وداعًا فوضى التمويل الأجنبي

وداعًا فوضى التمويل الأجنبي

وداعًا فوضى التمويل الأجنبي

 صوت الإمارات -

وداعًا فوضى التمويل الأجنبي

بقلم : هاني أبو الفتوح

كثيراً ما يرتبط مصطلح "التمويل الأجنبي" في مجتمعنا بالصورة الذهنية السلبية عن ملتقى التمويل والأهداف المرجوة منه.

والحقيقة أن هذه الصورة الذهنية ليست دقيقة تماماً لأن التمويل الأجنبي في الأصل مباح لدعم أهداف نبيلة ترتبط بالأعمال الخيرية ومشاريع التنمية. إلا أنه قد يصبح كارثة كبرى إذا لم يخضع إلى الضوابط التي يفرضها القانون وتنظمها الجهات المعنية. فهل تقبل أي دولة في العالم أن تُضخ أموال من الخارج دون توفر رقابة فعالة على الأموال وأوجه انفاقها؟  لذلك صدر "قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي" رقم 70 لسنة 2017 المعروف باسم قانون الجمعيات الأهلية الجديد لينهي فوضى التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني.

تعاني دول المنطقة - ومنها مصر - من عدم توفر ضوابط ملائمة تحكم تلقي تمويل من حكومات ومؤسسات غير حكومية ومراكز بحثييه اجنبيه. فالضوابط الحالية يمكن الالتفاف حولها، والعقوبات في حالة المخالفات غالباً ما تكون في شكل عقوبات إدارية بسيطة.

ومن أشكال الالتفاف حول ضوابط التمويل الأجنبي هو تلقي أموال بأسماء أشخاص أو شركات أو مكاتب محاماة، أو إنفاق الأموال في أغراض تختلف عن الأغراض المحددة، كالإنفاق على دعم حزب سياسي أو دعم مرشح محدد في الانتخابات. وبالطبع لا يمكن استبعاد وجود أغراض خبيثة أخرى مثل دفع أموال للمعارضين السياسيين بغرض أحداث الإثارة في المجتمع أو حتى إجراء بحوث ودراسات واستطلاعات رأي في ظاهرها تخدم أغراض بحثية، بينما تستخدم لأغراض استخباراتية. أما أخطر أوجه التمويل الأجنبي هو ما يرتبط بتمويل الإرهاب والإرهابيين.

ربما يتذكر القارئ قضية التمويل الأجنبي، وهي القضية 173 لسنة 2011 المعروفة إعلاميا باسم "التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، التي أتُهم فيها ثلاثة وأربعون ناشط في المجتمع المدني من مصر والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج ولبنان وفلسطين بإنشاء جمعيات أهلية دون ترخيص وبالحصول على تمويل أجنبي  دون ترخيص. والجهات المتهمة بالتمويل تشمل مكتب المعهد الجمهوري الدولي في القاهرة والذي يشغل منصب مديره السيناتور الأمريكي جون ماكين والمعهد الديمقراطي الوطني الذي أسسته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت وفريدوم هاوس والمركز الدولي الأميركي للصحافيين ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية . وقد بلغت قيمة التمويل الأجنبي في هذه القضية نحو ستون مليون دولار متورط فيها ثمانية وستون منظمة حقوقية وجمعية أهلية.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم منع المتهمون من السفر إلى خارج مصر الذين ذهبوا لاحقاً إلى سفارة الولايات المتحدة وطلبوا اللجوء السياسي خوفاً على سلامتهم الشخصية، ولكن السفارة لم تمنحهم  حق اللجوء لأنها رأت عدم وجود ما يهدد سلامتهم الشخصية. وكرد فعل الجانب الأميركي عن هذه القضية، طالب بعض أعضاء الكونغرس بحجب المعونة الأميركية لمصر.
 
بحسب تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي، يبلغ عدد الجمعيات الأهلية في مصر نحو ثمانية وأربعون ألف بينما يتراوح عدد الجمعيات التي تستفيد من التمويل الأجنبي من مئتين إلى ثلاث مائة جمعية بحجم تمويل يبلغ نحو مليار جنيه في عام ٢٠١٦. بالتأكيد أن هذا المبلغ كبير ويستحق إيلاء عناية فائقة عن المصادر و أوجه الإنفاق حتى لا تكون هناك فوضى. فربما يكون هناك بعض الأمور الخطيرة التي تتراوح بين إساءة الاستخدام في أغراض مختلفة عن هدف التمويل، والاختلاسات، إلى إثارة القلاقل وتمويل الإرهاب.

ومع صدور قانون الجمعيات الأهلية الجديد، حظر القانون على الجمعيات إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل عرضها على الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، وإبرام اتفاق مع جهة أجنبية قبل موافقة الجهاز. ويتبه هذا الجهاز رئيس مجلس الوزراء حيث يتولى البت في كل ما يتعلق بشؤون المنظمات الأجنبية وتعاونها مع الجهات الأخرى داخل البلاد، والتمويل الأجنبي للجمعيات والمؤسسات الأهلية المصرية. ووضع القانون شروط تأسيس المنظمات الأجنبية غير الحكومية وأهمها دفع رسم لا يجاوز مقداره ثلاثمائة ألف جنيه أو ما يعادله بالدولار الأمريكي، وأن يكون نشاطها متفقاً مع أولويات واحتياجات المجتمع المصري وفقاً لخطط التنمية، وألا تمارس نشاطاً يدخل في نطاق عمل الأحزاب أو النقابات أو نشاط سياسي. كما يحظر عليها إرسال أو نقل أو تحويل أي أموال أو تبرعات إلى أي شخص أو جهة إلا بعد التصريح لها بذلك.

أما العقوبات في القانون الجديد، فقد تضمنت عدة عقوبات بشأن المخالفات الخاصة بالتمويل وجمع التبرعات، حيث يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، كلُّ من تلقى أو أرسل أموالاً من جهة أجنبية أو قام بجمع التبرعات بالمخالفة للقانون. ويتم مصادرة أموال المنظمات المخالفة بقرار المحكمة وتؤول هذه الأموال إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية.

وفي رأيي أن القانون الجديد يتضمن أحكاما فعًالة لمعالجة أوجه القصور الخاصة بالتمويل الأجنبي التي لم تكن منضبطة بالقدر الملائم في الماضي. فقد أغلق القانون الأبواب الخلفية للتمويل الأجنبي الذي طالما أُسيئ استخدامه منذ فترة طويلة من الزمن، وضيق الخناق على تمويل الإرهاب من خلال الضوابط المفروضة على تلقي التبرعات داخلياً وخارجياً. ربما القانون الجديد لا يعتبر مثالياً يرضي جميع الأطراف، إلا أنه بداية طيبة لإحكام الخلل في مجال عمل الجمعيات الأهلية ومنظمات العمل المدني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وداعًا فوضى التمويل الأجنبي وداعًا فوضى التمويل الأجنبي



GMT 14:26 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

هل تستفيد مصر من قمة "البريكس"؟

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية

GMT 15:18 2017 السبت ,27 أيار / مايو

حقوق المساهم والجمعيات العامة

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates