عندما تأتي إلي أرض مصر "المحروسة" تستنشق عبق التراث الجميل على مقاعد قهاوي مصر القديمة وشوارعها وضواحيها لتشعر بالأمان والاستقرار والهدوء النفسي وتغيير تام للحالة المزاجية .وتحتوي مصر على مجموعة من القهاوي العربية التي أعتاد كثيرون أن يذهبوا إليها من الأجانب والعرب والمصريين .
ونرصد في السطور التالية مجموعة من أجمل قهاوي مصر المحروسة ..
- مقهى الحرافيش :
كتب عنها أديب نوبل "نجيب محفوظ " روايته وسماها "الحرافيش" ليتم توثيق أسم المقهى بين خطوط الأدب والثقافة المصرية الأصيلة .
هذا المقهى يملكه فنان تشكيلي ، لذا يبدو التميز في تصميمه وديكوراته طبيعياً، وتجتذب أركانه وجلسات السمر في لياليه عشرات الصحفيين والمثقفين، والأدباء، اجتذبهم عطر المكان، وروحه المختلفة، رغم وقوعه في قلب مكان مزدحم بحي فيصل .
بدأ مقهي الحرافيش عمله عام ١٩٩٢، ويعد أقدم مقاهي شارع فيصل، طابعه العربي الأصيل والتخت الشرقي والأغاني القديمة هي معطيات نجاحه ، علي مدخل المقهى ينتصب تمثالان لشخصيتين من الحرافيش يعبران عن بساطة الإنسان المصري، وعلي بعد خطوات منهما تمثال للكاتب نجيب محفوظ صاحب رواية «الحرافيش» ، من تصميم الفنان التشكيلي فخري يوسف " صاحب المقهى " وتضم الحديقة الملحقة بالمكان تمثالاً لراقصة شرقية كتعبير عن اهتمام المقهى بالفن الشرقي .
التصميم الداخلي للحرافيش فريد من نوعه فهو يتكون من ستة أركان ، كل منها يأخذ اسم أحد رموز الثقافة في مصر، ويحتوي علي مكتبتين إحداهما للكتب والأخرى للصحف اليومية .ركن بيرم التونسي أول هذه الأركان، يتميز بوجود لوحة زيتية بعرض الحائط لبيرم يتوسط مجموعة من بسطاء الشعب المصري الذين كانوا المادة الخصبة لأشعاره، والمكتبة الخاصة بهذا الركن تضم مجموعة من أفضل ما كتب بيرم التونسي .
بينما يتوسط ركن يوسف إدريس بورتريه كبير لإدريس ومكتبة ضخمة لأشهر كتبه .أهم ما يميز ركن الفن ثالث أركان مقهي الحرافيش مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة للراقصة بديعة مصابني والمطربة منيرة المهدية وفتحية أحمد وأم كلثوم وتوحيدة المصرية ومحمد عبدالوهاب والشيخ سيد درويش ، ويحمل الحائط المقابل صورة كاريكاتيرية لأكثر من ٧٥ فناناً ومثقفاً عربياً بريشة السوري حسن أدلبي.
أما عن "كنبة العمدة " هي الأكثر شهرة في ركن الكاتب محمود السعدني الذي يضم مكتبتين إحداهما لكتب السعدني والأخرى تحتوي علي روايات مختلفة لكتَّاب آخرين .الركن العربي البدوي أشهر أركان المقهى وأكثرها ازدحاماً فديكوراته البدوية وطابعه العربي الذي تدعمه الكراسي الأرابيسك واللوحة الزيتية الخاصة بامرأة مصرية الملامح وعلي جانبها سبحتان كبيرتان تعطي إيحاء بالأصالة والتراث .
نجيب محفوظ صاحب آخر ركن بالمقهى له أيضاً لوحة بعرض الحائط تسمي الأصدقاء يظهر فيها نجيب محفوظ وسط صلاح جاهين والمخرج توفيق صالح والفنانة نادية لطفي وأحمد مظهر وسيد مكاوي وجمال الغيطاني
زبائن مقهي الحرافيش لا تستهويهم وسائل الترفيه التقليدية ويفضل معظمهم قراءة الكتب والروايات الموجودة بالمكتبات، أو سماع أغاني التخت الشرقي الجالس في قاعة كبيرة تتوسط أركان الحرافيش.و ما يميز مقهى الحرافيش أيضاً أنه المقهى الوحيد الذي وضع لافتة كبيرة مكتوباً عليها "التدخين ضار بالصحة" رغم أنه يقدم الشيشة إلا أنه يحاول تشجيع الزبائن للتخلي عنها، ولذلك كانت اللافتة الثانية البارزة مكتوباً عليها "لا تقدم الشيشة لأقل من 21 عاماً".
برنامج يومي يتميز به المقهى ولم يتغير منذ زمن طويل، يبدأ بعد العاشرة مساءً بفرقة التخت الشرقي التي تقدم مجموعة من الأغاني لأشهر نجوم الطرب في الزمن الجميل. وخلال الفقرات الغنائية تقدم مجموعة من الكوكتيلات بأسماء روايات نجيب محفوظ مثل زقاق المدق والسراب وشهر العسل وغيرها وهي تتكون من فواكه معينة يعرفها الزبائن.
وزائر هذا المقهى حين يسأل عن كلمة حرافيش ما عليه إلا أن يشير إلى قائمة الطلبات وسيجد رداً وافياً للكلمة يقول شرحها: إنها ظهرت في كتابات الجبرتي، ووصف بها فقراء الشعب المصري في عهد المماليك، وبعده ظهرت في كتابات رفاعة الطهطاوي التي وصف بها مقاهي الفنانين والمثقفين في فرنسا.
وبعده أطلقه الفنان أحمد مظهر على شلة من أكبر أدباء مصر مثل نجيب محفوظ وتوفيق صالح وعادل كامل وجمال الغيطاني ومحمد عفيفي مطر وصلاح جاهين وبهجت عثمان، وأخيراً كانت في عمل أدبي للكاتب الكبير نجيب محفوظ وأطلق عليه اسم ملحمة الحرافيش ومنها أخذ الاسم لمقهى الحرافيش الذي تتحدث عنه في هذه المساحة.
وأنت تدخل المقهى ليلاً يلفت نظرك ذلك التنوع البشري من رواد مقهى الحرافيش، حيث تجد الخليجيين والشوام والسودانيين والمغاربة وغيرهم وهؤلاء من السميعة للطرب الأصيل.
- مقهى الفيشاوي:
مقهى الفيشاوي الشهير بحي الأزهر العريق بالقاهرة، فعلاوة على أنه يعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797 م، أي قبل ما يزيد على قرنين من الزمان، إلا أنه أصبح أكثر شهرة وبريقا، بفضل الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ الذي كان «الفيشاوي» مقهاه المفضل، ففي رحابه يتكثف عبق الأجواء التاريخية والشعبية التي درا حولها معظم أعماله الروائية، وشهد المقهى الكثير من المسودات الأولى لرواياته، وكان بمثابة فضاء حي، يلتقي فيه أصدقاءه ومحبيه من الكتاب والفنانين وبسطاء الناس.
ولأن دوام الحال من المحال.. لا تتعجب عندما تذهب حاليا إلى المقهى فتجده، على الرغم من شهرته الواسعة، الا انه يوجد في أحد الأزقة الضيقة المؤدية لمسجد الإمام الحسين بمنطقة الأزهر، في قلب القاهرة الفاطمية، بمنطقة خان الخليلي.وبمجرد دخولك إليه ستشعر أنك تكاد تشم عبق التاريخ في ربوعه، فلون خشبه البني المحروق وحوائطه الصفراء الداكنة بفعل دخان النرجيلة (الشيشة) وآثار الزمان، جعلت منه مزارا لعشاق الأصالة والتراث، ووجوده في قلب القاهرة الفاطمية المليئة بالمزارات السياحية الأثرية جعل رواده مزيجا غريبا بين المصريين والسياح العرب والأجانب من كل الجنسيات الذين يبهرهم جو المقهى الشرقي الخالص، بموائده الخشبية المشغولة، ومقاعده الأشبه بالأرائك العربية الوثيرة، والمرايا المعلقة على جوانبه ذات الأطر الخشبية المشغولة بالصدف.
ورغم أن «خان الخليلي» أصبح مليئا بعدد لا حصر له من المقاهي، ذات المستويات المختلفة، وبعضها يطل على مسجد الإمام الحسين، والبعض الآخر يطل على شوارع رئيسية، إلا أن أحدا منها لم يستطع أن ينافس «الفيشاوي» في شهرته، حتى أنك تجد بعض المقاهي الأخرى خاوية على عروشها، وعمالها يدعون الزبائن للجلوس بشتى الطرق، فيما قد لا تجد كرسيا خاليا في «الفيشاوي» وقد تضطر للانتظار لبعض الوقت حتى تخلو أي مائدة.
ويشتهر مقهى الفيشاوي بالشاي الذي يقدمه، سواء الأسود منه أو الأخضر، حيث يقدم في إبريق معدني صغير، تفوح منه رائحة النعناع، على مائدة معدنية صغيرة، كما تقدم فيه النارجيلة (الشيشة) بنكهات مختلفة، وهو أكثر شيء يقبل عليه مرتادو «الفيشاوي» خاصة من الأجانب.
بدأ مقهى «الفيشاوي»، ببوفيه صغير أنشأه الحاج فهمي علي الفيشاوي عام 1797 في قلب خان الخليلي ليجلس فيه رواد خان «الخليلي» من المصريين والسياح، واستطاع أن يشتري المتاجر المجاورة له، ويحولها إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات.أولى غرف المقهى غرفة «الباسفور» وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وهي مليئة بالتحف والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق، آخر ملوك أسرة محمد علي، في رمضان، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
وثاني الغرف أطلق عليها «التحفة» وهي اسم على مسمى، وهي مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين.
أما أغرب الحجرات فهي حجرة «القافية»، وكانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يمثلها من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حيا آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.
ويقول ضياء الفيشاوي، حفيد الحاج فهمي والمسؤول عن إدارة المقهى حاليا، "حرص جدي على إكساب مقهاه شكلا مميزا عن طريق حفاظه على النمط الشرقي في الأثاث والديكورات، وحافظ كل أولاده من بعده على هذا النهج، الأمر الذي أكسب المقهى طابعا مميز عن بقية المقاهي التي انتشرت في كل أرجاء خان الخليلي".
ويضيف ضياء "جدي كان يرى في تزيين المقهى بالمرايا ناحية وظيفية غير الناحية الجمالية، وهي أنها تسهل له رؤية كل اركان المقهى، وهو جالس في مكانه المفضل، بجوار باب المقهى من الداخل".ويؤكد ضياء الفيشاوي أن المقهى وصلت مساحته أيام جده الأكبر حتى بلغت 400 متر، إلا أنه قال " في الستينات من القرن الماضي قرر محافظ القاهرة تقليص مساحته حتى وصلت الآن إلى نحو 150 مترا فقط.. واستطيع القول أن تقليص مساحة المقهى كان سببا في وفاة جدي حسرة وألما".
وعن علاقة الأديب الراحل نجيب محفوظ بالمقهى يقول "محفوظ كان دائم الجلوس بالمقهى، وكان صديقا لوالدي، وألف معظم رواياته في المقهى، وكان يحب في ليالي شهر رمضان الاستماع إلى غناء المطربين الشعبيين محمد عبد المطلب ومحمد الكحلاوي وهما يشدوان بأغانيهما على المقهى، بل كثيرا ما يشاركهما محفوظ الغناء ومعه بقية رواد المقهى".
أما عن أشهر رواد المقهى، فيوضح «كبار وعلية القوم في مصر والعالم في كل المجالات جلسوا بالمقهى، ومنهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والرئيس الجزائري بوتفليقة والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الذي اصطحب معه عددا من وزراء الخارجية العرب».
ويضيف «كما قامت إحدى المحطات التلفزيونية الفرنسية بالتسجيل مع الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كما يحرص العالم المصري الحائز على جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل على زيارة المقهى كلما كان في القاهرة لتناول الشاي الأخضر". أما عن زبائن المقهى من الفنانين، فيقول ضياء الفيشاوي: «كل فناني مصر بلا استثناء جلسوا بالمقهى وأذكر منهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسميحة أيوب وكمال الشناوي وعزت العلايلي وفاروق الفيشاوي وليلى علوي ومحمود عبد العزيز ونور الشريف وعادل ادهم واحمد زكي ومحمد هنيدي ومنى زكي وحنان ترك واحمد السقا واحمد حلمي وغيرهم"
- مقهى التكعيبة :
في أحد الحواري الضيقة المتفرعة من شارع شامبليون، و على مقربة من ساحات عمل الصحفيين في وسط القاهرة، تتراص صفوف من الكراسي الخشبية، لابد أن تحجز عليها مقعدك قبل أن يحل المساء، بحسب القواعد المعروفة لمقهى التكعيبة أو مقهى "الصحفيين".
صحفيون و صحفيات تأخذهم أرجلهم إلى مقهى التكعيبة فور انتهاء عملهم، أو في منتصف يوم العمل لأخذ قسطًا من الراحة، إن "التكعيبة" ملتقى للعديد من الشباب، يأتون إليه ليلعبوا الطولة أو الشطرنج، أو يتناولون مشروب ما أو يشربون الشيشة.
وعن أبرز أسماء الصحفيين، الذين يتخذون من "التكعيبة" مجلسًا لهم، هم ياسر الزيات، وائل عبد الفتاح، خالد البلشى، عبد العال الباقوري، جورج بهجوري، عصام شيحة.ويرى العامل بمقهى التكعيبة أن أهم ما يميزها و يجذب الصحفيين إليها هو موقعها الهادئ، والآمن والقريب من نقابة الصحفيين ودار القضاء العالي، وعدد من المؤسسات الموجودة في وسط البلد، وهو ما يجعلهم يتخذونها كـ "استراحة عاجلة" لهم.
- مقهى أم كلثوم :
يعتبر من أبرز مقاهي وسط البلد، ويوجد في شارع عرابي المتفرع من شارع رمسيس، ففيه يجد عشاق الفن الأصيل مبتغاهم، حيث تشدو "الست" صباحا ومساء بروائعها الجميلة، بالإضافة للوحة مسجل عليها تاريخ أم كلثوم وأشهر أغانيها والمحطات المهمة في حياتها، ولوحة جدارية لها، وهي تمسك بمنديلها الوردي، وهناك أيضا ركن لصورها يضم كثير من الصور النادرة لسيدة الغناء العربي مع أقطاب الفن أمثال فريد الأطرش وصباح وفيروز وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب.
- مقهى البستان :
هو ملتقى " الأدباء والفنانين " حيث كان نجيب محفوظ يعقد ندوته كل ثلاثاء، وأبدع عليه علاء الأسواني "شيكاجو"، و"عمارة يعقوبيان"، وغيرهما.. فضلا عن الشعراء أمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي.
- مقهى الحرية :
على بعد خطوات من مقهى "زهرة البستان" يطل " الحرية " على ميدان الفلكي في شارع مظلوم ، ويتميز بمساحته الكبيرة، ويعد من المقاهي القليلة التي بها ركن خاص للبيرة والمشروبات الكحولية، وقد كان الضباط الأحرار من اشهر رواده وعلى رأسهم الرئيس الراحل أنور السادات، والفنانين أحمد رمزي، ورشدي أباظة، وشكري سرحان.
أرسل تعليقك