التعليق على "قرار المركزي بتخفيض قيمة الجنية المصري"
فاجأنا البنك المركزي بتلبيته لمطالبتنا المتكرره له بإتباع سياسية نقدية أكثر مرونة في تحديد سعر الصرف بقراره بتخفيض سعر الجنيه المصري، والمفاجأة هنا ليست في القرار لأن هذا هو الطريق الصحيح وإنما المفاجأة في تراجعه عن الطريق الخطأ ووضع قدمه على بداية الطريق الصحيح وكما أكدت منذ شهور أن البنك المركزي ليس أمامه أية خيارات متاحة سوى تخفيض قيمة الجنية مهما طال الوقت وهو ماحدث بالفعل ولكن بعد أن خسرنا الكثير، حيث نجد أن منذ بداية أزمة الدولار أصر البنك المركزي المصري على سياسة نقدية خاطئة زادت من معاناة الاقتصاد المصري وقضت على كل آمال الأصلاح الاقتصادي في إتجاه معاكس لمحاولات الحكومة المصرية نحو الاصلاح الاقتصادي وقام المركزي بتحجيم الطلب على الدولار الأمريكي وهو خطأ كبير دون أن يقوم بإدارة المعروض، لنجد أن أزمة الدولار الأمريكي السبب الرئيسي فيها هو السياسة النقدية للبنك المركزي، ودخل المركزي حرب مع السوق السوداء وكان الخاسر الوحيد في هذة الحرب هو الاقتصاد المصري لأن البنك المركزي لايمتلك حالياً الأدوات التي تمكنه من القضاء على السوق السوداء والدخول في مثل هذة الصراعات وحول شركات الصرافة إلي عدو داخلي بالرغم من أنها هي الطرف الأقوى الآن في المعادلة، وكان على المركزي المصري وضع السياسة التي تستطيع توجيه سوق الصرف من خلال شركات الصرافة لمعاوناة الدولة في توفير الدولار الأمريكي لقطاعات الاقتصاد المصري، وذلك من خلال سياسية نقدية لتحديد قيمة الجنية أكثر مرونة وواقعية وبناءً على قوى العرض والطلب مما كان سيؤدي إلي القضاء على السوق السوداء تلقائياً، وآخيراً وبعد طول أنتظار وبعد تكبدنا خسائر فادحة جاءت قرارات المركزي بتعديل سياسته النقدية بإلغاء القيود على تداول الدولار الأمريكي في السوق المحلي وتخفيض قيمه الجنيه المصري 112 قرش دفعة واحده في محاولة للأقتراب من قيمته الحقيقية، أرى أن هذة القرارات هي البداية الجيدة وليست اكثر من البداية نحو العودة للطريق الصحيح ويجب أن يتبعها مجموعة من القرارات في إطار سياسات نقدية تدعم السياسات المالية للاقتصاد المصري تقوم على إدارة المعروض وليس تحجيم الطلب، وتسعير الجنية بقيمته الحقيقية، وإلغاء تام لكافة القيود المفروضة على تداول الدولار بالسوق المحلي، وإلغاء القيود على تحويلات الدولار للخارج، ووقف نزيف الأحتياطي النقدي، وزيادة الاحتياطي النقدي، وأسعار فائدة منخفضة، وتحجيم إصدارات أذون وسندات الخزانة.
حيث يجب أن نعلم وبشكل واضح أن الجنية المصري الآن وبالرغم من قرار التخفيض الأخير مازال مقيم بأكثر من قيمته الحقيقية، وفي ظل الإنخفاض الحاد الحالي للأحتياطي النقدي فأن معظم رصيد الأحتياطي النقدي القائم لانمتلكه فعلياً لأنه عبارة عن ودائع من دول الخليج والواجب ردها عند ميعاد أستحقاقها، لذلك فإن البنك المركزي ليس أمامه أية خيارات متاحة سوى تخفيض قيمة الجنية مهما طال الوقت، لذلك من الأفضل أن يتم تحديد قيمة الجنية المصري وصولاً لقيمتة الحقيقية أو العادلة عن طريق السوق دون أي تدخل من البنك المركزي المصري، وذلك من خلال إدارة المعروض وليس تحجيم الطلب في السوق الدولاري من خلال إلغاء كافة القيود المفروضة على تداول الدولار في السوق المحلي وكذلك إلغاء كافة القيود على تحويلات الدولار للخارج، على أن يتزامن مع ذلك التخلي عن آلية العطاءات من خلال سوق الإنتربنك الدولاري التي تستخدم لتحديد سعر الجنيه وتوفير احتياجات السوق من الدولار، وأن يتجه البنك المركزي المصري لأن يترك تحديد سعر الجنيه لقوى العرض والطلب بالسوق وهو مايطلق عليه التعويم وذلك من خلال تعويم تدريجي للدولار أمام الجنيه من خلال خطة زمنية معلنة حيث أنه من الصعب أن يتم تعويم كامل للعملة المحلية في فترة زمنية قصيرة حيث قد يؤدي إلي أثار سلبية قد لايستعوبها السوق في الوقت الحالي وأرى أن يتم ذلك على مراحل حتى يمتص السوق بشكل تدريجي الأثار السلبية لتعويم العملة المحلية، وسيؤدي ذلك إلي توفير مصادر تمويلية للدولار لتلبية احتياجات كافة قطاعات الاقتصاد المصري بعيداً عن استنزاف الاحتياطي النقدي وسيكون لذلك مردود إيجابي على إرتفاع جاذبية السوق المصري وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة والغير مباشرة وزيادة الصادرات مما قد ينعكس على تحفيز النمو وزيادة الأحتياطي المصري من العملات الاجنبية، كما سيؤدي إلي زيادة مصداقية الاقتصاد المصري لأتباعه أليات السوق الحر وتلبيته لأحد أهم متطلبات الاقتصاد العالمي في تقييمه لقدرات وكفاءة إدارة الاقتصاد المصري.
ويجب على البنك المركزي العمل على البحث عن مصادر تمويلية واقعية للأحتياطي النقدي والسيطرة على الدين المحلي من خلال تحجيم إصدارات أذون وسندات الخزانة بالجنيه المصري والعمل على زيادة الاحتياطي النقدي من خلال إصدار أذون وسندات بالدولار الأمريكي من خلال استبدال الدين المحلي ذات الفائدة الأعلى بسندات أو قروض دولارية بفائدة أقل مما سينعكس على إرتفاع الاحتياطي النقدي وخفض الدين المحلي الذي وصل إلي مستويات غير آمنة والذي سينعكس بدوره على تخفيض عجز الموازنة لإنخفاض تكلفة الفوائد التي تدفعها الدولة والتي وصلت إلي ثلث الموازنة في العام المالي الحالي، وأخيراً، يجب على البنك المركزي المصري في ظل الوضع الحرج الذي يمر به الاقتصاد المصري بإتباع سياسات نقدية تدعم السياسات المالية في أطار العمل كمنظمومة متكاملة في الاقتصاد المصري لأنتشاله من الأزمات الطاحنة والمتتالية حيث عانينا خلال الفترة الماضية من حالة تضاد مابين السياسة المالية والنقدية مما أضر بالاقتصاد المصري كثيراً، لذلك يجب التوجه في أتجاة معدلات منخفضة لأسعار الفائدة لتخفيض تكلفة الاستثمار لتحفيز جذب الاستثمارات الأجنبية وسينعكس ذلك على إنخفاض تكلفة الدين المحلي.
وفي النهاية وبإختصار .... يجب أن نعرف ماهي الآثار السلبية التي أصابت الاقتصاد المصري نتيجة السياسة النقدية الخاطئة خلال الفترة الماضية حتى نعلم جيداً أن السياسة النقدية التي أتبعها المركزي المصري كانت سياسة خاطئة لايجب العودة إليها مرة أخرى والتي تسببت في تراجع حاد للأحتياطي، تراجع حاد وإضطرابات للجنية المصري، وأصبح الجنيه المصري مقيم بأكثر من قيمته الحقيقية، وتراجع حاد للاستثمارات الأجنبية وكذلك المحلية، وإغلاق وتوقف العديد من المصانع والمؤسسات، وتراجع الصادرات، وقيود على تداول الدولار قادت إلي أزمة سيولة حادة للدولار ليدخل الاقتصاد المصري في حالة ركود تضخمي لتتراجع معدلات النمو.
وتتلخص السياسات النقدية التي أطاحت بالاقتصاد المصري في طريقة إدارة البنك المركزي للاحتياطي النقدي والسوق الدولارية وتحديد سعر الجنيه وإتجاه أسعار الفائدة، حيث أصر البنك المركزي على سياسة توفير احتياجات السوق الدولارية من خلال الاقتطاع من الاحتياطى مما تسبب في نزيف حاد للأحتياطي لأتباع البنك المركزي لآلية العطاءات من خلال سوق الإنتربنك الدولاري لتوفير الدولار وتحديد سعر الجنيه أمام الدولار، حيث عانى الاقتصاد المصري بشدة من عدم توافر الدولار وإنخفاض حجم الاحتياطي النقدي وبدلاً من القيام بالحفاظ على الاحتياطي النقدي والبحث عن مصادر تمويلية آخرى للدولار لتلبية احتياجات السوق، قام البنك المركزي بوضع إجراءات صارمة لتداول الدولار ووضع نفسه كمصدر رئيسي لتمويل أحتياجات السوق من الدولار في الوقت الذي لايمتلك فيه البنك المركزي السيولة الدولارية الكافية لتلبية أحتياجات السوق وكانت النتيجة أنه قام باستنزاف الاحتياطي النقدي ليزيد من مخاطر عدم قدرة مصر على الحفاظ على الاحتياطي النقدي عند المستويات الآمنه في ظل عدم قدرتها على زيادته مره أخرى مع توقعات إنخفاض الدعم الخليجي وعدم تكراراه في ظل تحول ميزانيات معظم دول الخليج لتحقق عجزاً، بالإضافة إلي أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لكبح السوق السوداء للدولار في ظل عدم توافر الدولار وفي ظل عدم قدرة المركزي على تلبية احتياجات السوق من الدولار أدت إلي عرقلة قدرة الشركات على الحصول على المكونات الوسيطة والمواد الخام ومستلزمات الأنتاج من الخارج مما أدى إلي تباطؤ نمو الاقتصاد المصري، وكذلك أصبح عدم توافر الدولار عائق جوهري أمام دخول المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في السوق المصري سواء في الاستثمار المباشر أو إلي البورصة المصرية، وفي ظل مستويات الفائدة المرتفعة التي أبقت تكلفة الاستثمار في مستويات مرتفعة أمام المستثمرين المحليين والأجانب في ظل أرتفاع قيمة الجنية بعيداً عن قيمتة الحقيقية والعادلة، مما أدى إلى إنخفاض انتاجية القطاعات الإنتاجية لينعكس ذلك على الاقتصاد القومي في إنخفاض الصادرات وتراجع النمو.
محمد رضا:
· عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأوراق المالية ECMA؛
· نائب رئيس مؤسسة شبة جزيرة سيناء للتنمية SFD؛
· الرئيس التنفيذي سوليد كابيتال – مصر SOLID Capital – EG (عضو مجموعة سوليد كابيتال البريطانية SOLID Capital –UK)؛
· عضو مجلس إدارة شركة بريميير لتداول الأوراق المالية Premiere Securities؛
· مستشار مالي واستثماري واقتصادي لمجموعة من المؤسسات المالية والاقتصادية؛
· الفائز في مسابقة صندوق النقد الدولي IMF "بناء المستقبل" للإصلاح الاقتصادي؛
· عضو الجمعية المصرية لشباب الأعمال EJB؛
· عضو الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار EG Finance؛
· عضو الجمعية المصرية لإدارة الاستثمار EIMA؛
· عضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين ESTA.
· عضو جمعية مراجعي نظم المعلومات الأمريكية ISACA؛
· عضو جمعية المراجعيين الداخليين الأمريكية IIA.