فاصلة منقوطة

فاصلة منقوطة

فاصلة منقوطة

 صوت الإمارات -

فاصلة منقوطة

بقلم :الأديبة والناقدة منال الشربيني

لماذا لا نجرب أن نكتب الواقع دون الرجوع إلى التاريخ وما قاله الآخرون من قبل؟، لماذا لا نجرب أشياء أُخَر، لم يقل بها السابقون؟،  سنكون أكثر إبداعا لو توكأنا على عصانا، ولو اخترعنا حلولاً لمشاكلنا دون الوقوف على تجارب الغير، فالفطرة السليمة ليست عاجزة عن الابتكار، لماذا نضع أنفسنا دوما في أطر الغير، حتى أننا ننطلق من حيث انطلقوا، وليس من

حيث انتهوا، حيث اختلاف الثقافات والهويات والنزعات والميول؟، لماذا نستند على كل ما سبق، خاصة ما قال به الغرب، فأصبحنا مسخ، لا أكثر، لو فكرنا قليلًا، لاخترعنا ما يليق بنا من فكر، وثقافة، وفن، وإبداع، إن الفطرة السليمة لا ترضى بحالات الانهزام، وتطرد بقوة كل الطاقات السلبية، وترفض التبعية، ولا تقبل إلا بالعدل والحق والخير والجمال، لو قرأنا التاريخ،

لوجدناه دوما يقلل من شأننا، في حقب ليست بالقليلة، ولكنها الأكثر إيلاما ووضوحا وإهانة لنا، والأمثلة على ذلك كثيرة، منذ الفتنة الكبرى، وضياع فلسطين، وتمزق العرب،  والخروج غير المبرر على كل ما هو قائم وراسخ فينا، كل هذا لم يترك لنا إلا العار، والفطرة السليمة لا ترضى بالإهانة، لو أخرجنا من وعينا هزائم التاريخ لنا قليلا، لأصبح لدينا العزم على رد اعتبارنا،

نحن ندس رؤوسنا يوميا في الهزائم والمحن، نجترها، ونفرد لها صفحات الصحف، والفضائيات، فلا يتولد عنها إلا انكسارات، وخيبات، تتجدد، لتعود لتتجدد، لماذا لا نلوذ إلا بالأمس؟ ولا نختبئ إلا في الذكريات الموجعة؟ لماذا لا نحاول الإمساك بلحظات جديدة، نبتكرها من الصفر، وكأننا ولدنا اليوم؟، ربما نجد ما نتوكأ عليه، لأنني لا أرى إلا عصا مهترئة، نخرها السوس

من زمن، وسقطنا أرضا، ومن دائرة الموت نقرأ الموت كل يوم علنًا، لماذا لا نتوقف قليلا لنمنح أنفسنا بعض الحب الفطري لإنسانيتنا وهويتنا فوق تلة ما، في ساعة سحر، فلربما صنعنا تاريخًا يستحق أن يسترجعه القادمون.

لماذا نبحث دوما عن التاريخ ونقلب أوراقه، ثم نقلده بحذافيره، لماذا تحدث الثورات مثلا لتعود كي تحدث؟، لماذا نخطط للحروب من منطلق خطط حاكها البعض ممن سبقوا يوما، لقد أثبتت التجارب أن كل ما كررناه فشل، لقد أصبحنا شعوب متخصصة في خلع حكامها وإهانتهم بطريقة أو بأخرى، فهل تغير الأمر، أم ازداد سوءً؟ وتطالعنا الأنباء من وقت إلى آخر فتنقل لنا خبر إقالة وزير هنا ومسؤول هناك، فهل حققنا إنجازا بشريا مختلفا بهذا التغيير ؟ هل توقف البعض ليعلن أن هنالك جهل بإدارة الأزمات، وأن يتوجب على الكل أن يحتكم إلى الحلول العبقرية التي يقترحها الكثير من أبناء مصر العباقرة في كل المجالات، وهم كثر؟،هل نستند في حل مشاكلنا إلى خطط طويلة الأمد؟ لو رسمنا خطط محكمة على كل من يأتي أن ينفذها بحذافيرها، لما احتجنا للصراخ على مدار الساعة كما نفعل جميعنا الآن، ولو غيرنا القوانين التي جاء بها إلينا الآخر منذ زمن عتيق، ثم عملنا على تنفيذها على الكل دون تمييز، لغيرنا الكثير من منظومة الفساد إلى الأفضل، لما لا نترك القديم ، وننسفه نسفا، ونبدأ بما يتناسب والعصر الذي نعيشه، لماذا مازلنا نقبع مثلا تحت فكرة أننا الأفضل دون أن نثبت للقادمين ذلك بشكل عملي؟، لماذا لا نمر على التاريخ  مرور الكرام فقط دون أن نسكن فيه و نعيد مآسيه، فهو لم يحمل إلا المآسي، ونحن قوم لا نجيد إلا البكاء على الأطلال، وإلا فليخبرني أحدكم، لماذا لا تتكلم برامج التوك شو إلا عن المؤامرات والبطولات السابقة؟ لماذا نرضى لأنفسنا أن يجعلنا التاريخ مجرد توابيت معدة مسبقا، وبعقل جمعي اشتراكي، لا يمنح أي منا فرصة للتميز والإبداع؟ ، وإن خرج البعض عن الجماعة يصبح نموذجًا مشوها، أو خارجا عن العرف بحجة" هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، ويصبح من الواجب اعتقاله لأنه خطر على المجموع؟

فإن تكلمنا عن الدين نجدنا نجتر منه طوال الوقت ما ظهر منه من رقية شرعية وسحر وشعوذة وتخليص الناس من الجن، وإن نتكلم عن السياسة لا نجد إلا التخوين، والفكر التآمري، وعدم تقبل الآخر، وإن تكملنا عن الزواج صدمنا الفكر السطحي لمفهوم التعدد، وإن تكلمنا عن المرأة نجدنا واقفين عند حدود " العورة"، حتى فيما يتعلق بخلق " حواء" نجدنا نقف عند حدود أنها خلقت منه لأجله، وحقيقة الأمر أنها خلقت منه كي يهتم بشؤونها ويقوم على رعايتها لأنه وقع فريسة الملل حين كان وحيدا من باب ان الله سخر كل شيء للإنسان، لكنه لم يسخر إنسانا لنظيره الإنسان، كل التاريخ  والتأويل أعوج، انفضوا التاريخ البائس عنكم قليلا، ربما خلقنا للأجيال المقبلة فضاء أرحب ينطلقون منه، أولا تفكرون".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاصلة منقوطة فاصلة منقوطة



GMT 23:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 20:35 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

GMT 02:34 2022 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 00:53 2021 الأربعاء ,19 أيار / مايو

”أعطنى مسرحًا أُعطِكَ شعبًا مثقفًا”

GMT 20:38 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

صندوق أسرار الزمن المعتّق

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates