بدأت الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة الدول المنتجة للنفط «أوبك» في الاستعداد للاجتماع الحاسم الذي سينعقد الأحد في العاصمة القطرية الدوحة، في حدث سيحظى بمتابعة واسعة في أوساط أسواق النفط العالمية، ويعتبر أيضاً الاجتماع الدولي الأهم هذا العام في ما يتعلق بأسعار النفط العالمية التي تعاني أسوأ فتراتها منذ الأزمة التي حلت بها أواسط العام 2014. ويهدف الاجتماع في المقام الأول إلى الوصول إلى اتفاق يضمن تجميد مستويات الإنتاج الحالية، حيث ستجتمع نحو 15 من الدول الرئيسية المنتجة للنفط، بيد أن توقعات المحلّلين تتجه إلى مناحٍ سلبية أكثر في ما يتعلق بما سيؤول إليه الاجتماع.
فمنذ أن بدأت بوادر الاجتماع منذ بداية العام الجاري، بدأت أسواق النفط العالمية في اكتساب نوع من الاستقرار بعد الهبوط المريع الذي عانته منذ أكثر من عام بأن حام سعره حول 40 دولاراً للبرميل بعد المستوى التاريخي الذي بلغه بـ27 دولاراً العام الماضي.
وشهدت أسعار النفط هبوطاً الاثنين الماضي في ظل المخاوف المرتبطة بعدم تحقيق الاجتماع لنتائجه المرجوة في إنعاش أسعار النفط وتحقيق نوع من الاستقرار بين كل من العرض والطلب العالمي. وقال محللون لدى «غولدمان ساكس» إن من غير المتوقع أن ينتج عن الاجتماع مفاجأة كبيرة لأسواق النفط العالمية، متوقعين أن يحوم سعر البرميل حول 35 دولاراً في الربع الثاني من العام الجاري. وأشار محللو «غولدمان ساكس» إلى أن هنالك احتمالات أن يتم تسيير الاجتماع للإبقاء على استمرار نمو حصة إنتاج دول «أوبك» وبمعدلات ملحوظة، مضيفين أنه وحتى وإن تم التوصل إلى اتفاق بتجميد الإنتاج فإن ذلك لن يثني دول «أوبك» عن تحين أي فرص أخرى لرفع إنتاجها.
وشهد ميزان العرض والطلب العالمي على النفط تقلباً كبيراً بعد أن رفضت «أوبك» خفض إنتاجها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2014، مفضلةً بدلاً عن ذلك الحفاظ على حصتها السوقية لفرض مزيد من الضغوط على المنتجين الآخرين من خارج المنظمة مثل قطاع النفط الصخري الأمريكي، إضافة إلى روسيا. كما كانت تكهنات اتفاق رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وإمكانية دخولها السوق النفطية مجدداً بدون التنسيق مع المنتجين الآخرين سبباً آخراً في ثبات «أوبك» على موقفها بعدم خفض الإنتاج.
وأشار «غولدمان ساكس» في تقرير حديث إلى أن الإنتاج النفطي لإيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها بلغ معدلاً أكبر مما كان متوقعاً، على الرغم من أنها تنضوي تحت منظمة «أوبك»، إلا أن تعطشها لتعويض خسائرها وقت العقوبات التي كانت مفروضة عليها جعل من الصعب جداً التوصل إلى أي نوع من الاتفاق معها حتى داخل المنظمة نفسها، مؤكداً أن استقرار ميزان العرض والطلب العالمي على النفط لايزال هدفاً بعيد المنال في الوقت الراهن على الأقل.
وفي دلالة على التوتر الكبير الذي يضرب علاقة اثنين من أكبر المنتجين وهما السعودية وإيران، قال الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي الأسبوع الماضي إن بلاده لن تحصر إنتاجها إلا إذا قامت إيران بالمثل. وذكرت إيران التي تحاول استعادة قوتها الاقتصادية بعد سنوات من الحصار أنها ربما تكون حاضرة في الاجتماع المقرر في الدوحة، إلا أنها أشارت إلى أنها لن تقبل أن تتفاوض بأي طريقة حول تخفيض إنتاجها. وذكر تقرير «غولدمان ساكس» أن أكبر مهدد للاتفاقية هو الخلاف الكبير بين السعودية وإيران فيما يتعلق بمستويات الإنتاج وخفضها أو تجميدها.
وفي غضون ذلك قال محللون لدى «جيه بي مورغان» إنه لا ينبغي توقع الكثير من الاجتماع القادم، مشيرين إلى أن التوصل إلى أي اتفاق لن يكون ذا تأثير كبير في الأسواق النفطية بالنظر إلى المستويات التاريخية التي وصل إليها الإنتاج النفطي، إضافة إلى الاحتمالية الكبيرة بعدم قبول إيران وليبيا أي اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى خفض إنتاجهما.
وتباينت مشاعر التفاؤل والتشاؤم إزاء الاجتماع، كذلك اختلفت التقديرات والتوقعات تجاه ما يمكن أن يسفر عنه من ناحية تثبيت الإنتاج، حيث رأى المركز الروسي للاستشارات «Vygon Consulting»، أن أسعار النفط سوف تستمر في الانخفاض، بغض النظر عن نتائج اجتماع الدوحة حول تثبيت إنتاج النفط. وعزا ذلك إلى أن نتائج الاتفاق مهما كانت لن تؤدي إلى اختفاء فائض النفط الخام من الأسواق العالمية.
وتوقع محللون أن يتراجع فائض النفط المعروض في الأسواق العالمية، خلال العام الجاري بمقدار 0.5 مليون برميل يومياً، عن طريق الحد من الاستهلاك والإنتاج في الولايات المتحدة، بينما لن يكون لقرار «تجميد الإنتاج»، من قبل الدول المنتجة، تأثير كبير في السوق. وجاء في الدراسة: «من الناحية العملية، أي نتائج الاجتماع الذي سيعقد في الدوحة، فإن أسعار النفط عاجلاً أو آجلاً سوف تستمر بالتراجع».
وجاءت توقعات المركز الروسي متوافقة مع تقرير لوكالة الطاقة الدولية ذكرت فيه أن تثبيتاً محتملاً للإنتاج من جانب الدول المنتجة للنفط، قد يكون «أثره محدوداً».
وأعربت وزارة الطاقة والصناعة القطرية عن وجود «أجواء من التفاؤل» قبيل الاجتماع الذي تستضيــفه الدوحـــة الأحد، بمشاركة دول نفطية لبحث تجميد الإنتاج عند مستويات يناير/كانون الثاني، بهدف إعادة إنعاش الأسعار المتهاوية.وجاء في بيان لوزارة الطاقة القطرية: «مع تزايد عدد الدول التي أكدت مشاركتها في الاجتماع تسود أجواء من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق يعيد التوازن والاستقرار إلى سوق النفط». ولم يحدد البيان الدول المشاركة أو عددها، علما أن الاجتماع سيضم أعضاء داخل منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» ودولاً من خارج المنظمة، بما فيهم روسيا.
وشهدت الأسعار العالمية للنفط السبت نمواً طفيفاً على خلفية انخفاض كبير في حجم التداول في السوق العالمية، قبيل اجتماع الدوحة المرتقب. وبلغت تكلفة العقود الآجلة لنفط بحر الشمال تسليم يونيو/حزيران، مزيج «برنت»، 43.89 دولار للبرميل، مرتفعة بنسبة 0.09%، كما صعد سعر العقود الآجلة لنفط خام «غرب تكساس الوسيط» بنسبة 0.14% ليصل إلى 41.57 دولار للبرميل. وسجلت أسعار النفط بعض الارتفاع في الأيام الأخيرة بعد انخفاضها السريع في يناير/كانون الثاني، وبدا أن تفاؤلاً ساد الأسواق قبيل اجتماع سيضم المنتجين الرئيسيين الأحد في الدوحة، بهدف تحقيق استقرار في العرض الذي يشهد حالياً تضخماً في الأسواق العالمية.
أرسل تعليقك