الشارقة - سعيد المهيري
تسعى الدورة الثانية عشرة من بينالي الشارقة للفنون التي انطلقت يوم 5 مارس إلى إلقاء الضوء على الشارقة كمساحة بصرية وتشكيل فني وتراثي غني بالأفكار الجمالية، يوحي للفنان بأفكار ومشاريع فنية تستقصي جوانب جمالية في هذه المدينة التي تتجاور فيها العراقة مع العصرنة، وتحاول أن تحافظ على طابع خاص يستمد من التاريخ بعض ملامحه، وينخرط في سياق الحضارة الحالية بكل مقوماتها، وقد اختار البينالي لذلك ثيمة فنية بعنوان "الماضي والحاضر والممكن"، ليكون العمل عليها شاملاً لكل الأزمنة ومفتوحا على كل الاحتمالات، مما يعطي للفنان حرية التنقل بين الأفكار، وطرح ما يراه مناسبا، وما يحقق له رؤيته الخاصة لمدينة الشارقة، ويعكف 40 فناناً من مختلف الجنسيات والخلفيات الثقافية على تقديم أعمال وتصاميم فنية وعروض للأداء وأفلام وورش عمل .
من أبرز الأعمال التي اشتغلت على تلك الثيمة عمل تركيبي للفنان مايكل جو توصل إليه من خلال مجموعة الأسئلة المتوالدة التي تبحث في التاريخ الطبيعي للإمارة، ومن خلال الزيارات الميدانية والبحوث عن أنظمة الري القديمة والمعاصرة في الإمارات، ونفّذ العمل في أحد المخازن في ميناء خالد في الشارقة، وأعاد تعريف العمل التركيبي، مشكلاً مجموعة من الأعمال التي تتجاوز الإغراءات التي تقدمها التكنولوجيا والإجابات السهلة التي يقدمها العلم لإنشاء مجموعة من الأسئلة التي تضع البشر في السياق الطبيعي، وفي عمل آخر يقدم بايرون كيم الذي تقع أعماله بين التجريد والتصوير، وبين المفاهيمية والرسم الخالص، عدة أعمال تضم عملاً تركيبياً متمثلاً في علم يحاكي لون سماء الشارقة، إضافة إلى سلسلة من اللوحات التشكيلية استخدم فيها تقنيات بسيطة خالية من التعقيد والتكنولوجيا، وهناك أعمال أخرى متنوعة تلعب على الثيمة نفسها .
استطاع بينالي الشارقة منذ انطلاقه عام 1993 أن يعكس المنجز الجمالي والفكري في كل مرحلة من المراحل التي قدمّها، وأن يستوعب المستجدات في الفنون البصرية ويسهم في تعزيز الوعي الفني وتحريض الطاقات الإبداعية، نحو اختراع أساليب فنية جديدة، محوّلاً هذه التظاهرة إلى حدث فني مهم محليا وعربيا وعالميا، بانفتاحه على الحداثة واستقطابه لأهم الإبداعات والتحولات الجمالية والفكرية التي يحفل بها العالم، إلى جانب تجاوزه لمفهوم العروض البصرية السياحية، وإبراز الحدث كحاجة أصيلة، وليس كترفٍ بصري .
عرف البينالي محطات فنية بارزة ترجمت كلها مدى مرونته وقدرته على استيعاب مفاهيم جديدة، فكانت دورة في العام ،2003 نقلة نوعية مع تولي الشيخة حور بنت سلطان القاسمي إدارة مؤسسة الشارقة للفنون التي تنظم البينالي، حيث انتقل التركيز بصورة مباشرة نحو الفنانين أنفسهم، وإعطائهم الحافز للإبداع، وقد أثبت ذلك التركيز جدواه من خلال سلسلة الابتكارات المتواصلة التي يشهدها البينالي كل سنة، وفي دورة 2009 تبنى البينالي مشروعا جديدا بتوفيره الفرص لإقامة المشاريع الفنية، حيث يستضيف في الأشهر التي تسبق انطلاقة كل دورة فنانين مختارين لتنفيذ مشاريعهم التي وقع عليها الاختيار، على أن تشارك تلك المشاريع في دورة تلك السنة، كما أضاف البينالي برنامجا للعروض والأفلام، واتخذت دورة 2013 شعار "حبكة لبينالي" الذي يسمح بالارتجال، واستخدام الفضاءات المتنوعة، والتماهي مع إيقاع المدينة، والدعوة لتفاعل الزائرين والمقيمين في الشارقة، وتبنت دورة 2014 مفهوما جديدا تحت عنوان "نحو خريطة ثقافية جديدة" استلهمت من خلالها مفهوم الفِناء أو الساحة في العمارة الإسلامية، وبشكل خاص الساحة التاريخية في إمارة الشارقة، حيث تتشابك عناصر الحياة العامة والخاصة .
ويشكل "لقاء مارس" الذي تنظمه المؤسسة أحد أهم أنشطة البينالي، وهو لقاء فكري يقام على هامش البينالي، ويهدف إلى أن يكون الإطار التنظيري للرؤى والمشاريع المستقبلية المتعلقة بالفنون البصرية، والمصب الذي تصب فيه الأفكار الفنية من كل العالم، ما يمكن البينالي من أن يكون فاعلاً ومؤثرا وموجهاً لمسار الفنون ضمن سياقاتها المختلفة، ومساهما أساسيا في عملية تغيير وتطوير وتعميق الوعي الجمالي .
أرسل تعليقك