أبوظبي -صوت الامارات
يمتاز وقع التطور في الإمارات بسرعة استثنائية، لأنه يسير وفق نهج مدروس نابع من داخل المجتمع، حيث تضع القيادة التطور في أعلى درجات الهرم، في كل رؤية تتبناها، وكل استراتيجية تطلقها، وكل خطة تنفذها، وتعتمده هدفاً استراتيجياً مطلوباً تحقيقه، وفق جدول زمني لا يمكن لمسؤول أن يحيد عنه.
وتشكلت المجتمعات والدول على فترات زمنية بعيدة المدى، ولاح تطورها على مدى قرون نتيجة لمعطيات ومؤثرات خارجة على إرادتها، سواء كانت أحداثاً يومية أو تحولات إقليمية وتغيرات عالمية.
وتبقى الإمارات نموذجاً عالمياً، فيما وصلت إليه من تقدم ورقي، حيث اختصرت الزمن، وفي فترة أقل من نصف قرن (50 عاماً) بنت كيانها القوي وتطورت وسابقت الزمن، وتفوقت على أمم ودول بدأت مسيرتها منذ زمن بعيد.
وخلال أقل من نصف قرن، اختصرت الإمارات مسيرة تحتاج إلى أكثر من 300 عام، فهي مرت بعصر اللؤلؤ (ما قبل النفط)، ثم عصر النفط (عهد الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله)، ورغم أن عصر النفط مازال قائماً ومستمراً، فإن الإمارات بطبيعتها وبذكاء قيادتها تسابق الزمن، وتستعد لما بعد النفط.
هذه العصور الثلاثة في أي بلد في العالم، تحتاج في أحسن تقدير إلى ما لا يقل عن ثلاثة قرون لكي تتحقق، ولكن الإمارات عاشتها في أقل من نصف قرن بفضل من الله وقيادة واعية، وشعب مخلص يخط تاريخاً مشرقاً بحروف من نور فوق صفحة الرمال المتحركة، وأبناء وفوا العهد فبنوا مدناً عصرية متكاملة فوق البحر.
وأوضحت الصحفية الألمانية بربارا شوماخر: زرت الإمارات مرات عدة، وفي كل زيارة أرى كل شيء يتغير ويتطور، وكنت شاهدة على تحول وسائل النقل من الجمال إلى السيارات، وتطور الطرق من مدقات صحراوية تضيع معالمها مع أولى نسمات الصباح إلى طرق فسيحة معبدة بمقاييس عالمية، والمطارات التي كانت أرضاً بوراً، أصبحت اليوم تضج بأزيز الطائرات التي تقلع وتهبط كل دقيقة.
وأضافت: رأيت البحر، كيف تحول من مصدر ضروري للرزق وبالكاد يجود بلقمة العيش، إلى مسرح للترفيه والتسلية، حيث يمارس الشباب الرياضات البحرية والتزلج على الماء، وتجوبه اليخوت الفخمة، وأصبح الغوص بحثاً عن اللؤلؤ أثراً بعد عين.
وتابعت: المدهش أن هذه المهنة التي كانت عصب الحياة حتى الستينات، استبدلت بها الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا، خاصة في الطيران والطاقة والفضاء. وعندما أجوب الصحراء اليوم، أجد في أماكن مضارب بيوت الشعر، بنايات تتعدى الـ 20 طابقاً، تتلألأ وسط الصحراء. وعندما أبحر في أبوظبي أجد الجزر التي كانت موحشة، تحولت إلى مدن عصرية متكاملة. وفي دبي هيرات اللؤلؤ أصبحت فوقها جزر، والجزر بنيت فوقها مدن خيالية، حين رؤيتها تحتبس الأنفاس.
وتقول شوماخر: عشش الصيادين والغواصين التي كانت موجودة على شاطئ أبوظبي، اختفت وأصبحت ذكريات جميلة، يعود طيفها، عندما أنظر إلى السماء، ولكن نظري الآن لا يجاري ناطحات السحاب الزجاجية الشاهقة الموجودة في المكان.
وأكملت: الملمح الأهم الذي يلفت الزائر للإمارات، هو الطفرة الحياتية التي تتطور يوماً بعد يوم في جميع أنحاء المكان، والعالم يبدي إعجابه بما حققته من إنجازات في المجالين الاجتماعي والاقتصادي في وقت قصير، استعداداً لعصر ما بعد النفط، حيث خطت خطوات بارزة في طرق التحول إلى الاقتصاد المتنوع والرقمي الذي لا يعتمد على النفط فقط.
وتتفق آراء المؤرخين والباحثين على أن عام 1971 كان نقطة مفصلية في تاريخ الإمارات، حيث بدأت تتشكل الإمارات الحديثة على يد المؤسس الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، واستمرت القيادة الرشيدة على نهج زايد الخير، واليوم وهي تستعد لعصر ما بعد النفط، تريد أن تكون مركزاً صناعياً وتجارياً عالمياً، حسب رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأخيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء.
إن الإمارات، وهي تستعد لمرحلة ما بعد النفط، تنتهج سياسة الباب المفتوح، لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، إذ تتخذ الحكومة الخطوات اللازمة لإرساء القواعد التي تيسر على المستثمر، وهو ما جعلها تأتي في المرتبة الثانية بين الدول العربية في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، خلال السنوات العشر الأخيرة، كما أن الاقتصاد الإماراتي برهن على أنه مرن للغاية في بيئة الاقتصاد العالمية الصعبة، حيث إن عملتها مستقرة مقابل الدولار الأمريكي، وآمنة، ويسهل تحويلها مع عدم فرض أي قيود على إعادة تصدير الأرباح أو رأس المال، وانخفاض الضرائب على الواردات تقريباً على كل البضائع، وانعدامها بالنسبة إلى واردات المناطق الحرة والكلفة المنافسة للعمالة.
وتمكنت الإمارات من ولوج الألفية الثالثة، وهي تخطو خطوات مهمة نحو عصر ما بعد النفط والبحث عن مصادر جديدة للدخل، خاصة مع هبوط أسعاره إلى 45 دولاراً للبرميل، واستطاعت ترسيخ مكانتها الاقتصادية في العالم أجمع، فقد أصبحت على قائمة أكبر الاقتصادات الناشئة، وهو ما عكسه التسارع في نسب النمو الذي حققته على كل الصعد، حيث أسهمت الطفرة الاقتصادية في تعزيز جاذبية الدولة لاستقطاب الاستثمارات من شتى أنحاء العالم، بفضل سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعتها، ومن خلال قوانينها التي تتسم بالمرونة، مقارنة بغيرها من دول المنطقة، وتوفيرها بيئة استثمارية تعد الأفضل فيها.
واقتصاد الإمارات حالياً، هو ثاني أكبر اقتصاد عربي، بعد السعودية، وواحد من أسرع الاقتصادات الناشئة على مستوى العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي للدولة قرابة 430 مليار دولار، وتبنت الإمارات ثوابت اقتصادية مدروسة وممنهجة، أفضت إلى النهضة الاقتصادية التي شهدتها، خلال العقود الأربعة الماضية.
وتتمثل تلك الثوابت في تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل والانفتاح الاقتصادي وتأسيس بنية مواتية للأعمال، فضلاً عن تسخير الثروة لخدمة أبناء الوطن والأجيال المقبلة.
وتتفق آراء المحللين على أن نجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي، قد حصن النمو الاقتصادي من التقلبات التي تشهدها أسواق النفط العالمية، بحيث صار الاقتصاد الإماراتي أقل انكشافاً أمام التداعيات السلبية الناجمة عن أي انخفاضات في أسعار النفط
أرسل تعليقك