حسن البصري
في ظل ملامح القطبية الحزبية، وظهور فصيلين سياسيين أظهرا منذ افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى، حساسية مفرطة بين البرلمانيين حيث تموقعت الأغلبية في مدرجات اليمين وفضلت المعارضة مدرجات اليسار، بينما تمرد بعض البرلمانيين الجدد على تقاليد افتتاح الموسم التشريعي ورفضوا ارتداء الطربوش الأحمر.
يبدو أن مدرجات البرلمان ستصبح شبيهة بمدرجات ملاعب كرة القدم، مقاعد للجمهور المحلي وأخرى للزوار، يفصل بينهما طابور أمني بزي مدني، وفي حالة تأهب لمنع أي تبادل للسب والشتم بين الفصيلين، سنكون شاكرين لرئاسة مجلس النواب لو تفضلت بإعادة طلاء المقاعد على غرار ملعب الدار البيضاء الذي فصل بين الوداديين والرجاويين انطلاقًا من ألوان الكراسي، الحمراء لمناصري الوداد والخضراء لمشجعي الرجاء.
ولا يستبعد في ظل الاحتقان الحاصل بين القطبين السياسيين، أن تندلع من "فيراج" البرلمان موشحات تتغنى بانتصارات هذا الطرف وانتكاسات الطرف الآخر، وقد تفتح شاشة التلفزة يوما أثناء النقل المباشر لوقائع الجلسات البرلمانية، فتكتشف أن جنبات القاعة قد زينت بـ"باشات" هذا التنظيم أو ذاك، وقد يستهل النقاش بـ"تيفو" يتضمن صورة عملاقة لمؤسس الحزب، وحين يسجل حزب انتصارا سياسيا تشتعل المدرجات ويصرخ المناصرون "اللي ما تبومبا ماشي سياسي"، وهو ما يتطلب تعيين "كابو" يلعب دور قائد الأوركسترا لدى كل فصيل يستحسن انتقاؤه من اللائحة الوطنية للشباب ليكون ملما بطقوس التشجيع و"أدبياته"، شريطة أن تكون له سوابق كروية.
لكن الضرورة الأمنية تفرض على مديرية الأمن الوطني تكوين خلية أمنية للحد من احتقان الجلسات البرلمانية التي لا تخلو من فرجة، تصل إلى السخرية من المتتبعين للمباريات عبر شاشات التلفزيون، فالبرلمان في صيغته الجديدة مليء بالأسر والعائلات حيث يجلس الأب جنبا إلى جنب مع أفراد أسرته مما يتطلب الحد الأدنى من الحياء أثناء المداخلات كي لا يصاب الأهالي بالإحراج، في انتظار المصادقة على قانون شغب البرلمان الذي سيعوض القانون الداخلي الذي أصبح مجرد فزاعة، إذ لا يستبعد حصول انفلاتات تحت القبة كأن يرقص نائب غير محترم عند تسجيل هدف في مرمى خصمه السياسي، أو يقوم بحركات مستفزة قد تذهب إلى حد الانبطاح وهو في قمة الانشراح.
ونظرا للأهمية البالغة للجلسات والوقفات البرلمانية، والطابع الفرجوي الذي يميزها، والسخرية العارمة التي تجتاحها بين الفينة والأخرى، فإن الفرق البرلمانية يجب أن تطالب بحقوق النقل التلفزي، ما دامت هي صانعة الفرجة وهي اللاعب والمشجع ونحن الكرة التي يتقاذفها السياسيون، لذا ستهب قنوات عديدة لشراء حق النقل الحصري لهذه المواجهات فتنتعش صناديق الهيئات السياسية وتبحث عن مستشهرين يجعلون أسئلتهم تلقى برعاية “ماركة” استهلاكية.
لن تمتلئ المدرجات عن آخر ها كما حصل في المباراة الافتتاحية، فهناك بوادر عزوف جماهيري، شبيه إلى حد كبير بالإضراب عن الكرة الذي أعلنته الفصائل المساندة للفرق المغربية، ومن المرجع أن يلجأ السياسيون إلى بعض زعماء المدرجات و"كابوهات" الفيراجات قصد التزود بروح الفكر التطرفي في التشجيع، مع تعديلات بسيطة في محتوى خطاب الشعارات المرفوعة وفي استبدال الشهب النارية بالبخور حين يتعلق الأمر بمدرجات البيجيدي، لطرد شياطين الكرة وإخراجها من جحورها.
لن يقتصر الأمر على مقاعد البرلمان، بل سيمتد إلى الشارع العام، إذ لا يستبعد أن ينظم هذا الفصيل أو ذاك، ما يسمى في قواميس حركة الألتراس بـ"الكورطيج" وهو عبارة عن زحف جماعي نحو الملعب تتخلله أهازيج من ألبوم الحركة، ولأننا عشنا بعد ظهور الانتخابات زحف أنصار البيجيدي وجولاتهم في شوارع العاصمة وكثير من المدن المغربية احتفالا بتصدر الترتيب العام للبطولة الانتخابية، بنفس الطريقة التي يلجأ إليها أنصار فرق الكرة عقب ظفر فريقهم بلقب، فإن هذا الإسقاط الكروي يكفي للإقرار بتسرب عدوى الكرة إلى السياسة.