مصطفى الجنيدي
يغطي أوجاعه بدموعه على سرير المرض منذ سنوات، يشتاق إلى هتاف الجماهير عندما كان "ملك النص" في السبعينات، أكثر ما يؤلمه هجر الأحبة، وفراق صديق الملاعب محمود الخطيب، يلتمس له العذر بشهامة ونبل:"ربما مرضه أبعده عني"، لكن يعود ويتذكر ويتألم:"كنت برتاح باللعب مع بيبو"، ينظر إلى قناة ناديه بحب وحنين:" علاقتي بالأهلي حاليآ راتب شهري أحصل عليه أعيش وأنفق منه على احتياجاتي وحياتي ومرضي يمر يومه ببطء وهو على فراش الموت، متذكرًا بدموع تملآ عينيه، كل رفقاء الأمس، حسن حمدي والخطيب ومصطفى يونس، يبكي بحرقه:" كانوا بيسألوا عليا، لكن دلوقت نسيوني، نسيني الأهلي وجمهوره، نسيني الخطيب وأحبابه، تركوني للمرض يفتك بي، أعاني أوجاعه، هجرني الكيان وبقيت شهادات فقط على حائط الذكريات، أعاودها في مجلد كبير أحتفظ به مع شطة وعبدالعزيز عبدالشافي وفتحي مبروك، اللي كل يوم تقريبآ بيسألوا عليا وعلى أحوالي !
صفوت عبدالحليم، ضابط إيقاع الأهلي في مجده، وصاحب اللمسات السحرية للأحمر، يرقد منذ 9 سنوات طريح الفراش، ينتظر من رفقاء الملاعب، فقط، أن يأتنس بصوتهم، بسؤالهم، بمداعبته، وبحنينهم إلى صداقته، بحزن يقول :" لا حسن حمدي بيسأل ولا الخطيب، ومش بيردوا حتى على التليفون، ممسكآ لسانه ومحاولآ وقف دموعه :" زوروني وبلاش تنسوني"، لكن يأتيه الرد :"الهاتف الذي طلبته، ربما خارج نطاق الخدمة، أو صاحبه لا يتذكرك !
في حوار قديم مع الأهرام الرياضي يتألم:" 9 سنوات وأنا أعاني من جلطة في المخ أصابتني بالشلل، وأقعدتني عن الحركة إلا في حدود ضيقة بقدر حاجتي الضرورية، الذهاب إلى الحمام، أو فتح باب الشقة !
لماذا الأهلي، الكيان، القيمة، الأخلاق، والوطنية، جاحد على من ضحوا من أجله ؟، لماذا الأهلي لم ينس من كانوا بالأمس سبيل حصد بطولاته ؟ هل هان أبناء النادي على القابعين في الجزيرة بهذه السهولة ؟ هل دولاب الأهلي الذي كان "المايسترو الصغير" أحد المحتفلين معه وله وإليه ببطولاته ( 7 دوري وبطولة كأس مصر"، وأكثر من 200 مباراة محلية ومباراتان دوليتين ) يستحق هذا الحجم من الجفاء ؟
هل ينتظر الأهلي، إعلام ومسؤولين أن يقرأوا خبر وفاة "حليم"، حتى يودعوه بحزن وفراق فور أن يعلن عمر وبسنت نبأ وفاة أبيهم ؟ هل ينتظر اتحاد الكرة ووزير الرياضة خالد عبدالعزيز، ملك الموت ليكونوا في الصفوف الأمامية بالحامدية الشاذلية ليقدموا تعازيهم لنجم الأهلي ويدبج النقاد الرياضيين مقالاتهم في أعمدة صحفهم ليقولوا تركنا "عبدالحليم" فجأة ولم ينتظرنا !
"الدكتور"، وهو أعز الألقاب التي أطلقه عليه الراحل عبده صالح الوحش، في عتابه لمن هجروه رقيق، وفي غضبه لمن نسوه ودود، وفي حبه لأبوتريكة كبير حتى أنه قال إن "تريكة" أفضل منه في كل شئ، رغم إنهما لم يلتقيا يومآ !
بحزن ينزوي ويعتصره ألم الأسئلة المتتابعة، مسجلآ في شباك الأحزان لأول مرة منذ أعتزاله للملاعب في بداية الثمانينات:" هو ليه الأهلي ناسيني ؟ وليه أصدقاء العمر تركوني "؟ وليه الملاليم اللي أخدناها من الأهلي لم تبعدنا عن حبي للكيان ؟ وليه الدنيا بتنسى ناسها في الزحمة ؟ وليه الفلوس بتغير النفوس ؟
هل الأهلي ومحمود طاهر ونجوم الملاعب يستطيعوا الرد على تساؤلات "عبدالحليم" قبل أن يصعد إلى السماء ؟ أم أنهم سيثبتون أن الأهلي فريق كبير .. فريق عظيم، ويمنحوا "المايسترو الصغير" الاهتمام والرعاية والسؤال .. وبرضه قليل !!