في منبج في شمال سورية، يتمركز مقاتلو قوات سورية الديموقراطية خلف جدران منازل الاحياء الغربية المدمرة يراقبون حركة قناصة تنظيم داعش، ويطلقون النار عليهم ليتابعوا تقدمهم اكثر داخل المدينة التي لا تهدأ اجواؤها من حركة طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
على مدخل المدينة الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي، لوحة على شكل سهم أزرق ترحب باللغة الانكليزية بالقادمين "اهلا وسهلا في مدينة منبج". وليس بعيدا عنها لوح حجري ضخم على رأسه سهم يدل على اتجاه المدينة وكتب عليه "في ربوع داعش، انت تأمن على نفسك ومالك ودينك وعرضك".
لكن المدينة بدات تخرج من ظل "داعش". فبعد ثلاثة اسابيع على اطلاقها عملية لطرد الجهاديين الذين كانوا يسيطرون على منبج منذ العام 2014، دخلت قوات سورية الديموقراطية الخميس وبغطاء جوي كثيف من التحالف الدولي المدينة من الجهة الغربية، وتخوض فيها حرب شوارع واشتباكات عنيفة.
وكانت وكالة فرانس برس اول فريق اعلامي يدخل منبج الى جانب قوات سورية الديموقراطية، التحالف الكردي العربي. وبدت المنطقة "المحررة" خالية تماما من السكان، وقد اغلقت طرقها الفرعية بالسيارات القديمة وملأت الرصاصات الفارغة شوارعها.
وتفاديا لرصاص قناصة تنظيم داعش، يتنقل عناصر قوات سورية الديموقراطية في عربة مصفحة ومموهة يطلقون عليها اسم "عقربة"، وقد رافقهم فيها فريق فرانس برس الى الاحياء الغربية.ويتحصن معظم مقاتلي قوات سورية الديموقراطية في المنازل تفاديا لرصاص القناصة. وبين الحين والآخر، يصرخ احدهم عبر جهاز اتصال لاسلكي ليحدد مكان احد القناصة الذي يتم التصويب عليه عبر ثقوب الجدران والستائر.
ونتيجة حدة الاشتباكات، لم يتمكن فريق فرانس برس من اجراء مقابلات داخل المدينة، خصوصا بعدما طلب منه عناصر قوات سورية الديموقراطية مغادرتها قبل الساعة السادسة عصرا، اذ ابلغه احد المقاتلين ان الجهاديين يصّعدون من هجماتهم بعد هذا الوقت.
وعند دوار الكُتّاب على مدخل المدينة الغربي، يقف مرفان روج آفا وقد لفّ عنقه بوشاح كردي تقليدي اخضر مزين بورود حمراء. ويقول "تجري الآن حرب شوارع في الأحياء الغربية من مدينة منبج، وتدور اشتباكات عنيفة بين قواتنا وداعش عند منطقة الصوامع والمدرسة الشرعية غرب المدينة".
ويضيف وقد بدا خلفه منزل تدمر جراء تفجير بعربة مفخخة، "انتهت المرحلة الأولى من محاصرة المدينة والآن يتم دخولها تدريجيا".ومنذ 31 ايار/مايو، تاريخ اطلاق عملية منبج، تمكنت قوات سورية الديموقراطية من السيطرة على اكثر من مئة قرية ومزرعة في ريف منبج لتنجح لاحقا في تطويق المدينة بشكل كامل.
-"انهيار" الجهاديين-
في منزل على بعد مئات الامتار خارج مدخل المدينة الغربي، يضع عدد من مقاتلي قوات سورية الديموقراطية امامهم خريطة يحددون عليها اماكن تواجد الجهاديين ليرسلوا الاحداثيات لطائرات التحالف الدولي التي لا تكف عن التحليق في الاجواء.
ومن داخل المنزل المحاط باشجار زيتون، يقول مقاتل فضل عدم ذكر اسمه، "بحسب المعلومات التي حصلنا عليها من داخل مدينة منبج، هناك أعداد من السيارات المفخخة المعدة لاستهداف قوات سورية الديمقراطية، وتم حفر الأنفاق بشكل كبير تحت الأرض لتجنب ضربات طيران التحالف".
وقد ابطأ اتباع الجهاديين استراتيجية التفجيرات الانتحارية والمفخخات تقدم قوات سورية الديموقراطية الى داخل منبج.ولكن القيادي العسكري علي كوباني بدا واثقا بقدرة قوات سورية الديموقراطية على التصدي لهجمات تنظيم داعش على انواعها.
ويلف كوباني حول عنقه كوفية سوداء وبيضاء اللون، ويقول باللغة الكردية "داعش منهار، لهذا يلجأ الى استعمال السيارات المفخخة، لكن رفاقنا يملكون الصبر ولديهم القوة لمواجهته، وان كان داعش مجهزا بأعداد كبيرة من العربات المفخخة".ويرى ان هذه العربات لن تجدي الجهاديين "فحين تأتي سيارة مفخخة باتجاهنا، نفرح فهذا يعني أن داعش ينهار".
ويقول مرفان روج آفا بدوره "لم تعد لدى داعش وسائل للدفاع عن نفسه سوى ارسال سيارات مفخخة".في الطريق الى منبج، وتحديدا في قرية ام الصفا التي تبعد مئات الامتار فقط عن المدينة، يركض طفل وهو يصرخ وبيده منشور رمته طائرة تابعة للتحالف الدولي وقد كتب عليه "ستحطم ارادة الشعب السوري قيود الأرهاب".
ورسم على المنشور نسر يحطم قيودا، وقم تم تلوينه بالعلم السوري الذي اعتمدته المعارضة بثلاث نجمات ملونة بالاحمر بدلا عن العلم السوري الرسمي بنجمتين خضراوين.وتتلقى قوات سورية الديموقراطية في هذه المعركة دعما من مستشارين اميركيين وفرنسيين على الارض، ويتوقع ان يشكل سقوط منبج المحتمل تحولا كبيرا في الحرب ضد تنظيم داعش.
ولا يزال عشرات آلاف المدنيين محاصرين في منبج، ولم يتمكن من الفرار سوى ثمانية آلاف، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، بمساعدة قوات سورية الديموقراطية التي سبق واعلنت ان ما يؤخر تقدمها الى داخل منبج هم المدنيون المحاصرون.
أرسل تعليقك