظهر أنه رجل الشعب ويتاضى راتب شهري صافي يقدر ب 7.34 مليون تومان (2380 دولار) وهو أقل بكثير من كبار المديرين ، وهو يحظى بحياة بسيطة مثل أحمدي نجاد"، ويحظى فتاح بصلة جيدة مع الحرس الثوري الإيراني كمدير سابق لمؤسسة Bonyad Taavon Sepah الخيرية التابعة للحرس الثوري، وباعتباره نائب الرئيس السابق لجماعة "خاتم الأنبياء" الذراع البنائي للحرس الثوري، ولديه دائرة جاهزة تضم 5 مليون عائلة بدعم من لجنة الإمام الخميني، وأشار جولكار إلى أن منشورات الأصوليين تضع صورة فتاح بجانب صورة إبراهيم رئيسي الذي عينه الخميني في مارس/ أذار كرئيس لمنظمة آستان قدس رضوي والتي تدير ضريح الإمام رضا في مشهد.
وتابع جولكار : " أصبحوا ينادون رئيسي مؤخرا بأية الله في مشهد، وأعاد أية الله خامنئي تشكيل الحرس، وفي أواخر يونيو/ حزيزان تم تعيين اللواء محمد بوغاري نصير الحرس الثوري رئيسا للقيادة العسكرية العامة بدلا من حسن فيروز أبادي، وإذا وضعنا هذه الإشارات بجانب بعضها البعض نجد أن أية الله خامنئي يفكرجديا في المستقبل"، وكانت علاقة روحاني الوثيقة مع خامنئي ضرورية لقبول الاتفاق النووي في مواجهة الانتقادات القوية إلا أن عدم إحراز تقدم في تخفيف العقوبات والذي تعزز بالتصويت الأخير للتشريع في مجلس النواب لمنع مبيعات طائرات بوينغ وإيرباص لإيران ما يعزز قول الأصوليين بأن الولايات المتحدة مُعادية، وفي حين قال خامنئي أن طهران لن تتراجع ما لم تتراجع واشنطن يفقد الحماس كل من تقبلوا الصفقة باعتبارها خطوة إيجابية وكذلك من تقبلوها على مضض، وربما تتحول الفصائل السياسية مرة أخرى ما يجعل روحاني عرضة للخطر.
وتحرك الرئيس سريعا بعد تدخل خامنئي في فضيحة الشيك المدفوع إلا أن جولكار غير مقتنع بأن الرئيس يدرك حجم التحدي الذي يواجهه، مضيفا " ينصب تركيزه على الطبقة المتوسطة والمدن الكبيرة، لكن الفقراء والناس في المناطق الريفية يقولون: لماذا يجب أن نصوت لروحاني إنه تكنوقراط، ويتقاضى هؤلاء الناس 240 مليون تومان شهريا ونحن فقط نأخذ 850 ألف شهريا"، وأظهرت الشعبوية الإيرانية تشابها كبيرا مع الشعبوية في مكان آخر، ومن المهم للمصرفيين دفع فكرة السيطرة الوطنية ضد الدولية أو العالمية، إنها فكرة وطنية وليس مجرد حنين لكنها معادية للتنوع وتُمجد قيم البساطة ضد الطرق الشريرة في مدينة كبيرة وتشيد بعمل شرطة الأخلاق ضد الحجاب السئ كمثال، ولا تعتبر هذه السياسات جديدة أو غريبة على إيران، ولفت المؤرخ البريطاني فيليب مانسيل الانتباه لهشاشة المدن العالمية، وهو ما اتضح في كتابه المثير عن حلب بعنوان "المدينة السورية التجارية الكبيرة" والتي تحولت الآن إلى ركام بعد قرون من التنوع والنجاح القائم على التجارة.
وبيّن مانسيل أن تدمير حلب نتج عن 40 عاما من الديكتاتورية والتآمر الدولي والنزاعات التي أصابت العالم الإسلامي كله من المغرب إلى ماليزيا موضحا أن لها جذور في زيادة الفقر في الريف ويرجع ذلك جزئيا إلى تغير المناخ والتصحر، وأوضح مانسيل أن العداء للتطور الحضري يعود إلى القصور القديمة، مضيفا " في العهد القديم كان هناك انسحابات من بابل، وفي التاريخ الفرنسي كانت ضواحي باريس مدمرة عام 1848 أو 1871، وأصبح الفقراء الذين يعتمدون على الزراعة مصابين بالغيرة من العاصمة على الرغم من أنها أفادتهم، وحدث ذلك في الحرب الأهلية اللبنانية حيث اعتقد الناس الذين سكنوا الجبال في المناطق الأكثر فقرا أنه سيتم إهمالهم من قبل بيروت"، ويعتقد مانسيل أن زوال سميرنا والأسكندرية وبيروت جزئيا كمراكز متعددة الثقافات ربما يتكرر في مكان آخر، موضحا " انظر لما يحدث الأن إلى لندن مع خروج بريطانيا فربما تتغير لندن الحيوي العالمية العظيمة ويتشابه ذلك مع حالة دونالد ترامب حيث يقول دوما هناك نوعان من الأمريكتين: الساحلية والمناطق النائية".
ولا يزال استخدام الأصوليين لوسائل الاعلام الاجتماعية أقل أهمية من الشبكات القائمة على العمل والمسجد والباسيج إلا أنهم يدركون جيدا إمكانات الإنترنت، ووجد مسح IranPoll أن 42.8% من الإيرانيين يتواجدون على الانترنت مرة واحدة أسبوعيا على الأقل لمعرفة الأخبار وارتفعت النسبة من 33.6% في مايو/ أيار 2015، وتشابه أسلوب عملهم الواضح مع حملة خروج بريطانيا، وكما كتب دروفا جاي شانكر من الهند في الآونة الأخيرة " وسائل الاعلام الاجتماعية بجانب قدرتها على إنشاء علاقات مع الناس الذين لديهم وجهات نظر وأيديولوجيات مختلفة فإنها تميل إلى تعزيز الأحكام المسبقة، وساهمت المزيد من المعلومات في خلق بيئة معلومات لما بعد الحقيقة، ويريد الشعبويون عبور الحدود التي تعاملت معها الأحزاب الرئيسية ليصبحوا قوة لا يتحملها المركز".
وختم جولكار "فئة المتشديين والإصلاحيين لا تعمل، إنها ليست عن الديمقراطية، وهناك من يرغبون في التفاعل في العلاقات الخارجية وفي المضاد لهم هناك الصداميون، ولديهم خطابات مختلفة لكل من الاقتصاد والعلاقات الدولية، وسيكون التنافس على الانتخابات الرئاسية المُقبلة والمرشد الأعلى القادم بين التفاعلين والصداميين"، وفي الانتخابات الرئاسية عام 2005 لم يعد أحمدي نجاد فقط بوضع عائدات النفط على الطاولة لكنه ازدرى أيضا الطبقات الوسطى والمثقفين، وبعد انتخابه هرت نكات في طهران تسخر من احتقار الرئيس لأصله، مثل "هناك مشاكل مع جودة مياة الشرب لأن أحمدي نجاد غسل جواربه في الخزان"، وفي حين تحدث سلفه محمد خاتمي في الجامعات الوهيئات الدولية عن الحوار بين الحضارات غلا أن أحمدي نجاد أجرى رحلات محلية متكررة في جميع أنحاء إيران للخطاب في الحشود المزدحمة الذين شعروا بالإهمال من قبل الحكومة المركزية، ومن شعروا بالإهمال أصبحوا أقوياء اليوم وليس لدى الرئيس روحاني سوى القليل من الوقت لمخاطبتهم.
أرسل تعليقك