قبسات من سيرة فنان ممنوع.
ولد الفنان المغربي رشيد غلام عام 1972 في مدينة الدار البيضاء، واشتهر بأغانيه الملتزمة والهادفة احترف الفن منذ الثالثة عشرة من عمره حيث غنى للفنانة أم كلثوم وللمطرب ناظم الغزالي، وغيرهما من عمالقة الطرب العربي كما غنى مع عمالقة الموسيقى الطربية وديع الصافي وعماد رامي وجمال الشابي والفنان الدمشقي مصطفي إسماعيل والمنشد القدير أبومحمود الترميذي والعازف والفنان التركيان نيكاتي سيليك وأندر دوغان والفنان اللبناني المبدع مارسيل خليفة.
وأنشأ مجموعة كورال صوتية تضم أكثر من ثلاثين فردا أحيا معها عدة سهرات وليالي المديح النبوي، ويعمل حاليا كمدير لمؤسسة الضحى للإنتاج الفني والإعلامي والتي أسسها عام 1995، وأصدر من خلالها أشرطته الفنية التي تجاوزت العشرة والتي منها: يا جمالا، مواجيد، أريج الطيب في مدح الحبيب،حداء الروح،إيقاع الروح، الليلة المحمدية،مختارات من السماع النبوي.
ويرى رشيد غلام أن الفن عبارة عن رسالة وجودية ينبغي أن تخبر الإنسان بأشكال مختلفة ومتنوعة عن حياته وقضيته مع ربه ومآله أما إذا انحرف الفن عن هذه الوجهة فيصبح نوعًا من التمييع والعبث والشيطنة، فالفن إما أن يخدم تطلع روح الإنسان إلى الكمال وتلقفها لآثار الجمال وإما أن يكون في خدمة أغراض دنية تحيل الإنسان إلى أرضيته وحيوانيته وشهوانيته حسب ما جاء في أغلب تصريحاته وتدويناته ومقابلاته الإعلامية.
رشيد غلام ومسلسل التضييق عليه من طرف الأجهزة الأمنية.
منذ ما يزيد عن خمس عشرة عاما والفنان رشيد غلام ممنوع من تنظيم سهراته الفنية بالمركبات الثقافية والمسارح وجميع المرافق العمومية بما فيها الفضاءات الإعلامية المرئية والمسموعة.
وبدأ مسلسل التضييق والمنع منذ عام 2000 عندما عمدت الأجهزة الأمنية بالضغط على إدارة المسرح البلدي في الدارالبيضاء لإغلاق المسرح في وجه جمهوره العريض ساعة النشاط، رغم سلوكه جميع المساطر والإجراءات الإدارية المعتمدة في الترخيص لاستغلال فضاء المسرح المذكور ودون سابق إنذار ودون تعليل لذلك القرار التعسفي المفاجئ .
وفي عام 2001 لم تكتفي السلطات العمومية باستعمال وسائل الضغط المعهودة بشكل غير مباشر بل تجرأت لتستعمل القوة لمنع سهرة فنية له بمدينة بركان، وفي نفس السنة ثم منعه من المشاركة في مهرجان الرباط بعد مشاركته الناجحة خلال دورة 2000.
واستمر المنع أيضا عامي 2002 و2003، والذي كان من بين صوره منعه من إحياء الليلة المحمدية في مركب ثريا السقاط، ومنعه من القيام بجولة فنية بمناسبة المولد النبوي بكل من مسرح محمد الخامس بالرباط والمسرح الملكي في مراكش وسينما أمبير في فاس.
لترتفع وتيرة المنع في الأعوام الثلاثة الموالية، حيث منع عام 2004 من المشاركة في مهرجان فاس للموسيقى الروحية بعد الإعلان عنها في مطويات المهرجان وموقعه، ومنع عرض ألبومه الغنائي.
" في حضرة وجد" عام 2005 بعدد من قاعات العروض في الدار البيضاء في سينما ريالطو ومركب ثريا السقاط ومركب محمد زفزاف، ليضرب المنع مرة ثانية من المشاركة في مهرجان فاس للموسيقى الروحية سنة 2006 بعد أن كان مقررا إحياؤه للأمسية الافتتاحية، وإلغاء بث الحلقة الخاصة بالفنان رشيد غلام من برنامج " شذى الألحان" رغم الإعلان عنه طيلة أسبوع بالقناة الثانية.
هكذا استمر المنع والتضيق على فنه ونغمه إلى الآن، في مقابل فسح المجال لفنانين من خارج الوطن أو ما اصطلح عليهم بفناني العري والانحلال الخلقي وإنفاق عليهم مبالغ مالية خيالية في وقت نجد فيه أبناء الوطن في حاجة ماسة إليها، بل وصلت بهم الوقاحة إلى نقل سهراتهم الماجنة بالقنوات الرسمية للدولة التي تسير من أموال دافعي الضرائب.
وتجدر الإشارة إلى أن مسلسل التضييق على الفنان رشيد غلام لم يتخذ صورة نمطية واحدة والمتمثلة في المنع من ارتياد المرافق العمومية والفضاءات الإعلامية بل تعداه إلى التضييق على مشاركاته الفنية بالوطن العربي، حيث صدرت عام 2007 مذكرة من قبل وزارة الخارجية المغربية تطالب فيها السفارة المصرية بعدم منحه تأشيرة الدخول للديار المصرية بعد نجاح مشاركاته في عدة حفلات بدار الأوبرا المصرية، وبعث نفس المذكرة إلى جميع الدول والأنظمة العربية المتعاونة مع النظام المغربي لشد الخناق على الفنان المبدع غلام.
كما عمدت إلى تلفيق له عدة تهم ومحاكمته من أجلها، بل وصل الأمر إلى اختطافه وتعذيبه وتشويه سمعته إلى أن أنصفه القضاء بتبرئته من التهمة المخزنية الجاهزة في حق معارضيه.
رشيد غلام ومسلسل محاكماته.
في غضون عامي 2003 و2004 تم اعتقال رشيد غلام صحبة 60 فردا من مجلس النصيحة في سيدي البرنوصي بالبيضاء، حيث قدموا جميعا أمام وكيل الملك للمحكمة الابتدائية بعين السبع - البيضاء ليتم إرجاع المسطرة إلى الشرطة القضائية قصد إتمام البحث، كما تم استدعاؤه عدة مرات، من طرف الأمن الوطني بالبرنوصي والمعاريف لاستفساره حول المجالس التي يعقدها في إطار مجلس النصيحة وكذا عن أسفاره خارج الوطن وأنشطته الفنية داخل المغرب وخارجه.
وبتاريخ 22/06/2006 تم منع مجلس النصيحة الذي يشرف عليه رشيد غلام بواسطة القوة العمومية من طرف أمن البرنوصي في مدينة البيضاء، بعد توقيفه صحبة 04 أشخاص والتحقق من هويته ليتم إخلاء سبيله بعد ذلك، لتعاود الأجهزة الأمنية بتاريخ 23/06/2006 محاصرة مجلس النصيحة الذي يشرف عليه فناننا الممنوع.
وبعد مرور خمسة أيام من ذلك الحدث تم استدعاؤه من طرف عميد الشرطة، رئيس دائرة أمن القدس بسيدي البرنوصي زناتة، حيث استمع إليه في محضر حول الاجتماعات التي عقدها يومي 22 و23 يونيو2006 ليتطور الأمر إلى محاصرة بيت بسيدي البرنوصي من طرف أجهزة الأمن كان سيحتضن مجلسا للنصيحة، حيث منع أعضاء من جماعة العدل والإحسان من ولوجه وعلى رأسهم رشيد غلام .
ليقرر وكيل الملك بابتدائية البيضاء بتاريخ 20/07/2006 متابعة السيد رشيد غلام والأخوين عبد الله وعزيز مغاري من أجل عقد اجتماعات عمومية بصفة غير قانونية حيث مثل هذا الأخير ومن معه أمام المحكمة صحبة دفاعه المكون من 100 محام من مختلف الهيئات المغربية وكذا مؤازرته من طرف عدة هيئات حقوقية ومدنية، ليصدر في حقه بتاريخ 06/10/2006 حكما جنحي تحت عدد 26038 ملف عدد : 19150/06 يقضي بمؤاخذته ومن معه من أجل ما نسب لهم والحكم على كل واحد منهم بغرامة نافذة قدرها 2000.00 "ألفي درهم" مع تحميلهم الصائر تضامنا والإجبار في الأدنى.
وبتاريخ 25/03/2007 فوجئ الرأي العام الوطني والدولي باختطاف رشيد غلام بعد تعريضه للتعذيب والتهديد والمساومة، ليتم تلفيق تهمة لا أخلاقية له ومحاكمته من أجلها في حالة اعتقال مؤازرا ب 60 محاميًا في محاكمة مارطونية استغرقت 11 ساعة من المرافعات، ليصدر الحكم بإدانته من أجل المنسوب إليه والحكم عليه بشهر نافذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم مع استرجاع المحجوزات، هذا الحكم طعن فيه دفاع رشيد غلام أمام محكمة النقض لكونه حكما مجانب للصواب وظالم، الأمر الذي استجابت له هاته الأخيرة ونشر من جديد أمام المحكمة الاستئناف بالجديدة، لتصدر صباح يوم الأربعاء 27 نيسان/ أبريل 2011، قرارا يقضي بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم من جديد ببراءة الفنان رشيد غلام من تهمة التحريض على الفساد، على خلفية القضية الشهيرة التي توبع فيها في ملف مفبرك في مدينة الجديدة.
رشيد غلام فنان يغني للحرية وللإنسانية.
لم يستسلم الفنان غلام للحصار المضروب عليه بوطنه المغرب، بل كسر هذا الحصار من خلال تقديمه الكثير من العروض الفنية المتميزة في عدد من دول العالم، وفي العديد من المهرجانات الدولية، كان من أبرزها مشاركته في مهرجان قرطاج في تونس، ومشاركته البارزة في مؤتمر الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية في دورته الخامسة عشرة، ومهرجان تلمسان، وأيضا العديد من المهرجانات في إسطنبول للموسيقى الروحية، وغنى أيضا في كثير من المسارح والأوبرات الأوروبية، وهو صاحب أغنية "طالع" التي يوثق فيها لمجزرة رابعة العدوية، والتي لاقت نجاحا وانتشارا كبيرا بسبب الصدق الذي كتبت به والشجن الذي لحنت به، وزادها رونقا الإخراج الراقي للمخرج الفلسطيني المبدع نورس أبوصالح، كما غنى للشعب السوري المكلوم وللقضية الفلسطينية في أغنية "حماس القدس" الرائعة وأغنية "هنا غزة" ومشاركته في الأبيرت العالمية "كانت إشارة" باستانبول التركية مع نجوم العالم في الفن، تضامنا مع ضحايا ميدان رابعة.
وغنى أيضا لوطنه المغرب وما يكابده من فساد واستبداد وحيف وظلم وقهر في أغنيتيه الشهيرتين "عليوا الصوت" و"عاش الشعب"، لكن ليس بالقنوات التلفزية أو المركبات الثقافية وقاعات العروض المسرحية الممنوع منها، بل بشوارع مدينة البيضاء إبان حراك 20 فبراير الذي انطلق في ظل موجة الربيع العربي عام 2011 والتي حرص حرصا شديدا على المشاركة في جميع نضالات هاته الحركة وتبنى مطالبها وانخرط فيها بكلياته من خلال دعمها بالأغنية الهادفة والكلمة الصادعة بالحق المنكرة للفساد وأهله وللاستبداد وأوجهه.
ارفعوا الحصار عن الفنان رشيد غلام فالدستور الذي تحتكمون إليه لا يسعفكم.
كل التضييقات والخروقات التي سبق بسطها أعلها والتي أوقعتها الأجهزة الأمنية والدبلوماسية والقضائية على فنان النغم الممنوع، تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها في العهود والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب، بل لا تجد لها مسوغا قانونيا ودستوريا وتعتبر انتهاكا جسيما للحق في حرية الفكر والرأي والتعبير والحق في حرية الإبداع والنشر وتنمية الإبداع الثقافي والفني على أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة.
وفي هذا السياق، ينص الفصل 25 من دستور 2011 المغربي على أن "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، وأن " حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة".
وينص الفصل 26 من ذات الدستور على أن "السلطات العمومية تدعم بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة، كما تسعى إلى تطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة".
ختاما أخلص إلى أن الدولة المغربية تعاملت مع الفنان رشيد غلام على خلاف ونقيض ما نص عليه دستور 2011 في الفصلين المذكورين أعلاه، إذ عوض أن تكفل له حرية الفكر والرأي والتعبير كفلت له الخنق والعسف والتضييق والحصار، وعوض أن تدعمه بالوسائل الملائمة لتنمية إبداعه الثقافي والفني عمدت إلى دعمه بوسائل المنع والاعتقال والاختطاف.
وللتضامن مع الفنان رشيد غلام، أعلنها مدوية في وجه من يهمه الأمر للمطالبة برفع الحصار عنه فالدستور الذي تحتكمون إليه لا يسعفكم ويفضح سوءاتكم واستبدادكم ويؤكد مظلومية الرجل ومظلومية من يتشوفون لنغمه الممنوع ولفنه الراقي.