بقلم: حسن البصري
بعد عشرة أشهر من الترقب والانتظار، قرر القضاء البرازيلي السماح للملاكم المغربي حسن سعادة بالعودة إلى وطنه، وسلمته المحكمة جواز سفره في ما يشبه السراح المؤقت، وقف سعادة أمام القاضي والخوف في عينه، حاول أن يسأل عن طبيعة القرار فصودرت الكلمات في فمه، وابتلع لسانه وغادر قاعة الجلسات دون أن يمعن النظر في تفاصيل سراح دون ضمانات، فالمحكمة البرازيلية لم تحدد تاريخ عودته ولم تصدر أي بيان في الموضوع.
واستجابت المحكمة لطلب تقدمت به اللجنة الأولمبية الوطنية عن طريق المحامي، يدعو لتمكين الملاكم حسن من السفر إلى المغرب للمشاركة في البطولة الأفريقية للملاكمة، على أمل العودة إلى البرازيل فور انتهاء الدورة.
وأدركت اللجنة الأولمبية مدى غباوة ملتمساتها السابقة، حين كانت تطالب بالسراح المؤقت كي يتمكن الملاكم المغربي من حضور أعياد دينية ووطنية، لكن كل هذه الملتمسات كانت تقابل بالرفض، لأن البرازيل تعتبر من يتعاطى للرياضة كمن يمارس طقوس قداس ديني، لذا حين كان مبرر السراح رياضيًا لم يتردد قاضي المحكمة الفيدرالية في التوقيع على المغادرة من أجل حضور ملتقى رياضي.
وظل سعادة يخوض كل شهر نزالًا قضائيًا ضد خصوم ليسوا من نفس الوزن، بينما يردد الحاكم الفعلي لدولة الملاكمة على مسامع الملاكمين لازمته الشهيرة "اللي دارها بيديه يفكها بسنيه"، أما مسؤول في وزارة الشباب والرياضة فقال أمام الملأ "الآخرون يجنون الميداليات ونحن نجني النكبات".
وتعلم الملاكم حسن سعادة بعد طول فترة إقامته في سجن ريو، اللهجة البرازيلية وقد يتحول إلى لاعب كرة مهاري، ويدخل البلاد محترفًا في أعتد الفرق المغربية، بعد أن يتخلص من قفاز لم يجلب له سوى الكدمات على وجهه وفي وجدانه.
فيما سيهب الملاكمون والقائمون عليهم لاستقبال الملاكم الذي أدى ثمن "نظرة وابتسامة"، سيحملون إليه إكليل ورود، سيكتبون على صفحاتهم الفيسبوكية تلك العبارات ذاتها التي دونها حين غادر سعد لمجرد السجن، سيلوحون بقفازاتهم ويجعلون من درب السادني قبلة لهم بعد أن قاطعوه لأشهر لمجرد طول فترة النقاهة القضائية.
ومنذ الإفراج عن اللاعب عبدالحق أيت العريف، بتدخل من رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، استشاطت جامعة الملاكمة غضبًا ليس نكاية في أيت العريف، بل لأن أعضاءها بدوا عاجزين عن انتشال بطل من خلف القضبان كما فعل رئيس جامعة الكرة، انتابهم شعور بالمهانة وبدوا كملاكم يخسر نزاله بالضربة القاضية، ويغادر الحلبة مكسور الوجدان.
فيما يوجد في سجون المملكة عشرات الأبطال الرياضيين الذين يقضون أيامهم الرتيبة بين الاعتقال والفسحة اليومية والقفة الأسبوعية، يقاطعون المشهد الرياضي بعد أن اكتشفوا حجم التنكر، ويوقعون كل يوم كشوفات جديدة في فرق السلفيين.
ففي سجن في جزيرة باستوي النرويجية، يمكن للرياضي المعتقل أن يمارس حقوقه الرياضية بكل حرية، ويخضع لبرنامج "رياضة واعتقال"، في هذا السجن ملاعب لكرة القدم ومدار لألعاب القوى وحلبات للملاكمة وملاعب للتنس ومسبح، هناك يمكن للرياضي أن يتابع تداريبه ويغادر المؤسسة السجنية لخوض مبارياته ويعود في المساء، هذا السجن صديق للرياضيين يمنحهم كل إمكانيات التألق يفتح شهية الاعتقال، وإذا كنت مقطوعًا من شجرة وليس هناك من يرعاك فإنك تتحول إلى جامع كرات.
وفي سجن عين علي مومن ضواحي سطات، هناك لاعب معتقل لأنه "سرق الأضواء" حقيقة وليس مجازًا، فقد استولى على ثريات، معرض سنوي، وحين مثل أمام المحكمة، أطرق رأسه وقال إنه كان مسجونًا في وطنه وأصبح معتقلًا خلف القضبان.