اتهم زعيم تيار المستقبل ورئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، حزب الله، من دون أن يسمّيه، بعرقلة انتخاب رئيس الجمهورية، المنصب الشاغر في البلاد منذ 21 شهرًا، رافضًا محاولات البعض تهديد مصالح لبنان والتحامل على الدول الشقيقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وتحويل لبنان تحت أي ظرف إلى ولاية إيرانية.
وألقى الحريري خطابًا في الذكرى الـ11 لاغتيال والده، رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وسط بيروت، في الزيارة الثالثة له للبلاد منذ خروجه من الحكم العام 2011، بمشاركة الآلاف تتقدمهم قيادات 14 آذار وممثلون عن التيار الوطني الحر وتيار المردة الذي يشارك للمرة الأولى في مثل هذه المناسبة.
وأكد الحريري في خطابه أن أن واجبه الأول والأخير وضع حد للفراغ في رئاسة الجمهورية في لبنان؛ لأن استمرار الفراغ كارثة، مع أن بعضهم لا يزال يقول إنه لا ضرورة للعجلة بعد 21 شهرًا من الفراغ، وأنه لا مانع من أن تصبح 24 أو 36 شهرًا، في إشارة ضمنية إلى حزب الله، وأن البلاد تمتلك 3 مرشحين: الوزير سليمان فرنجية، والجنرال ميشال عون، والنائب هنري حلو.
وأوضح بقوله: يمكن أن يكون هناك مرشّحون آخرون، فلدينا دستور ونظام ديمقراطي يقول: تفضّلوا إلى مجلس النواب وانتخبوا رئيسًا، إلا إذا كان مرشحكم الحقيقي هو الفراغ؟ أمّا أن يحمّلونا مسؤولية الفراغ، بعد 21 شهرًا من تعطيل جلسات انتخاب، ويقولوا إمّا أن يعلن تيار المستقبل أن الجنرال عون مرشّحه، أو أن الفراغ سيستمرّ وليست هناك عجلة، فهذا أمر لا ينطلي على أحد، تقاطعون كل جلسة، وتمنعون النصاب، ولا تقبلون إلا أن تعرفوا النتيجة سلفًا، وتريدون تحميلنا نحن المسؤولية؟ فمقاطعة الجلسات غير دستورية لأن الحق الدستوري ملك الدستور والبلد والمواطنين، هذه رئاسة الجمهورية ولا يحق لأحد مقاطعة الجلسات، وإذا كانت لدينا جرأة المبادرة لتحريك المياه السياسية الراكدة من منطلق يتجاوز المصالح الخاصة للمستقبل إلى مصلحة لبنان في إنهاء هذا الشغور.
وتميز الاحتفال بحضور الحريري شخصيًّا إلى جانب حلفائه في 14 آذار، ما أضفى طابعًا جامعًا على هذه المناسبة، رغم الاختلاف بين الأول الداعم لترشح زعيم "المردة" النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وبين رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، الذي تبنى ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح، العماد ميشال عون، ويقف بينهما في منتصف الطريق الرئيس أمين الجميل الذي يؤيد البحث عن مرشح ثالث للرئاسة من خارج هذين الاصطفافين.
ولقي حضور الجميل وجعجع المناسبة بتصفيق حادٍ من المدعوين، زاد بعد تبادلهما القبلات مع الحريري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزير العدل أشرف ريفي، الذي لبى الدعوة، رغم ما كان صدر عن زعيم "المستقبل" بأنه لا يمثله، وأيضًا النائب خالد الضاهر "المتمرد" على قرار "المستقبل" دعم ترشيح فرنجية والمؤيد لترشيح عون، بينما غاب عن المناسبة حزب الله وحزبا البعث والسوري القومي الاجتماعي؛ لأن الدعوة إلى المشاركة في هذه المناسبة لم تشملهم.
ومع أن الحريري لم يرشح في خطابه الذي ألقاه، النائب فرنجية للرئاسة، فإنه عرض لشريط الترشيحات لها، بقوله: نريد أن نضع حدًا للفراغ، وكان 4 من الزعماء المسيحيين التقوا في بكركي واتفقوا برعاية البطريركية المارونية على أنه ما من مرشح مقبول للرئاسة إلا أحدهم، بدأنا بمحاولة إنهاء الفراغ بجعجع مرشحنا ومرشح 14 آذار، ونزلنا 35 مرة إلى البرلمان من دون نتيجة وبقي الفراغ، وفي هذه الأثناء طرحت داخل 14 آذار فكرة أنه إذا لقي الرئيس الجميل قبولاً من 8 آذار أو من أي طرف فيه يسحب جعجع ترشيحه لمصلحته، هذا الأمر لم يحدث وبقي الفراغ وكنا قبل ذلك فتحنا حوارًا مع عون، وكانت نتيجته تشكيل حكومة جديدة لكن لم نتوصل إلى نتيجة في ملف الرئاسة.
ورد الحريري على الذين يشيعون أنه أيّد ترشيح عون للرئاسة قائلًا: لم نرشحه، بعكس ما يقول بعضهم اليوم ولا حتى وعدناه بتأييد ترشيحه، وبقي الفراغ، ولم يبق من هؤلاء الأربعة إلا فرنجية، وفتحنا حوارًا معه بعدما رفض كل الأطراف، حلفاء وخصومًا، تبني مرشح توافقي من خارج الأربعة، والتقيت فرنجية في باريس بعدما أقفل كل مجال وتوصلنا معه إلى تفاهم وهذا التفاهم سمعتموه منه كما هو في مقابلته التلفزيونية، والهدف هو إنهاء الفراغ ووضع حد للتدهور والعمل على تحسين وضع لبنان السياسي والاقتصادي والمعيشي وحماية النظام والسلم الأهلي.
واعترف الحريري بأن خطوته حيال فرنجية خلطت الأوراق وأرغمت الجميع على إعادة وضع إنهاء الفراغ الذي كان الجميع قد نسيه، مضيفًا: نحن فخورون بهذه النتيجة التي أدت بحلفائنا في القوات اللبنانية لأن يتوصلوا، بعد 28 عامًا، إلى مصالحة تاريخية مع عون، ونحن أول من رحب بها ويا ليتها، بس يا حكيم، حصلت قبل زمن بعيد، كم كانت وفرت على المسيحيين ولبنان.
وأعلن الحريري أن "المستقبل سيكون أول الحاضرين، وسنكون أول المهنئين لمن ينتخبه البرلمان رئيسًا، أما أن يحمّلونا مسؤولية الفراغ بعد 21 شهرًا من تعطيل جلسات الانتخاب، ويقولون إما أن يعلن المستقبل أن عون مرشحه أو أن الفراغ سيستمر، وليست هناك عجلة فهذا لا يركب على قوس أحد ولا ينطلي على أحد".
وألمح الحريري إلى حزب الله، من دون أن يسميه، بقوله: نحن لا نلعب أي دور إقليمي وفخورون بأن ليس لدينا أي دور في الدم السوري وفي الدم العراقي واليمني، وإذا كانت هذه تهمة فهي مقبولة وبفخر، ونحن لا دور لنا إلا بالاعتدال والحوار والبحث عن الحلول، وغيرنا يريد أن يلعب أدوارًا عسكرية ويغرق بدماء شعوب عربية ويريد أن يرسل شباب لبنان إلى الموت خارج الحدود، هذه مشكلته وجريمته وليست تهمتنا، أو ستقولون لنا أن هذا أيضًا حق دستوري؟ نحن نريد رئيسًا لنتخلص من الفراغ ودفعنا الثمن غاليًا داخليًا وخارجيًا.
كما انتقد من وصفهم بـ"الذين يعرضون مصالح لبنان للخطر ويتحاملون على الدول الشقيقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي"، مشددًا على أن زمن الوصاية السورية لم يستطع أن يفبرك أشخاصًا أكبر من لبنان، وكذلك زمن الاستقواء الإيراني لن يستطيع أن يصنع قادة أكبر من لبنان، لن نسمح لأحد بجرّ البلاد إلى خانة العداء للسعودية ولأشقائه العرب، ولن يكون لبنان تحت أي ظرف من الظروف ولاية إيرانية، نحن عرب وعربًا سنبقى.
وفي أول تعليق على خطاب الحريري، ذكر رئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط، بعد لقائه الرئيس نبيه بري في حضور الوزيرين وائل أبو فاعور وعلي حسن خليل: في الحوار الذي أرساه بري توصلنا إلى مواصفات الرئيس واليوم هناك 3 مرشحين فلنتفضل وننزل إلى البرلمان لننتخب الرئيس وكلام الحريري كان ممتازًا وفاتحة طريق على اللعبة الديمقراطية ومتفقون معه.
هذا وأعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أعرب الماضي، عن أسفه للفراغ الحادث في رأس السلطة في لبنان، معتبرًا أنه قد يصبح أمرًا خطيرًا، وبحسب وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، دعا كل من السعودية وإيران إلى المساهمة في إيجاد حل للفراغ الرئاسي هناك.
وذكر مصدر رسمي في الخارجية الفرنسية، بحسب صحيفة "السفير" اللبنانية، أن باريس لا تؤيد أي مرشح بشكل خاص، وأن موقف فرنسا واضح وثابت في الدعوة لحل سريعٍ للجمود السياسي والمؤسساتي في لبنان، وفي مقدمته الفراغ الرئاسي.
وأوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن فرنسا ستساند كل الإجراءات الكفيلة بضمان أمن لبنان وصونه من تداعيات الأزمة السورية، داعيًا إلى تشجيع اللبنانيين على اعتماد حل سياسي جامع يضمن وحدة البلد واستقراره واستقلالية مؤسساته والحفاظ على سياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية.
وأعلن الزعيم المسيحي اللبناني، سمير جعجع، دعم ترشيح منافسه ميشال عون لرئاسة لبنان، وبحسب وكالة "رويترز"، فإن هذه الخطوة تصب في صالح الأخير لشغل موقع الرئاسة الشاغر، في مظهر نادر للوحدة في المجتمع المسيحي الذي مزقته الانقسامات السياسية لأعوام، إذ يحتاج عون تأمين دعم أوسع لتولي المنصب المحجوز للمسيحيين الموارنة في إطار النظام السياسي في لبنان.
أرسل تعليقك