برلين ـ جورج كرم
حقق الفريق المسؤول نجاح رحلة، هي الأولى من نوعها في تاريخ استكشاف الفضاء، دامت عشرة أعوام، حيث تمكنت مركبة الفضاء "روزيتا" من إنزال المجس "فيلاي" على سطح مذنب متحرك بنجاح.
وجاءت لحظة التخلص من التوتر في الساعة الرابعة عصرًا بتوقيت غرينتش، عندما سقط المجس "فيلاي"، بعدما انطلقت الإشارة إثر انتظار سبع ساعات، وانتشرت السعادة داخل مركز مراقبة البعثة لوكالة الفضاء الأوروبية، في مدينة دارمشتات الألمانية.
ودعا رئيس البعثة الجميع للحضور، وقال "نحن نجلس على السطح، نحن على المذنب"، بينما أضاف مدير عمليات الطيران أندريا اكومازو "لا يمكن أن نكون أكثر سعادة مما نحن عليه".
وتمّ تخفيف الاحتفالات بعد اكتشاف أنَّ المركبة الجديدة فقدت الرمح، ولم تطلقه جراء الجاذبية المنخفضة، ويعتقد العلماء الآن أنَّ اللجنة قد انطلقت بعد الوصول الأول والاتصال مع السطح.
ويعطي الهبوط الآمن العلماء فرصة فريدة لدراسة سطح المذنب، وما يحدث على السطح قرب الشمس، كما أنَّ الصورة الأولى التي تمّ بثها من المركبة كشفت عن المشهد الدرامي للمنحدرات والحفر والصخور، ومع ذلك، كان هناك ثغرات في الوصلة الرادوية، حين كانت "روزيتا" في المدار.
وتتمثل مهمة "روزيتا" في الكشف عن أسرار المذنبات المصنوعة من المواد القديمة، التي سبقت ولادة النظام الشمسي، حيث يأمل الباحثون معرفة المزيد عن كيفية تشكيل النظام الشمسي، والمذنبات التي تحمل الماء والمواد العضوية المعقدة، إلى الكواكب، وإعداد مرحلة الحياة على الأرض.
وأرسلت وكالات الفضاء العديد من المركبات الفضائية للتحقيق بشأن المذنبات، وليس على نحو "روزيتا"، ففي عام 1986، أطلقت "ناسا" مذنب "هالي"، وفي عام 2005 أطلقت المركبة الفضائية "ديب أمباكت"، ولكن دون نتيجة إيجابية.
ويمثل هذا الإنجاز نجاحًا عميقًا لوكالة الفضاء الأوروبية، التي أطلقت المركبة الفضائية منذ نحو عشرة أعوام من ميناء كورو، في غويانا في فرنسا، في عام 2004.
وأبرز المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية جان جاك دوردين، "نحن أول من يفعل هذا، وسنبقا إلى الأبد".
وكان عالم مشروع "روزيتا" مات تايلور، الذي اختار قميصًا ملونًا للغاية للاحتفال بالحدث، مثيرًا للإعجاب، وشجاعًا، وقد رسم وشمًا للمركبة والمذنب على جسمه.
وغرّد رائد الفضاء الكندي السابق، وقائد محطة الفضاء الدولية كريس هادفيلد، عبر صفحته على موقع "تويتر"، أنَّ "المذنبات هي المصدر الأصلي للمياه على الأرض، ولقد هبطنا الآن على الموقع، استعدادًا لإعادة كتابة ما نعرفه عن أنفسنا".
وهبطت المركبة بعد رحلة 510 مليون كيلومترات من الأرض، بين مداري كوكب المريخ والمشتري، على مذنب يندفع إلى الفضاء بقوة 18 كيلو مترًا في الثانية.
وفي الرحلات ذات المسافة البعيدة، تأخذ إشارات الراديو في السفر نحو نصف ساعة من سرعة الضوء للسفر من الأرض إلى المركبة الفضائية، مما يجعل التحكم في الوقت الحقيقي من الهبوط مستحيل.
وقضت روزيتا أسابيعًا تحلق حول المذنب، لرسم خارطة السطح، بغية أن يتمكن المراقبون عبرها تحديد موقع الهبوط، وواجهوا مفاضلة، فالموقع كان مسطحًا نسبيًا وخاليًا من الصخور، ولكن مع واجهة جيدة للمذنب كله، والكثير من أشعة الشمس لشحن بطارايات المركبة، ومع قائمة مختصرة من خمس نقاط، تحدد مكان الهبوط المحتمل، وصوّت العلماء والمهندسون بالإجماع على منطقة 1كيلومتر على رأس المذنب، التي سميت فيما بعد بـ"أجيلكيا".
وأفترض المسؤولون، في بداية البعثة، أنَّ المذنب سيكون على شكل البطاطس، وستكون فرص نجاح "روزيتا" في الهبوط 75%، وبعد رؤية التضاريس بات هدفهم بعيدًا، وانخفضت التوقعات إلى 50%، ولكنها ارتفعت مرة أخرى بعد تحديد موقع الهبوط، إلا أنّ الثقة لم تدم طويلاً، فقد فشلت المركبة في الاستجابة لبعض الأوامر، وكانت على وشك العودة إلى الأرض.
وحاول المهندسون لساعات إصلاح الخطأ، ولكن دون جدوى، هذا العطل هدد بإفشال المهمة، ولكنهم بعد ذلك قرروا الاستمرار وغض النظر عن ذلك العطل.
وقبل ساعة واحدة من الهبوط، اتجهت المركبة إلى المسار الصحيح، وأشار أولماك، من مركز الفضاء الألماني، إلى أنه "بدا كل شيء رائعًا".
وأظهرت القياسات أن المركبة تدور، ولكن ليس بطريقة تسبب مشاكل، ومع دورانها حول المذنب، التقطت "روزيتا" المزيد من الصور عالية الدقة وجمعت المعلومات عن كثافة الحرارة والمواد الكيميائية، والتقطت صورًا للغبار والغازات ونواة المذنب حين يقترب من الشمس.
ويمكن للمجس حفر نحو 20 سنتيمترًا من على سطح المذنب، وجمع عينات من المواد الموجودة تحته، لاختبارها على الفور، فعلى متن المركبة يوجد عشر أدوات، بما في ذلك واحد من الجامعة المفتوحة تدعى "بطليموس"، والتي سوف تخبز قطعة من مادة المذنبات، وتحليل الغازات المنبعثة، لبناء صورة لتكوين المذنب.
ومن المقرر استمرار البعثة "روزيتا" حتى كانون الأول/ديسمبر 2015، ولكن إذا بقي ما يكفي من الوقود في خزنات المركبة الفضائية، سيمدد المراقبون المهمة إلى ستة أشهر.
أرسل تعليقك