عمان ـ العرب اليوم
في إطار الاهتمام الألماني المتواصل منذ بداية القرن الماضي بدراسة تراث بلاد الشرق الأدنى القديم، التي يعدّ الأردن جزءاً منها، قامت بعثة أردنية ألمانية بحفريات أثرية في موقع الحسيّه في وادي الزرقاء شمال شرق عمّان .
قام معهد الآثار الألماني بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنية بإجراء حفريات أثرية في موقع الحسيّه في وادي الزرقاء، لأهميته في التعرف على التطورات الحضارية التي جرت في الأردن أثناء المرحلة الانتقالية بين الألفية الثامنة والسابعة قبل الميلاد، أي من عصر ما قبل الفخار إلى بداية صناعة الفخار.
ويقول الأستاذ الدكتور زيدان كفافي، عميد معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث في الجامعة الهاشمية، الذي أشرف على أعمال التنقيب مع الأستاذة الدكتورة كارين بارتل من المعهد الألماني، في حوار مع DW عربية، إن للباحثين والدارسين الألمان ومنذ قرون طويلة "باعاً طويلاً في تقديم معلومات قيمة حول تاريخ وآثار الأردن وتعميمها بين الناس". ويشير كفافي إلى أن النشاطات الأثرية الميدانية المشتركة بين الباحثين الأردنيين والألمان هدفت إلى المحافظة على الآثار الأردنية وتطوير المواقع وتأهيلها لخدمة الأغراض السياحية، وكذلك إقامة المؤتمرات والندوات والمعارض المشتركة.
ويضيف عميد معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث أن أبحاث الجمعية الألمانية الشرقية ومعهد الآثار الألماني ركزت خلال السنوات الماضية على دراسة تاريخ وآثار بلدان العراق وتركيا وسوريا واليمن وعُمان، وأن في الوقت الحاضر "أصبح للأردن نصيب كبير منها"، مبيناً أن معهد الآثار الألماني يقوم حالياً بالمشاركة في عدد من الحفريات الأثرية في الأردن، خاصة في مناطق العقبة وقصر مشاش في البادية الأردنية، إضافة لحفرية الحسيّة في وادي الزرقاء.
بالإضافة إلى المشاركة في أعمال التنقيب، ساهم الفريق الألماني في تدريب الطلبة الأردنيين على أساليب البحث والتنقيب العلمية
ويؤكد أن المعهد الألماني ساهم في ترميم بعض الآثار الأردنية، وكان آخرها قصر المشتى بالقرب من مطار الملكة علياء الدولي جنوب عمّان، مضيفاً أن المعهد البروتستانتي الألماني في عمّان يشرف أيضاً ومنذ سنوات طويلة على عدد كبير من المسوحات والحفريات الأثرية وأعمال الصيانة والترميم في مناطق متعددة من الأردن، "من أهمها ما يجري في أم قيس المطلة على نهر اليرموك شمالي الأردن". ويوضح أن الألمان "ساهموا في الكشف عن آثار هذه المدينة" وترميم المدرّج الروماني وبعض البيوت العثمانية فيها. كما ساعدوا دائرة الآثار العامة الأردنية في تأسيس متحف الآثار في الموقع نفسه.
ويخلص أ.د زيدان كفافي إلى القول أن هذه الحفرية الجديدة في موقع الحسيّه في وادي الزرقاء تأتي في هذا السياق، إذ شارك فيها أساتذة وطلاب وتم تدريب عدد من طلبة الماجستير في الجامعة الهاشمية على كيفية القيام بالحفريات الأثرية "حسب الأصول العلمية المتبعة".
"أساليب ألمانية حديثة في التنقيب"
وتقول هبة خير، التي شاركت في أعمال التنقيب الأثرية ضمن التدريب الميداني لبرنامج الماجستير، لـ DW عربية إن هذه التجربة هي الأولى بالنسبة لها وساهمت في إكسابها العديد من المهارات، خصوصاً أن الفريق الألماني قد "أسهم بشكل كبير وفعال" في تعريف الطلاب على الأساليب الحديثة في التنقيب والتوثيق.
وتضيف أنها تعلمت العديد من التقنيات واكتسبت معرفة جيدة جداً في العمل على توثيق المواقع الأثرية والحفر والتعرف على الأدوات الصوانية والفخارية، إضافة إلى "كيفية التعامل مع اللقى الأثرية". وترى طالبة الماجستير أن الفريق الألماني يمتلك الأدوات والتقنيات الحديثة والنظام المحوسب الذي يساعد في ترتيب المعلومات، بحيث "يسهل على الباحث الرجوع إلى المعلومة بشكل سريع".
المدرّج الروماني في العاصمة عمّان
يشار إلى أن أعمال التنقيب في موقع الحسيّه بوادي الزرقاء كشفت عن آثار معمارية مبنية من الحجارة الكبيرة، إضافة إلى العثور على أدوات صوانية تتكون من شفرات مناجل ورؤوس سهام تعود إلى ما يعرف بالثقافة اليرموكية، التي تؤرخ لمنتصف الألف السادس قبل الميلاد.
كما عثر من خلال أعمال التنقيب على طبقة صلبة جداً من الحصى بلغ ارتفاعها نصف متر، و"كأن المياه كانت قد غمرتها". كما كُشف أسفل هذه الطبقة عن طبقة أخرى ترابية مليئة بالحصى تعلو عدداً من الحجارة المتوسطة والكبيرة، تشكل عدداً من الجدران المتقاطعة.
تغطية النفقات المالية
ويقول مدير دائرة آثار محافظة الزرقاء، رومل غريب، لـDW عربية إن الدائرة تشارك في أعمال التنقيب الأثرية من خلال مندوب دائم طيلة فترة التنقيب، تكون مهمته تقديم "التسهيلات اللازمة" والمشاركة في الأعمال الميدانية ومساعدة الفريق الألماني الأردني في "نقل المكتشفات الأثرية" إلى الأماكن المخصصة لها .
ويؤكد غريب أن الدور الذي قام به الفريق الألماني كان رئيسياً وفاعلاً، "فالفريق قام بتغطية النفقات المالية التي ترتبت على تنفيذ الأعمال الميدانية" وتكفل بإحضار المعدات اللازمة للحفر والتنقيب ذات التقنية اللازمة لأعمال التوثيق، من كاميرات وأجهزة حاسوب ومساحة.
ومن المقرر أن يستمر التنقيب في موقع الحسيّه للتعرف على طبيعة الاستيطان في المنطقة خلال فترة العصر الحجري الحديث، خاصة في نهاية الألف الثامن وبداية الألف السابع قبل الميلاد حسب التأريخ المعتمد على الكربون الإشعاعي المعاير. كما سيتم إجراء مسح أثري دقيق وشامل للمنطقة. (خدمة DW)
أرسل تعليقك