دبي ـ جمال أبو سمرا
"سفينة نوح"، بكل ما تحمله من رمزية تشرّع الأبواب واسعة أمام تأويلات لا حصر لها؛ كانت هي الثيمة التي اختارها الفنان، محمد المزروعي، القيّم على المعرض العام السنوي لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية في دورته الـ34، الذي يفتتح في متحف الشارقة للفنون، في 12 كانون الأول/يناير الجاري، ويستمر إلى منتصف آذار/مارس المقبل، برعاية عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي،.
اختيار المزروعي لثيمة "سفينة نوح" جاء تعبيرًا عما تشير إليه من تجمع أعراق وثقافات وأديان، بل وكائنات حيوانية ونباتية وطيور وجماد في مكان واحد، هو الأرض مُجملًا، ودولة الإمارات حصرًا، نموذجًا مكملًا وممتدًا لنماذج أخرى في تاريخ التجربة الإنسانية، يبرز ما تتمتع به الإمارات من كونها نموذجًا فريدًا للدولة التي يتحقق فيها التعايش بين ما يزيد على 200 جنسية من مختلف أنحاء العالم، وبالتالي تمنح هذه الثيمة مجالًا واسعًا أمام الفنانين المشاركين لتقديم أعمال متنوعة وأفكار مختلفة في سرد بصريٍّ فكريٍّ، مُرَمَّزٍ وملحميٍّ غنيٍّ بالإشارات والمفردات.
ويحمل المعرض هذا العام عددًا من الاختلافات عن دوراته السابقة، بحسب ما أوضح المزروعي في حواره لـ"الإمارات اليوم"، مشيرًا إلى أن الدورة الحالية فتحت أبواب المشاركة لكل الفنانين المقيمين على أرض الإمارات، من مختلف الجنسيات، سواء من أعضاء جمعية الإمارات للفنون التشكيلية أو غيرهم، حيث يصل إجمالي عدد الفنانين المشاركين إلى 39 فنانًا، منهم 12 فنانًا من أعضاء الجمعية، و27 من غير الأعضاء.
ويعكس المعرض هذا العام اهتمامًا واضحًا باستكشاف وتقديم فنانين جدد، ولأول مرة يتفوق عدد الفنانين الشباب المشاركين فيه على عدد الفنانين المخضرمين، كما يزيد عدد الفنانات على عدد الفنانين، وهو ما أرجعه المزروعي إلى النشاط الواضح الذي تبديه الفنانات الشابات وحرصهن على المشاركة في الفعاليات الفنية المختلفة، "فمن الواضح أن المرأة في الإمارات أكثر حراكًا في مختلف المجالات".
وأشار محمد المزروعي إلى أن المعرض الذي يضم 32 عملًا؛ يركز فيها على فكرة تقديم أعمال تندرج تحت ما يعرف بـ"المشروعات الكاملة" أو(Body of work)، ولأول مرة سيعرض جزء من هذه الأعمال خارج الشارقة، حيث ستقوم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بعرض جزء مُكَمِّل لمعرض "سفينة نوح" في منارة السعديات بجزيرة السعديات في 13 يناير الجاري، ويتضمن هذا الجزء ثمانية أعمال من أعمال الفنانين المشاركين في المعرض، لافتًا إلى أن هذه الخطوة في إطار تعزيز التعاون والتنسيق بين الجهات والمؤسسات المعنية بالحركة الفنية التشكيلية الإماراتية للارتقاء بالدور المنوط بها في إرساء الحركة الثقافية في الدولة، كما ذكر أن هناك عملًا فنيًا واحدًا سيعرض في الشارقة ومنارة السعديات هو عمل الفنان هاشل اللمكي، وهو مصنوع من خامات معاد تدويرها، مضيفًا "طالما كانت الشارقة حاضنة لأفكار مهمة جدًا، تستحق أن تصل إلى الجمهور في مختلف إمارات الدولة، وإذا كان أمامنا مزيد من الوقت كنا سعينا لأن يمتد المعرض في خمس مناطق مختلفة في مختلف أنحاء الدولة، على أن يضم المعرض في كل منطقة أعمال فنانين من أبناء هذه المنطقة".
وعن كيفية اختيار الأعمال الفنية؛ أوضح القيّم على المعرض أنه لم يتم التركيز على العمل الفني في البدء، بل كان التركيز على روحية الفنان من خلال المفهوم الذي يطرحه، والدخول في نقاش بسيط حول العمل، وبحسب التفاعل يتطور الحوار لكي يتضمن العمل الفني حالة من الجماليات استشعرها عبر تجربة وتصور، مضيفًا: "المعيار الرئيس انصب على إدراك شكل العملية الفنية لدى الفنان ومقدرته على الالتصاق بها، حتى لو كانت الفكرة التي تقدم بها تتسم بالبساطة، فدوري كقيّم هو العمل على تطويرها، لكن المهم هو الجدة في الفكرة والجدية في التنفيذ، كذلك لم يكن هناك فرق في تقييم واختيار أفكار الأعمال بين الفنان الشاب أو المتمرس، فالاعتماد كان على الجماليات الفنية للعمل، كما ركزنا على خطوات تنفيذ العمل الفني ليخرج بفكرته المتكاملة، مع ذكر الأسباب والعوامل التي قد تكون أدت إلى تغيير الفكرة بعض الشيء لتعذر تنفيذها، وهذا الأسلوب ينتمي إلى الأداء الفلسفي، وإظهار السيرة الخفية للعمل أمام المتلقي ليستوعبه كاملًا".
وأوضح المزروعي إن تركيزه انصب على طرح فنانين جدد لأن المؤسسة الثقافية في الإمارات تمنح الدعم كما تمنحه الجمعيات التعاونية للسلع، كما تسعى إلى إظهار وجودها عبر مشاركات تنهك الفنان، من دون أن تقدم له رعاية فكرية ومعرفية، وبالتالي يتيه الفنان أو الكاتب معتمدًا على مبادراته الخاصة في البحث عن المعلومة لكي يصل، مشبهًا الفنانين والكتّاب بسرب مهاجر من الطيور، يصل نصفه أو ثلثه إلى المكان المراد، وتموت النسبة الأكبر بسبب مشكلات الطقس والجوع وغيرها.
وأضاف المزروعي مزيدًا من تفاصيل الأعمال المشاركة، لافتًا إلى أن معرض متحف الشارقة للفنون سيضم 25 عملًا، وسيضم معرض السعديات ثمانية أعمال، وتم توزيع الأعمال بين الموقعين وفقًا لمساحة وتصميم كل منهما، وملاءمة الأعمال لكل منهما، وإلى جانب الأعمال الفنية؛ سيضم معرض الشارقة مختارات من التراث العربي القديم من حكايات وأشعار وروايات، بعضها ذُكر على لسان صحابة ومشاهير وعلماء السير، والكثير منها يعج بالأساطير والأخبار المُستغربة، ومن المقرر أن تعرض على الجدار الأيسر في مدخل المعرض.
ويصاحب الافتتاح تقديم عرض أدائي للفنانة، سمية الداهش، التي قامت بكتابة نص يتناسب مع فكرة المعرض بعنوان "بداية الرحلة" ستقدمه خلال افتتاح معرض الشارقة، ونص آخر بعنوان "نهاية الرحلة" ستقدمه في افتتاح معرض منارة السعديات. كما يصدر عن المعرض كتاب يتضمن شروح الأعمال المعروضة وفقًا للتصورات التي وضعها الفنانون، خصوصًا أن بعض الأعمال لم تنفذ وفقًا لتلك التصورات لأسباب مختلفة.
وذكر الأعمال التي قدمها الفنانون للمشاركة في المعرض، فهناك أعمال اقترحها هو باعتباره القيّم الفني، من بينها عمل تركيبي يضم مخطوطات الشاعر الراحل، أحمد راشد ثاني، ويحمل دعوة للمؤسسات المعنية في الدولة للاهتمام بعمل قسم أو جهة مختصة بفهرسة وحفظ أعمال الكتّاب ومخطوطاتهم، إلى جانب عمل آخر يتناول شركات التوظيف ودورها في المجتمع، لافتًا كذلك إلى أنه لأول مرة في معرض الجمعية يقوم باختيار فنانين بنفسه للمشاركة بناء على درايته بتجربتهم الفنية، إلى جانب الفنانين الذين تقدموا للمشاركة بمبادرة منهم.
أرسل تعليقك