كانت بداية مروعة لعهد جديد في ليبيا، حين تم جر الدكتاتور من أنابيب للصرف الصحي حيث كان يختبئ، وقام الجنود المتمردون بضربه بدموية والاعتداء عليه جنسيًا، وأظهرت فيديوهات الهاتف المحمول المهزوزة صورًا لوجه العقيد معمر القذافي مهشم، وهو القائد الذي كان يرعب الليبيين على مدى أربعة عقود، يبدو مرعوبًا.
ووصلت التقارير الإخبارية الأولية للقبض على العقيد القذافي وقتله في تشرين الأول/أكتوبر عام 2011 الى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في كابول في أفغانستان حيث كانت تجري مقابلة صحفية، وقالت بعد أن نظرت بحذر الى التقرير الذي لم يتأكد بعد "واو"، ولكن يبدو أن هيلاري كلينتون كانت فارغة الصبر للتوصل الى نتيجة للتدخل العسكري متعدد الجنسيات الذي فعلت الكثير لتنظمه، وفي لحظة دون حراسة نادرة تساءلت " لقد جئنا وشاهدنا وهو مات!"
وقبل يومين من مقتل القذافي، اتخذت كلينتون جولة النصر من العاصمة الليبية طرابلس، ولأسابيع وصف كبار مساعديها دورها بالبطولي الذي أدى الى تلك اللحظة، وكتب مساعدها السياسي جيك سوليفان مذكرة أظهر فيها قيادة وملكية واشراف كلينتون على سياسية ليبيا من البداية الى النهاية، ووضعتها لغة المذكرة مركز كل الأحداث.
وأظهرت الكثير من العلامات أن هذا الانتصار سيكون قصير الأجل، وأن الفراغ الذي تركه العقيد القذافي سيظهر الكثير من الانقسام والعنف، وفي الواقع في نفس اليوم من اب/أغسطس الذي أعد فيها السيد سوليفان مذكرته لمدح كلينتون، أرسل أعلى جهة في وزارة الخارجية في الشرق الأوسط جيفري فيلتمان بريد الكتروني مطول مع لهجة مختلفة تماما عما رآه في زيارته الخاصة الى ليبيا، وكتب أن قادة الحكومة المؤقتة في البلاد منقسمين بشكل مخيف، وأن محمود جبريل رئيس الوزراء المكلف الذي ساعد في اقناع كلينتون على دعم المعارضة كانا مسافرا الى قطر.
ليبيا في نيسان/ابريل، وبحلول ذلك الوقت كانت كلينتون طلقت تقارير مقلقة حول ليبيا" src="http://www.emiratesvoice.com/img/upload/emiratesvoiceppp.jpg" style="height:350px; width:590px" type="image" />
وكان قائد كبير للثوار اغتيل في ذلك الوقت، مما يؤكد الخطر من عمليات القتل الانتقامية، فيما كان الإسلاميون يتحركون بقوة للاستيلاء على السلطة، بتمويل من قطر، أصبح مقاتلي المليشيات الذين خلعوا الدكتاتور يشكلون خطرا على وحدة الامة، وقدم السيد فيلتمان انذار بالخطر، وكتب " يحاول السيد جبريل ورفاقه أن يغضوا الطرف عن المشكلة التي ستحدثها المليشيات فيما بعد."
وأضاف " علينا أن نعول على الرجال ذوي النوايا الحسنة الذين يحكمون ليبيا بالاسم، وعلى الحظ وانضباط القبائل والطابع اللطيف للعشب الليبي من أجل مستقبل سلمي." وفي الأشهر التي تلت ، أثبتت مذكرة صحتها فليتمان، لكن الحلفاء الغربيين في ليبيا شغلتهم السياسة الخارجية والأزمة السورية مما عزل ليبيا الى الخطوط الخلفية.
وأصبحت البلاد في حالة فوضى منحلة أدت الى حرب أهلية زعزعت الاستقرار في المنطقة مما اثار أزمة اللاجئين في أوروبا وسمح لداعش بإقامة ملاذ لهم في ليبيا، والذي أصبحت الان أمريكا في أمس الحاجة لاحتواء قدرة هذا التنظيم، وصرح المتحدث باسم الحكومة المؤقتة محمود شمام " لا أحد سيقول أن الأوان قد فات، لا أحد يريد ذلك، ولكنني خائف من أن القليل من الوقت بقى لليبيا."
وأشارت التقارير الإعلامية الى قيام كلينتون بزيارة قصير الى ليبيا في تشرين الأول/أكتوبر على أنها زيارة النصر، ولكن كان هذا اعلان سابق لأوانه بالتأكيد، وكانت الاحتياطات الأمينة الاستثنائية أثناء الزيارة دليلا على ذلك، حث تمركزت السفن قبالة السواحل في حال احتاجت لإخلاء طارئ، كما اتضح لم يكن هناك أحداث عنف، ولكن المشاهد الاحتفالية في العاصمة الليبية أظهرت بالفعل الانقسامات الحادة في النظام الجديد.
والتقطت كلينتون في تلك الزيارة صورا في المستشفى والجامعة ومكاتب الحكومة مع قادة تلقوا تعليمه في الغرب ممن أصبحوا قادة في الحكومة المؤقتة، وأشادت بوعد الديمقراطية، وأعلنت وهي تقف الى جانب السيد جبريل " انا فخورة بأن قف على أرض ليبيا حرة، انه لشرف عظيم أن نرى مستقبل ليبيا جديد يولد، وأمامنا تحد كبير، ولكن الشعب الليبي أثبت عزمه لتحقيق أهدافه" ، ولكن أينما ذهب كلينتون، ظهر الوجه الأخر للمتمردين، حشود مدججيين بالكلاشنكوف، في مواكب يهللون فيها، وكانت كلينتون مسرورة بالمنظر ولكن طاقم حراسها الأمني شاهد فوضى مقلقة.
وأشار كبير محامي وزارة الداخلية هارولد كوه الذي سافر مع كلينتون على متن طائرة عسكرية أمريكية الى ليبيا أن طلاب جامعة طرابلس كانوا يتساءلون عما يمكن لأمريكا أن تفعله في تحقيق السلام في بلادهم، وأخبر أحد الطلاب السيد كوه " نحن نعرف ما يمكن لأمريكا أن تفعل بالسلاح، ولكن ماذا يمكنكم أن تفعلوا أيضا؟"
وكتب السفير الأمريكي جين كريتز بعد مغادرة وفد كلينتون لسكرتير الدولة شيريل ميلز يقول فيها أن ليبيا بيئة فوضى مثالية، وفهمت كلينتون بالتأكيد صعوبة الانتقال الى مرحلة ما بعد القذافي في ليبيا، ففي شباط/فبراير قبل بدء قصف قوات التحالف أشارت الى أن التغيير السياسي في مصر أثبتت وجود اضطرابات على الرغم من وجود مؤسسات قوية
ليبيا يوم 16 اذار/مارس 2012" src="http://www.emiratesvoice.com/img/upload/emiratesvoicerr1.jpg" style="height:350px; width:590px" type="image" />
وأكدت :"اذا لكم أن تتخيلوا مدى صعوبة الأمر في بلد مثل ليبيا، في ظل حكم دمر كل أساس المؤسسات، ولم يخلق جيشا أبدا، بحيث لا ينقلب عليه." وفي وقت مبكر وضع مستشار الأمن القومي للرئيس توم دونيلون خطة تسمى " ما بعد القذافي" ساعد من خلالها كلينتون لتنظيم مجموعة اتصال تضم البلدان التي تعهدت بالعمل من أجل مستقبل مستقر ومزدهر، وفي أوائل عام 2012 كانت كلينتون تقوم بعشرات الاجتماعات الدولية بشان ليبيا وهي جزء من جدول مرهق من السفر في مهام رسمية.
ونصحت الخبير في شؤون الشرق الأوسط المخضرم في مجلس الأمن القومي دنيس روس دون جدوى لنشر قوة لحفظ السلام في الخارج، ولكن عندما بدأ النفط بالتدفق مرة أخرى من الابار الليبية كانت مفاجأة سارة، سر الرجل من الطريقة التي بدأت تسير عليها الأمور، ويشير " كنت أشعر بالقلق إزاء الاحداث السريعة التي تعيق تشكيل قوات أمنية متماسكة، ولكن الأشهر الستة الأخيرة من عام 2011 أظهر قد لا بأس به من التفاؤل."
وكان بعض القادة الذين قضوا عقود من المنفي أكثر دراية بالجامعات الامريكية والأوروبية من القبائل الليبية والمليشيات التي أنشئت مؤخرا، وكان أشخاص مثل السيد جبريل مشتبه به بسبب الأدوار السابقة التي لعبها في نظام القذافي، وكان من الواضح أن المقاتلين لم يأخذوا أبدا الأوامر من قادة ليبيا الجدد.
وكشف أحد أعضاء المعارضة وقائد في حزب سياسي بارز محمد على عبد الله " يجب أن يكون واضحا لدى أي شخص أن هناك تناقضات واضحة في تركيبة المعارضة وأن الوحدة لن تستمر."
وأشار مستشار الشؤون الليبية في طاقم كلينتون " لقد كانت الإدارة الامريكية تبحث عن موحد على غرار نلسون مانديلا لذلك كان السيد جبريل خيار مغري، وكنا دائما نقول ان هذا الرجل يمكن أن يوحد كل الأطراف، في الوقت الذي كان يتوجب علينا البحث في ميزان القوى، وهي لعبة لم نكن جيدين بها في ذلك الوقت."
وبدت الانتخابات التي أجريت بعد تسعة أشهر من مقتل القذافي أي في تموز/يوليو 2012 سابقة لاوانها، ولكن الجدول الزمي للمعارضة حرص على الوفاء بوعوده للغرب، ويبين عضو في الحكومة المؤقتة وعاش في كاليفورنيا لسنوات عددي وهو اليوم سفير في تركيا مختار أبو دورزاج " فجأة أصبح ليدنا أحزاب سياسية، الاخوان المسلمين وجبريل وكل هؤلاء الرجال يفكرون في أنه حان الوقت لإجراء الانتخابات في الوقت الذي لم نكن فيه مستعدين لها بعد."
ولم يكن هناك أي مجال للشك في الصعوبات الكبير بحلول كانون الثاني/يناير 2012، فتراجعت شعبية السيد جبريل فاضطر للتنحي عن منصبه كرئيس للوزراء ، واتهمه داعية إسلامي بحرف مسار الامة نحو عهد جديد من الاستبداد والديكتاتورية، وحل محلة عبد الرحيم الكيب وهو الأستاذ في الهندسة والذي درس لسنوات في جامعة ألاباما.
وأرسل الصديق القديم لكلينتون سيدني بلومنتال في يوم 5 كانون الثاني/يناير رسالة لها بالبريد الالكتروني يضعها في صورة الكواليس في ليبيا، وكتب قسم كبير منها قائد متقاعد في السي أي ايه تايلور درامهيلر والذي توفي العام الماضي.
ويفصل الايميل التوترات التي تعصف بين الإسلاميين والعلمانيين حول دور الشريعة الإسلامية، الى جانب القتال المتناحر بين المليشيات المرتبطة بالمدن، وزيارات هذه المليشيات المتكررة لمكتب السيد كيب للمطالبة بتنازلات، ويقول الإيميل " يؤمن السيد الكيب انه ان لم يتمكن من نزع سلاح المليشيات وتلبيه مطالبهم في الأشهر الستة المقبلة فان المزيد من العنف سيتصاعد بين الجماعات المتنافسة ويمكن أن يتطور الأمر لحرب أهلية." وأعادت كلينتون ارسال الرسالة الى السيد سوليفان مساعدها السياسي مع تعليق واحد " مقلقة".
ويفترض أن تشجع مثل هذه التقارير العمل في واشنطن ولكن هذا لم يحدث، فبعد سقوط القذافي، مع الحد الأدنى من العنف والقيادة المؤقتة نزلت ليبيا بسرعة من أعلى قمة جدول اعمال الإدارة الأمريكية، وتوقفت اجتماعات غرف العلميات العادية حولها، واتجه الجميع بكل بساطة الى الثورة في سوريا والتي تقع في قلب الشرق الأوسط ولديها ما يقرب من أربعة أضعاف سكان ليبيا، ولم يكن عدم الاهتمام بليبيا اهمالا وإنما سياسة، وأشار ديريك شالوت الذي تعامل مع قضية ليبيا في مجلس الأمن " كان الرئيس وكأنه يتطلع لعراق جديدة في سوريا، ولكن الأوروبيون كانوا يصرون على الاستثمار في ليبيا نظرا لأنها من جيرانهم."
وكان الموقف الأمريكي يستند أن أمريكا ستقدم المساعدة فقط عندما تطلب ليبيا وعندما تدفع لهم من عائدات النفط، وفي الممارسة العملية كانت هذه الشروط تعني أن أمريكا لن تفعل سوى القليل في ليبيا، وبالرغم من أن ساركوزي وكاميرون زارا ليبيا سويا الى أنهما سرعان ما صرفا النظر عنها بحملات اعادة الانتخاب والمخاوف الاقتصادية.
وأصر القادة المؤقتين على سذاجة القومية وبأنهم على الأقل في العلن لا يريدون تدخل خارجي، وكانوا خائفين جدا من القوات الأجنبية ورفضوا السماح للأمم المتحدة بإرسال قوة أمنية لحماية مجمعها، وكانوا حريصين جدا على تحمل مسئولية بلادهم.
وزاد الاقتتال الداخلي سوءا بمرور الوقت، وضغطت كلينتون على الإدارة لبذل المزيد من الجهد وطلبت من وزارة الدفاع الامريكية على سبيل المثال أن تساعد في تدريب قوات الامن، ولكنها كانت محاصرة بقيود الرئيس وبمقاومة الليبيين لأي تدخل خارجي، وتعثرت حتى أكثر المقترحات تواضعا، فمساعدوها اقترحوا ارسال سفينة لعلاج الجرحى المقاتلين الليبيين الا أن مجلس الامن رفض هذه الفكرة.
واحترمت كلينتون علاقتها مع الرئيس وسلطته لوضع السياسات وأبدت انضباط كبير في الانصياع للأوامر، وتحدث مساعد وزيرة الخارجية للشؤون العسكرية والسياسية اندرو شابيرو في واشنطن في شباط/فبراير عام 2012 عن الجهود المبذولة لحشد استجابة دولية لإيجاد وتدمير مخابئ الأسلحة، ولكنه أقر بأن وعد برنامج ال40 ميلون دولار التي أعلنت عنها كلينتون لم تسر على النحو المأمول، حتى عندما تعلق الامر بالأسلحة الأكثر قلقة، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة الصواريخ التي تطلع من الكتف وقادرة على اسقاط طائرة، ولم يستطع أحد أن يعرف كمية الأسلحة التي فقدت وأين ذهبت
وخبأ القذافي الكثير من الأسلحة في الصحراء،حيث تعرف الإدارة الامريكية أنه يملك الكثير من السلاح، عشرة اضعاف ما استطاعت العثور عليه، وفي الوقت الذي تحركت فيه السي أي ايه بسرعة لتأمين الأسلحة الكيميائية التي كانت بحوزة القذافي، تراجعت جهودها لتأمين غيرها، وكان حجر العثرة في أن إدارة أوباما كانت تتفاوض مع وزراء ليبيين مؤقتين وكأنهم يمثلون الحكومة الموحدة وفي الواقع لم يكن لهم أي سلطة، ومجرد جزء من منافسين أخرين.
وكشف كبير مساعدي الامن لنائب الرئيس جوزيف بايدن أنتوني بلينن " أعرف أن هذا يبدو صعب التصديق، ولكن لشهور وشهور لم نستطع ان نعثر على شخص في الحكومة للتوقع على اتفاق حول أي شيء، بما في ذلك العروض المفصلة للمساعدة الأمنية، كان هناك شلل تام."
وكانت فكرة الأمريكان الأساسية فيما يتعلق بتأمين الأسلحة هي إعطاء الحكومة الانتقالية فرصة لشرائها فيما بعد، الا أن المسئولين الليبيين فشلوا في تنفيذ برامجهم، فوجدت وزارة الخارجية الأمريكية والسي أي ايه الا مفر من محاولة عقد اتفاقات مع المليشيات، ولكن كان هناك حافز قليل للبيع.
وحفّزت خطة الامريكان حول السلاح المليشيات لاستيراد الأسلحة لبيعها، للأمريكان وأوضح علي زيدان الذي أصبح رئيس وزراء في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012 " اذا ارتدت ان تشتري أسلحة فعليك حماية الحدود، وأدت الحدود المفتوحة الي تجارة المقاتلين للأسلحة."
ووصفت منظمة العفو الدولية ليبيا في تقرير نشرته في شباط/فبراير 2012 بأنها مكان خارج عن السيطرة، وفي نفس الشهر حذر السفير الأمريكي كريتز برسالة بالبريد الالكتروني أن الانتخابات المزمع عقدها ستجري في سياق سيطرة المليشيات، وبأن التنافس الخطير بين المليشيات ما زال قائما، وأرسلها الى مستشار كلينتون السيد سوليفان، وأصبحت الدائرة المغلقة من مساعدي كلينتون تصف إنجازاتها بليبيا بالقلق المزعج الذاهب الى الجنون، ولكن عندما ذهب الليبيون الى صناديق الاقتراع في السابع من تموز/يوليو فيما وصفها المراقبون الدوليون بأنها انتخابات نزيهة مع اقبال كبير والقليل من العنف، كانت كلينتون وغيرها يشعرون بالارتياح.
وبدا واضحا أن الربيع العربي في مصر وتونس اختار الحكومات التي يقودها الإسلاميون ولكن في ليبيا تألف التحالف الفائز من الأحزاب السياسية التي ترتبط بعلاقة ودية للغرب بقيادة السيد حبريل، وفي الشهر التالي نزلت حشود الى الميدان تردد أن دم الشهداء لن يذهب هدرا، ونقلت السلطة الى المؤتمر الليبي الوطني العام المنتخب، وهو أول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ ليبيا، ولكن استمرار السلام في ليبيا كان مستحيل، فنقل سفير فرنسا لدى أمريكا جيرار أرود ان أمريكا أعادت نفس الخطأ في ليبيا مثل العراق عندما نظمت انتخابات في بلد لا خبرة فيه عن التسوية أو الأحزاب السياسية، وفي بلد يسيطر عليها العقل القبلي.
وظهرت في ذلك الوقت فكرة نائب قائد لواء شهداء 17 فبراير مصطفي ماجزلي، الذي بذل قصارى جهده في رعاية مجنديه في واحدة من أكبر وأكثر المليشيات المتمردة قدرة، وقال أنه شعر بأن هذا كان واجبه حتى بعد انتهاء الثورة، وبعد فترة وجيزة من مقتل العقيد القذافي جمع هذا الرجل الحائز على شهادة من جامعة ولاية يوتا وكلية لندن للاقتصاد مجموعة من المقاتلين في بنغازي، وكان يعرف ان المليشيات بنيت على أعمق تناقضات ليبيا، وهي الانقسامات القبلية والولاءات الإقليمية ودور الإسلام الصحيح، وانه لا يمكن أن تتقدم البلاد الا اذا دمجت هذه المليشيات في المجتمع المدني وبنى جيش نظامي بدل عنها، وسألهم عما يحتاجون، وعن أحلامهم، وكانت أحلامهم بسيطة فبعضهم أراد مساعدة للزواج أو منحة للدراسة، وسرعان ما أنشأت الحكومة الانتقالية لجنة لشئون المحاربين برئاسة الرجل شخصيا، وكان العديد من بين 162 ألف مقاتل سجلوا أميين وبحاجة الى التعليم، وسعى بعضهم للانضمام الى قوة الشرطة أو الجيش الجديد فيما كان نصفهم يأمل في البدء بتجارة صغيرة.
وكان الامر في غاية البساطة فاخذ السيد مصطفي مقترح الى الحكومة الانتقالية يقضى بأن تقوم كل وزارة مثل العمل والداخلية والدفاع باستيعاب هؤلاء المقاتلين حسب رغباتهم، وكانت الحكومة تملك وفرة من المال فكلينتون ضمنت تحرير مليارات من الدولارات من الأصول الليبية التي جمدتها العقوبات ضد القذافي، وبدل من ان تذهب الأموال لتسريح المليشيات ذهبت كرواتب تدفع للمقاتلين لاتقاء شرهم، ففي احدى المرات اقتحمت قوات من المليشيات مكتب رئيس الوزراء بالسلاح وأطلقت الكثير من النيران في الجو طلبا لرواتبهم، وأصبح من الصعب نزع سلاح المليشيات مع كتابة الدستور لأن كل فصيل وقبيلة شعر بحاجته للأسلحة لحماية مصالحة في العملية الدستورية، وأصبح زيدان رئيسا للوزراء ودعم برنامج مصطفي ساجزلي من جهة واستمر في دفع رواتب المليشيات من جهة أخرى، وبدون وجود الشرطة أو الجيش أصبح المسئولين المنتخبين يعتمدون على المقاتلين بشكل متزايد والذين يستمرون بدورهم في ابتزازهم.
وناشد المسئولون في الائتلاف الحكومي المعتدل أمريكا بوقف قطر عن ارسال المال والسلاح للمليشيات الإسلامية في ليبيا، في المقابل اتهم الإسلاميون الامارات بدعم معارضيهم وخصومهم السياسيين، وتدفق المزيد من السلاح الى لبيبا، ومما زاد الامر سوءا هو افتقار المسئولين للإرادة لنزع سلاح المليشيات.
ودفعت كلينتون بنجاح خلال الثورة الليبية عام 2011 الى تسليح المعارضة معربة عن أملها في أن تتوقف قطر عن ارسال الاسلحة للفصائل المتمردة، ولكن هذا لم يحدث، وكانت تدعم أيضا تسليح وتدريب الثوار السوريين للإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وواجه خط كلينتون الناشط حذر الرئيس أوباما العميق من مزيد من التورط في الشرق الأوسط، وخسرت النقاش فيما يتعلق بتسليح المعارضة السورية، ولم تجد أي شيء تعرضه على القطريين، وبالتالي طلبت من مساعديها الحصول على بديل، واقترح بعضهم بتقليل المساعدات العسكرية الى قطر أو تهديد نقل المعدات العسكرية الامريكية لأي مكان أخر في المنطقة، ولكن أيدي الشرق الأوسط الخفية في وزارة الخارجية دفعت دون حصول ذلك، من خلال طرح فكرة ان هذا لن يأتي سوى بنتائج عكسية، واعترضت على فكرتها وزارة الدفاع وبشدة، وكان لها تاريخ يبلغ 20 عاما من التعاون الوثيق مع قطر التي استضافت قواعد عسكرية أمريكية جوية، وفي النهاية لم يكن أمامها الا الدبلوماسية الهادئة، ولكن كل مساعيها لم تجد اذانا صاغية، فكانت ليبيا مكانا لتجارة الأسلحة.
وزادت تسلط المليشيات لدرجة لم تستطع الحكومة السيطرة عليهم بعد اليوم، وفي 8 اب/أغسطس أرسل السفير الأمريكي ستيفنز برقية الى واشنطن يصف فيها بنغازي بالمخيفة بسبب سلسلة الأحداث التي سيطرت على المشهد السياسي هناك، وحذر من فراع أمني، وبعد شهر من هذه البرقية قتل السفير مع أربعة أمريكان أخرين في حادث الاعتداء على المجمع الأمريكي المشهور في بنغازي.
ولم تنجح محاولات القاء اللوم بهجوم بنغازي على كلينتون وان كان يعتبر فشل كبير، فأصبح الإنجاز الكبير الذي فعلته في ليبيا رثا وباهتا، وفي شباط/فبراير 2013 تركت كلينتون وزارة الخارجية، وفي 2014 دقت طبول الحرب الأهلية المفتوحة في ليبيا مع تدفق اللاجئين عبر المتوسط ونشوء حكومتين متنافسين واحدة مدعومة من مصر والإمارات والأخرى مدعومة من قطر وتركي والسودان، في انقسام واضح.
ونفت كلينتون مؤخرا أي دور مركزي لها في التدخل في ليبيا وهو عكس ما وصفه مساعديها في رسائلهم الالكترونية طوال الأزمة الليبية، وقالت أنه كان قرار الرئيس في النهاية أمام جلسة مجلس النواب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وقالت أن التحالف العسكري الذي أطاح بالعقيد القذافي يمثل "القوة الذكية في أفضل حالاتها" ولكن وصف ليبيا " حالة كلاسيكية من خيار صعب"، وأصرت أن حكم التاريخ على التدخل ودورها في ذلك لم يصدر نهائيا بعد، وأضافت : " أعتقد أن الامريكان في بعض الأحيان يظهرون عدم الصبر، فيفكرون، لقد طردتم الديكتاتور فلماذا لا يوجد ديمقراطية ناضجة؟ ولكن أصيب أن هذا لا يحدث بين عشية وضحاها."
وأكدت التجربة الليبية الشكوك حول قوة الولايات المتحدة في تشكيل نتائج البلدان الأخرى، وهذا ما دفع أوباما لعدم تكرار التدخل العسكري المباشر في سورية، وفي ذات الوقت تخوفت كلينتون من الفراغ الذي سيخلفه غياب أمريكا عن أي قضية وخصوصا في الأماكن غير المستقرة، ووضحت أن البديل سيكون التطرف لمليء هذا الفراغ، والذي يهدد الأمن في كل مكان، بما في ذلك أمريكا نفسها.
أرسل تعليقك