أبوظبي - صوت الإمارات
مثّل "الطوي" أو البئر شريان حياة الإنسان الإماراتي في ماضي الأيام، حيث كان يعتمد عليه في حله وترحاله، بدو وحضر، في السقاية وتوفير مياه الشرب وريّ الأرض وسقي الدواب، وكانت تتشكل حول "الطوى" تجمعات سكنية تعيش على هذا المصدر الحيوي .
وقد ظل "الطوي" يلعب دورا مهما في الحياة الإماراتية القديمة حتى بعيد قيام الاتحاد في سبعينات القرن المنصرم (1971)، ثم بدأت أهمية "الطوي" تتقلص وتتراجع مع مرور الأيام ونزوع الدولة إلى التحضير والتطور، والاستفادة من طفرة النفط الذي أحدث نقلة نوعية وتغيرا كبيرا في كافة مراحل الحياة وأدى إلى بروز ظاهرة التمدن والتطور الحضاري الذي عم كافة أرجاء الدولة ومرافقها .
و"الطوي"، هو البئر المطوية بالحجارة، وله أسماء متعددة تختلف باختلاف طبيعة البئر ووجوه استخدامه، منها القليب، أو جليب كما يلفظ بالعامية، والبئر التي لم تطو بعد، أو البئر المهجورة القديمة، والعِد، الموضع الذي يتخذه الناس ويجتمع فيه ماء كثير، والبدع، ويعني الحفر (لسان العرب)، ويكثر استخدام هذا الاسم في إمارتي أبوظبي ودبي، وتسمى به المناطق مثل: بدع زايد، وبدع خليفة، وبدع بالهلي، ومن أسماء البئر أيضاً: خريجة، وهي البئر المالحة، ويفر، وهي البئر غير العميقة .
وتستخدم في الآبار معدات تعرف في الثقافة الشعبية ب الدلو، أو الرشا، والعراجي وهي الحبال التي تربط بها الدلو، أما بطن البئر التي تحدها التربة من كل صوب (عرضها) فيسمى يال .
وهناك آبار قديمة في الإمارات يعود تاريخ بعضها إلى ثلاثمئة أو أربعمئة سنة مثل بئر مثل فلاح وعثمر وتاهل والعشوش التي ذكرها الشاعر الإماراتي القديم الماجدي ابن ظاهر .
ويتم تسمية "الطوي" أو البئر باسم من حفرها، أو أمر بحفرها، أو بصفة مائها، أو باسم عائلة قبلية، أو المنطقة التي حفرت بها، ومع ذلك فإن أغلب أسماء الآبار القديمة غير معروفة التسمية على وجه التعيين نظرا لعتاقتها، وثمة الكثير من "الطوي" والآبار المشهورة في مختلف إمارات الدولة، في أبوظبي والعين مثلاً نجد بدع زايد، الذي يحمل اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وبدع خليفة: الذي يحمل اسم الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة آل نهيان، وبدع حمدان، وبدع المغني، ومحيير، وبدع الظواهر، والهير، وسويحان، وبدع بنت سعود، وبدع بنت أحمد، وبدع سلمى وغيرها الكثير .
وقد شكّلت البئر بما تعكسه ماؤها من صفاء وعذوبة ملهماً للشعراء الإماراتيين التي استحضروها في قصائدهم التي باحوا فيها بهواجسهم الشخصية وتغنوا فيها بالصبابة والشوق والهجر والخصام، ومن أقدم هؤلاء الشاعر الإماراتي الماجدي بن ظاهر، حيث يتغنى:
يقول الفهيم الماجدي اللي بنا
بدع تراه الفاهمين أمثالها
كما استحضر شعراء آخرون سيرة البئر في أشعارهم من أمثال: سالم بن علي العويس، وراشد الخضر وسالم الجمري، سعيد بن عتيج الهاملي، أحمد الكندي، علي بن بخيت، سعيد الخيال، عيد بن مصبح العميمي، كما تحتفي الذاكرة الإماراتية بالكثير من الصور والقصص والحكايات والأمثال الشعبية، قوية الدلالة وغزيرة المعنى، والتي تستحضر أهمية "الطوي" في حياة الناس ومعاشهم، ومن ذلك قولهم "طالع من الخب وطاح في الطوي"، "ما تيود إلا العدود" .
أرسل تعليقك