بقلم : سناء الحافي
بما أن القصيدة أنثى...و الكتابة صيغة تجسيدية و رمزية لها، فإن الطرح الأدبي في محتواه المعنوي بقلم المرأة سيرتكز حتما على خلجات الروح بحساسية امرأة... و عنفوان طفلة ..و حلم عاشقة ،بمعنى أن الهدف هو إيجاد حالة من التوازن قد تقيها مكائد الزمن، عبر استغلال وجودها الاضطراري في مجتمع شرقي بائس، مُحاولةً صياغة ذاتها الابداعية من جديد...وفق متطلبات الظرف و المكان...
أما عن تصنيف النص من ناحية الجنس الأدبي ، بين شعر نسائي و آخر ذكوري فباعتقادي المطلق أن الشعر لا يؤنّث و لا يذكّر ....لتبقى المقارنة فقط تعتمد على الآليات و اللغة التي يستخدمها كل واحد منهما في نتاجه الخاص ،حيث لا يجب تجاهل ما قدّمه الادب النسوي للساحة الأدبية العربية حاليا حيث سجل بصماته المميزة والجادة في المجال المعرفي بصورة عامة وثبت أقدامه بتركيز فعلي ومؤثر ...وظهرت كتابات جديرة بالاهتمام على صعيد الشعر والرواية أو في فن القصة القصيرة وجميعها تعالج قضايا المجتمع وما تمر به البلاد العربية من انتكاسات سياسية واقتصادية وحتى ما يخص قضايا المرأة واستطاعت بذلك ان تتبلور الفكرة القائلة ان ليس هناك فرقا واضحا بين أدب المرأة وأدب الرجل فهي تصب في مجرى واحد وهي هموم الانسان وأوجاعه وآلامه ... ولكن يبقى الادب النسوي بحاجة للدعم من قبل المجتمع والحكومات العربية والمؤسسات الادبية حتى نستطيع القول انه بلغ مبلغ ابداع الرجل بالكم والنوع ....
لكن تطور التقنية و انتشار مواقع التواصل الاجتماعي لم تساهم في تراجع روح الشعر بقدر ما فرضت أسماء على الساحة الأدبية لا تبث للشعر بصلة ، فأصبح استسهال النثر كقصيدة متجردة من القواعد البنيوية للقصيدة العمودية الحقّة من أولويات المستشعرين و المستشعرات ، لتأخد قالب التعبير المطلق دون ضوابط و التزام بمدركات الكتابة النثرية ...لكن هذا التطور و انعكاساته لا يعني عدم وجود اسماء نسائية استطاعت بلورة خطابها الأنثوي بتميز و أثبتت قدرتها على مواكبة الاحتفاء بالحداثة و تطور أساليبها ..هدفاً منها في التعبير عن خلجاتها و ولواعجها و
الانعتاق من طوق القيود و العادات و التقاليد البالية التي ظلت حبيسة توابيتها لعقود من الزمن ،اذ نلاحظ أن القصيدة النسائية اصبحت أكثر جرأة و حرية و عفوية ..و هذه التلقائية التي تتمتع بها الكتابة النسائية جعلت المتلقي أكثر انتماء للخطاب الأنثوي لما يحتويه من صدق و إحساس و أحيانا يصل الى جماليات الغواية... كما هو الحال حين نقارن بين شعر الشعراء الذي يتسم بالعفوية المطلقة و الاحساس الصادق بوجع الغربة و الحب و شعر العلماء الذي يرتكز على قوالب العروض و الخوف من النقد فقط ليفتقد بذلك صبغة التلقائية التي دائما تشد المتلقي الى الغوص في عمق النص و مدركاته..
مقابل ذلك، نشهد تراجعا ملحوظا ودراماتيكيا للنقد العربي في تناوله للقصيدة النسائية بدون تحيز أو رتوش ، فبدون حركة نقدية- ترصد وتفرز وتُقيّم- لا يمكن أن يعرف القراء طبيعة هذا التطور ومستواه وممثليه الحقيقيين، لذلك اختلط الحابل بالنابل، بحيث كثر الأدعياء والسطحيون وأصبحوا ينعقون، فخُيّلَ لهم أنهم يُغرّدون ويَشْدون في سماء الشعر و النثر ... فالتغيير القائم على مبدأ التأثر و التأثير سار بوتيرة عالية وباتجاهات متعددة أفرز حالات لم تكن بالحسبان وبالرغم من كل هذا و ذاك فالأدب النسائي مازال يحتاج الى وقت للتفاعل معه واستيعابه ومن ثم فإن المؤسسة الأدبية الذكورية يجب ان تمنح المرأة الحق في التعبير و الحضور و مواصلة رحلة ابداعها دون قمع لمنجزها الفكري و الأدبي ...