أكد عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق هيمن باجلان، أنَّ ظاهرة الانتحار في المجتمع العراقي آخذة في التوسع والانتشار الكبيرين، ولم تقتصر هذه الظاهرة الخطرة على جيل معين، بل شملت الأطفال والشباب والشيوخ على حد سواء.
وأوضح باجلان في مقابلة مع "صوت الامارات" أنَّ الظاهرة تزداد في المجتمع العشائري أكثر من غيره، حيث تشهد المناطق الجنوبية من العراق، ومناطق إقليم كردستان حالات عديدة من الانتحار، وخصوصا بين النساء، مؤكدًا أنَّ "الانتحار أصبح ظاهرة بعد أن كان يعد حالة بسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية"، مستدركا: "إلا أن الحكومة تقوم بالتعتيم على هذه الظاهرة من خلال عدم بيان السبب الرئيسي للموت في الأوراق التحقيقية لدى الشرطة العراقية".
وأوضح أن "المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق تستقي حالات الانتحار من خلال الإحصاءات الموجودة في وزارة الداخلية ودائرة الطب العدلي، ولكن الملفت أنه لم تسجل في كلا الجهتين حالات للانتحار سوى واحدة في إحدى المنطقة الجنوبية".
ولفت باجلان إلى أن "أسباب الانتحار تتراوح بين البطالة والضغوط الاجتماعية والعنف الأسري، وتراجع الثقافة الروحية، فضلاً عن عدم الاهتمام الحكومي الجدي بالشباب، وذلك في مناطق متفرقة من العراق".مشيرا إلى أن هذا "يولد حالة من اليأس وبالتالي يؤدي إلى الانتحار".
كما أشار إلى أن "التطرف في الدين يؤدي أيضا إلى الانتحار، ولو أن الشخص الذي يفكر في الانتحار عرف أن الإسلام هو الدين الذي يدعو للأمن والأمان والسلام والحب والخير لما لجأ إلى الانتحار".
ومن الأسباب الأخرى أكد باجلان، أنَّ "عدم مراعاة الظروف النفسية للأبناء تؤدي أيضا إلى اللجوء إلى الانتحار"، مشيرا إلى أن "محاسبة البنت أو الولد عن رسوبه في الدراسة وتعنيفه بشده يؤدي إلى التفكير في الانتحار واللجوء إليه"، مستدركا "لكنها ظاهرة تعد قليلة نسبة إلى الظواهر الأخرى".
وأبرز عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية أن "لدى المفوضية دراسة كاملة وضعتها لمعالجة ظاهرة الانتحار وأنها تعمل على نشره بين أفراد المجتمع العراقي، إلا أن الوضع الصعب الذي تمر بها البلاد في التقشف حال دون نشره وتوقف العمل به".
وأوضح باجلان أن "المفوضية ركزت اهتمامها على معرفة الأسباب الحقيقة لتلك الظاهرة للحد من انتشارها من خلال برامج تثقيفية تبدأ من المدارس والجامعات ووسائل الإعلام"، داعياً رجال الدين والجهات الإعلامية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني لممارسة دورهم لتطويق هذه الظاهرة الخطيرة والحد من استفحالها.
ونوّه إلى أن "طرق الانتحار تراوحت بين الشنق بالحبل والغرق واستخدام السلاح ناري والحرق، موضحا أن الطرق الأكثر شيوعا للانتحار في العراق حاليا هي عن طريق تناول العقاقير الطبية بكميات كبيرة للنساء، وإطلاق رصاصة على الرأس بالنسبة للرجال، بعد أن كانت سابقا عن طريق الحرق للنساء والشنق بالنسبة للرجال".
من جانبه أكد الإعلامي محمد عبدالخالق أنَّ "حالات الانتحار بين الشباب والفتيات باتت حديث الشارع أخيرا، ولم يمر أسبوع واحد من دون أن يرد إلينا خبر حالة أو حالتان للانتحار وخصوصا في المحافظات الجنوبية"
وكشف عبد الخالق في حديث إلى "صوت الامارات" أن "دوافع الانتحار تعود إلى عدة أسباب، بينها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي أشاعت حالة اليأس في النفوس، كما أن البطالة وتضاؤل فرص التعيين أمام الشباب والخريجين أدت إلى حالات الاكتئاب وساهمت في ترسيخ ظاهرة الانتحار وهي نهاية مؤلمة للشباب" .
ويرى المواطن رشيد الصالح أن "الأسباب وراء الانتحار هي تراكم النكسات كالفشل اجتماعيا في العلاقات والضغوط نفسية التي لا يحتملها الإنسان الطبيعي ماديا ومعنويا".
وبين الصالح إلى "صوت الامارات"، قائلًأ: "إذا سلطنا الضوء على هذه الظاهرة نجد أن الوحدة والتقوقع هي السبب الرئيسي"، مشيرا إلى أن "ثقافة الطبيب النفسي معدومة في المجتمع العراق على عكس المجتمعات الغربية التي تكافح هذه الظاهر بإنشاء جلسات نفسية مبرمجة لكل مواطن لتنظيم التفكير وطرق التعامل مع المحيط الاجتماعي".
وأشار إلى أن لجوء الأطفال للانتحار يعود إلى عدّة أسباب من بينها "انعدام الحوار داخل الأسرة، وسلبيات المؤسسات التربوية، والانقطاع عن الدراسة، والعنف المسلط على الأطفال سواء في المدرسة أو الإهمال في البيت، بالإضافة إلى الإدمان وحبوب الهلوسة المنتشرة في بعض المدارس الابتدائية في العراق".
وشخَّص الطبيب النفسي عصام العبيدي أن "الانتحار ليس صدفة بل ناتج تفكير وتخطيط يحدث في لحظة نضوج الفكرة وان الأسباب كثيرة ومجتمعة تؤدي إلى يأس وقنوط، بل رؤية الحالة السوداوية الأمر الذي ينضج الإقدام على الانتحار برغبة مستفيضة".
وزاد: "يلجأ للانتحار بعد ما يكون في حالة نفسية يرثى لها كأن يشعر أنه خسر شيء ما أو يمر باضطرابات نفسية أو لإحساسه أنه فقد كل شيء واليأس تغلب عليه ولا يستطيع أن يغير شيء، كما يتصور أنه تائه ضائع بلا عنوان".
وتابع العبيدي أنّ "في حالة الابتعاد عن الإسلام، وعدم المعرفة والجهل بالقرآن، يكون فكر الإنسان وعقله صوب الانتحار بسبب الفراغ الذي يشعر به، و يعاني من الوحدة وعدم وجود أحد إلى جانبه يرشده ويوعيه".
وأكمل" "ويبقى إعداد المنتحرين من كلا الجنسين غير معروف بسبب التعتيم الذي تفرضه الحكومة العراقية متمثلة في وزارة الداخلية وسجلات الشرطة العراقية التي تنسب الانتحار إلى أسباب أخرى غير الذي بسببه حدث الموت".
أرسل تعليقك