التقشّف ضرورة وليس خياراً يبحث عن شعبية

التقشّف ضرورة وليس خياراً يبحث عن شعبية

التقشّف ضرورة وليس خياراً يبحث عن شعبية

 صوت الإمارات -

التقشّف ضرورة وليس خياراً يبحث عن شعبية

بقلم - غريتا صعب

مقالات خاصةشهيّب لـ"الجمهورية": لدينا الكثير من الكلام وذاهبون بها حتى النهايةعلى ماذا وافق مجلس الوزراء في جلسته أمس؟اتفاق رئاسي ثلاثي على "تدوير الزوايا"المزيدإذا ما علمنا ما هي توصيات التقشف لأدركنا أنّ تطبيقها في جميع أنحاء العالم وبدعم من أعلى مؤسسات دولية مثل منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغالبية حكومات العالم، أرخى بظلاله بعد الأزمة المالية العالمية على العديد من الدول الأوروبية كذلك الدول الأكثر مديونية في العالم.

إذا ما تطلعنا الى البرتغال واسبانيا واليونان نرى انهم، وعلى رغم ما يعانون، بدأوا بالعودة الى نوع من الارتياح ساعدتهم على ذلك مجموعة تدابير لا سيما التقشّف والقوانين التي أدّت الى تصحيح النمو وتراجع الدين ونوع من الانتعاش الاقتصادي. والواقع أنّ هذه البرامج تنطوي على درجه من القساوة و تشمل عدداً كبيراً من التدابير المرفوضة مثل تخفيفات حادة من استهلاك الأُسر المعيشية عن طريق تخفيض اجور القطاع العام والإعانات، وعلماً أنّ هذه التدابير يمكن أن تمتد على مدى عدد من السنوات وكل تدبير يخلق رابحين خاسرين.

إذا ما تطلّعنا الى الدول الأوروبية نرى أنها تعاملت مع هذه المشكلات بشكل مؤلم الى حدٍّ ما وكان لا بد من ذلك. في ايطاليا مثلاً، وفي العام 2011، زاد رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوي الرعاية الصحية كما خفض الدعم للحكومات الإقليمية والمزايا الضريبية ومعاشات الأثرياء والضرائب على الأغنياء وأهلية سن المعاش التقاعدي والمتهربين من الضرائب.

كذلك الحال في ايرلندا. في العام 2011 خفضت الحكومة الاجور بنسبه خمسة بالمئة وكذلك فعلت البرتغال وزادت الضريبة على القيمة المضافة وعلى الاغنياء وخفضت الانفاق على البنية التحتية، وتبعت اسبانيا الخط نفسه وزادت الضرائب المفروضة على التبغ بنسبه 28 في المئة. ولم تكن المملكة المتحدة اكثر ليونة اذ انها الغت 490 الف وظيفة حكومية وخفضت الميزانيات بنسبة 49 في المئة وزادت سن التقاعد من 65 الى 66 بحلول عام 2020 وخفضت بدل المتقاعدين.

اما الولايات المتحدة الأميركية ورغم من انه لم يطلق عليها اسم تدابير التقشف فقد عملت على خفض الانفاق وزيادة الضرائب.

وقد يكون الاهم هو توقيت تدابير التقشف وقد يكون الوقت غير مناسب اذا كان البلد يجاهد للخروج من الركود ورفع الضرائب على الشركات قد يؤدي الى مزيد من التسريح. لكن وعلى ما يبدو، الحكومة اللبنانية والمسؤولون فيها غير مدركين لأهمية هذه التدابير ويتعاطون معها بعشوائية الامر الذي قد يعني ما يعنيه من ركود طويل الامد وآثار رهيبة على المستثمرين والمواطنين والبطالة وغيرها من الامور التي تزيد من الركود. و يبدو الامر كارثياً لا سيما عندما تدخل السياسة في الاصلاحات وتوضع خطوط حمر على الاشخاص فقط لانتماءاتهم الدينية او السياسية ونتعاطى مع الامور بتجزئة ايّ بدون وجود ايّ نظرة شاملة وبدون احتساب تبعات الخطوات المتخذة، الامر الذي قد يزيد الامور سوءاً ويجعل من الهاوية الاقتصادية امراً لا مفرّ منه، وهذا ما نراه الآن لا سيما في غياب خطة إصلاحية شاملة غير مغطاة لا سياسياً ولا دينياً بل وطنياً من اجل عملية إنقاذ لوضعية باتت على شفير الهاوية. وفي وضعية ممنوع المحاسبة باتت جميع الامور مباحة وجميع المؤسسات فاسدة دون استثناء ولا شك انّ ذلك يساعد الفاسدين في التمادي بفساده وبحجة لا قضاء يحاسبه- والكلام عن استقلالية القضاء قد لا يكون كافي لا سيما انّ هنالك مؤسسات تعمل وكأنها دولة ضمن الدولة وعلى سبيل المثال بعض الوزارات، او على مستوى الاملاك البحرية، اما الدولة فهي التي تغطيها او تتقاضى عنها او ان اصحابها سياسيون لا يمكن التعاطي معهم.

لذلك قد يكون الحديث عن استقلالية القضاء وشفافيته غير كاف لا سيما في ظل قوانين تحمي مرتكبها او اعراف تمنع المساءلة في العديد من الأمور- على سبيل المثال لا الحصر اين هي الاملاك البحرية ومخصصات النواب والوزراء والشخصيات وفرز العسكر للمرافقة بأعداد تتعدى ما في بعض الاحيان المنطق، كلها امور وجب التطلع اليها.

واذا كان وزير الداخلية السابق مروان شربل قد اعطى وفي حلقة تلفزيونية امثالاً على الفساد، فإنّ الامور تتعدى ذلك بكثير وقد يكون تحامله على المجلس الاقتصادي الاجتماعي غير مبرّر لا سيما وانّ أعضاءه لا يتقاضون أيّ راتب أو مخصصات وأنهم علامة فارقة في دولة كثر فيها المستشارون والمحسوبون والخبراء. ويبدو انّ قوانين تشجيع الاستثمار في الصناعات والمعامل لا تزال عرضة وفي كثير من الاحيان لحسابات سياسية لا تناسب البعض والامور قد تذهب ابعد من ذلك إذ إنّ المحاسبة يجب ان تأتي من هيئات مستقلة تمام الاستقلال عن اي مرجعية سياسية وحزبية وبدون تقاسم المصالح إلا انّ الامر على ما يبدو لغاية الآن غير قابل للحياة والتحقيق. والسؤال الذي يجب طرحه الآن من سوف ينفذ خطة ماكينزي التي وضعت كخطة عمل لانعاش الاقتصاد وهل من لجنة متخصصة لذلك ام انها كغيرها من الدراسات اصبحت من الماضي واكتفيت بوضع حبر على ورق ودفعنا ثمنها اكثر بكثير ممّا اعطتنا اياه.
كلها امور اصبحت متداخلة بعضها البعض والكل مسؤول ولا احد يعنيه الامر، والسياسيون غير مهتمين للحاله المزرية التي وصل اليها البلد لذلك قد يكون السؤال الطبيعي اين نحن من كل هذا وما هي الحلول او انه لم يعد هنالك حلول والانهيار بات قريباً.

جملة امور ومعطيات تعطي صورة عن الوضعية القاتمة وثمة جهات يهمّها انهيار البلد الكلي او افلاسه لغاية في نفس يعقوب وطالما لا يمكن محاسبة احد الّا الموظف البسيط فإنّ الامور ولا شك تسير نحو الاسوأ. واذا ما قارنا وضعنا مع اليونان نرى انّ الفارق الكبير من ناحية الجغرافيا والبنية الاجتماعية والسياسية والاحزاب في اليونان تدعمها اوروبا وبنيتها الاجتماعية متجانسة بشكل كبير ولا يوجد سياسيون محميون طالما كلهم تحت سقف القانون وهذا الامر ساعد الى حدّ كبير اليونان، رغم سنين التقشف للخروج من ازمتها الاقتصادية او اقله تخفيف حدتها. واذا اخذنا وضعية الدول التي افلست وعادت لمزاولة اعمالها بعد اشهر نرى انّ هذه الوضعية قد لا تنطبق علينا وقد تؤدي الى ازمه اجتماعيه متفاقمة واقتصاديه مزرية وفي ظل غياب عامل الثقة بالسياسيين والمسؤولين، والامور في هذا المنحى واضحة إما خطة إصلاحية مؤلمه وتشمل الجميع دون استثناء وإما فوضى اجتماعية اقتصادية تساعد فيها عوامل كثيرة قد يكون اولها عامل سعر الصرف والباقي تعلمونه. هذه هي سياسة التقشف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقشّف ضرورة وليس خياراً يبحث عن شعبية التقشّف ضرورة وليس خياراً يبحث عن شعبية



GMT 07:21 2024 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الإصلاح الاقتصادي ..والطبقة المتوسطة

GMT 07:16 2024 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

التضخم …آفة مهلكة

GMT 07:10 2024 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 07:08 2024 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الدولار إلى أين في سباقه مع الجنيه المصري؟

GMT 07:05 2024 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

دور الاستثمار العقاري الخارجي في التنمية الاقتصادية

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates